هل أَخَذَ الشِّيعَةُ أُصولَ الدِّينِ من المُعتزلةِ؟

السؤال: ((يقال: إنَّ أصولَ الدّينِ الّتي لدى الشيعة مأخوذة من المعتزلة فلا يوجد في كلمات أهل البيت (عليهم السلام) هكذا تقسيم..؟!.))

: الشيخ فاروق الجبوري

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

وبعد: .. فإنّ وسيلة التجاهل والتغافل تعدُّ واحدة من أبرز الوسائل المستخدمة في محاربة مذهب التشيّع ، فكما نجد كتاب الفقه على المذاهب الأربعة يهمل رأي الإمام الصادق "عليه السلام" حتّى كأنّه لا وجود له ، مع أنّه سيّد فقهاء المسلمين وأصل تلك المذاهب..!. ، فكذا هو الحال على مستوى العقيدة ؛ إذْ تجد القوم يضيقون ذرعاً بمذهب الأئمّة "عليهم السلام" ، ويأنفون عن عدّه مذهباً قائماً بنفسه ؛ لذا يلجأون إلى الطعن في عقائده ، فتارة يجعلون منشأها اليهوديّة ، وأخرى المجوسيّة ، والآن يرجعونها إلى الاعتزال ، ولا ندري أين تُحَطُّ بنا الرحال في قادم الأيّام..!.

ومثل هذا الإهمال المتعمّد هو الذي دفع ببعض المستشرقين كالألمانيّ السويسريّ آدم متز إلى أن يقول: ((...، وأمّا من حيث العقيدة فإنّ الشيعة هم ورثة المعتزلة..!))[انظر كتابه الحضارة الإسلاميّة في القرن الرابع الهجريّ:ج1،ص124]. ولـمّا كان كثيرٌ من الكتّاب العرب الذين برزوا في أوائل القرن الماضي غيرَ مستقلّين فكريّاً ، ولا حريصين على مسؤوليّة القلم ، ولا كانوا من ذوي الاختصاص بعلم الكلام أو التأريخ ، بل كانوا متأثّرين بحركة الاستشراق الخبيثة وأفكار المستشرقين المسمومة من أمثال الألمانيّ فلهاوزن والمجرّيّ جولد تسيهر والإنجليزيّ نيكلسون ، فقد كان من الطبيعيّ أن يتبنّى بعضهم هذه الفكرة ويروّج لها ، فها هو د. أحمد أمين المصريّ يتخبّط في أطروحاته فينطلق قائلاً: ((وقد بدأ التشّيع من فرقة من الصّحابة كانوا مخلصين في حبّهم لعليٍّ ، يرونه أحقّ بالخلافة لصفاتٍ رأوها فيه؛ ومن أشهرهم سلمان الفارسيّ، أبو ذرّ الغفاريّ ، والمقداد بن الأسود، وتكاثرت شيعته لمّا نَقم الناس على عثمان في السنوات الأخيرة من خلافته ، ثمّ لمّا وليَ الخلافة.)) ثمّ بعده بسطور وفي نفس الصفحة عاد فزعم أنّ تعظيم النبيّ وأهل بيته "صلّى الله عليه وعليهم"، هو "نظرة كسرويّة" أدخلها الفرس لمّا أسلموا..!، وعلى ضوئها نشأت فكرة الإمامة واختصاصها بأهل البيت فقالت بها الشيعة..!.[انظر جميع ذلك في ضحى الإسلام:ج3،:ص209] ، ولم يكتفِ بهذا التهافت حتّى انتهى به المطاف إلى قوله: ((وإنّي أرجِّح أنّ الشيعة أخذوا من المعتزلة تعاليمهم، ونشوء مذهب الاعتزال يدلّ على ذلك....، وكثير من المعتزلة كان يتشيَّع ، فالظاهر أنّه عن طريق هؤلاء تسرّبت أصول المعتزلة إلى الشيعة..!.))[المصدر السابق:ص267 وما بعدها]. هذا وقد تابعه على ذلك عبد الرحمن الشرقاويّ فقال: ((إنّ الشيعة التقطوا كثيراً من أفكار المعتزلة))[انظر مقالته بعنوان: أوّل ثورة في الفكر العربيّ - مجلة الغد العدد2-3 ، في 1يوليو 1953م].

ولكي يتّضح لك حجم الضّلال والتضليل في كلماتهم ، نفتتح الردّ بذكر جملة من الأمور المختصرة التي تثبت من خلالها استقلاليّة المذهب الشيعيّ فكراً وعقيدة عن جميع المذاهب الأخرى بشكل واضح وقطعيّ ، فمن ذلك:

أوّلاً: من حيث المبدأ ، فإنّ اتّفاق مذهبين على بعض الأصول أو جميعها - على فرض تحقّقه - لا يستلزم بالضرورة حصول عمليّة استنساخ أو استيراد لعقيدة أحدهما من الآخر ؛ بدليل أنّ جميع الأديان السماويّة - غير المحرّفة - تتساوى في الاعتقاد بثلاثة من تلك الأصول وهي: (التوحيد والنبوّة والمعاد)، ومع ذلك لم يقل أحد بأنّها مستنسخة أو مستوردة من بعضهما البعض..! ، ولو كان التشابه في الأصول يستلزم ذلك لما قال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}[آل عمران:64] ، بل الاتّفاق في أصول الدّين واجب عقلاً وشرعاً على جميع المذاهب الإسلاميّة ؛ لأنّها أصول الإسلام الجامع لتلك المذاهب.

ثانياً: من الناحية التاريخيّة فإنّ ظهور التشيّع كان على عهد رسول الله "صلّى الله عليه وآله" يومَ لم يكن هنالك معتزلة ولا أشاعرة [انظر التفاصيل في كتاب نشأة التّشيّع للسيّد طالب الخرسان]، ويشهد لذلك جملة من الأحاديث النبويّة الشريفة التي رواها القوم في فضل عليّ "عليه السلام" وشيعته [انظر الدرّ المنثور للسيوطيّ الشافعيّ: ج6،ص379 ، فتح القدير للشوكانيّ (السلفيّ):ج5،ص477 ، المناقب للخوارزميّ الحنفيّ:ص111 ، وتاريخ ابن عساكر(الأشعريّ - الشافعيّ):ج42،ص332 وما بعدها]. وعلى ضوء هذه المعطيات يظهر لك الخطأ في قول الشيخ محمّد أبي زهرة: ((الشيعة أقدم المذاهب السياسيّة الإسلاميّة ، وقد ظهروا بمذهبهم في عصر عثمان، ونما وترعرع في عهد عليّ))[تاريخ المذاهب الإسلاميّة :ج1، ص30] ، فإنّ التشيّع نشأ على يد رسول الله "صلّى الله عليه وآله" وكان من أولويات رسالته ، وما بيعة يوم الدار ولا بيعة الغدير وآياتها إلّا شواهد على ذلك.

وأمّا الاعتزال - كمذهب فكريّ وعقائديّ -، فلا يخفى على أحد أنّه نشأ في أوائل القرن الثاني الهجريّ على يد واصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد (ولدا معاً سنة80 للهجرة)، بعد اعتزالهما للحسن البصريّ ؛ وأنّهم لذلك سُمُّوا بالمعتزلة.[انظر سير أعلام النبلاء للذهبيّ:ج5،ص446، الأنساب للسمعانيّ:ج5،ص338، وفيات الأعيان لابن خلّكان:ج6،ص7]

ثالثاً: من الناحية الفكريّة ، فإنّ هنالك فروقاً واضحة بين التفكير المعتزليّ والشيعيّ ، نتج عنها اختلافهما في تحديد أصول الدين الخمسة التي لدى كلّ منهما ، فقد قال مُنظّر المعتزلة الأوّل وقاضي قضاتهم عبد الجبّار بن أحمد: ((أصول الدّين خمسة: التوحيد، العدل، الوعد والوعيد، المنزلة بين المنزلتين، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهذه الأصول عليها مدار الدّين ، ومَن خالف فيها فهو عظيمُ الخطأِ ، وربّما كَفرَ ، أو فَسقَ بذلك))[انظر كتابه شرح الأصول الخمسة :ص67] ، وعن شيخهم الخيّاط قال: ((وليس يستحِقُّ أحدٌ منهم اسم الاعتزال حتّى يجمع القول بالأصول الخمسة: التوحيد، والعدل، والوعد والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا كَمُلت في الإنسان هذه الخصال الخمس؛ فهو معتزليّ))[الانتصار لشيخ المعتزلة البغداديّة عبد الرحيم بن محمَّد الخيّاط: ص 126]. هذا بخلاف الأصول التي عند الشيعة وهي: (( التوحيد ، والعدل ، والنبوّة ، والإمامة ، والمعاد)) [انظر الرسائل العشر للشيخ الطوسيّ:ص103]، وعلى ضوء ذلك كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الفروع عندنا ، في حين تجد الإمامة من الفروع عندهم [انظر مشارق أنوار اليقين للحافظ رجب البرسيّ:ص199]، وللوقوف على أهمّ الفوارق الفكريّة والعقديّة بين الطرفين يُراجع الجزء الثالث من كتاب بحوث في الملل والنحل للشيخ السبحانيّ إذْ جمع فيه أهمّ عشرين مسألة من أمّهات المسائل العقائديّة التي يختلف فيها الطرفان في أصول الدّين بدءاً من التوحيد وانتهاءً بالمعاد.

رابعاً: انطلاقاً من القول المأثور: "الاعتراف سيّد الأدلّة" ، نُحيلكم إلى اعترافات أئمّة المعتزلة ومصادرها بدءاً بواصل بن عطاء ثمّ بأبي الهذيل فالكعبيّ والقاضي عبد الجبار وابن المرتضى والبلخيّ وغيرهم ؛ إذِ يتّضح من خلالها جليّاً استقلاليّة التشيّع فكراً وعقيدة ، وأسبقيّته تأريخيّاً على الاعتزال ، إذْ تجدهم يصرّحون فيها برجوع مذهبهم إلى أئمّة الشيعة "عليهم السلام" ؛ لأنّ واصل بن عطاء كان قد تتلمذ على يد أبي هاشم عبد الله بن محمّد بن الحنفيّة ، وأنّ أبا هاشم تلميذ والده محمّد ، ومحمّد تلميذ أبيه عليّ بن أبي طالب "عليه السلام" ، وعليٌّ تلميذ رسول الله "صلّى الله عليه وآله" [انظر بحث د.عامر عبد الأمير حاتم: (الخلاف الفكريّ بين المعتزلة والإماميّة) المنشور في مجلة كليّة التربية الأساسيّة للجامعة المستنصريّة: المجلد19، العدد78]

خامساً: تعـدُّ مناظرات ونقوض الشيعة على المعتزلة من أدلّ الوثائق والشواهد على اختلاف الطرفين فكراً وعقيدة ، فمن ذلك ما قام به هشام بن الحكم من إفحام إمام المعتزلة عمرو بن عبيد في واحدة من أشهر وأهمّ المناظرات حول الإمامة [انظر الكافي لثقة الإسلام الكلينيّ:ج1،ص169 ، ورواها الصدوق بسند صحيح في ثلاثة من كتبه: علل الشرايع:ج1،ص193 ، كمال الدين وتمام النعمة:ص207 ، والأمالي:673] ، وقد عرفت أنّ عمرو بن عبيد كان شريكاً لواصل بن عطاء في تأسيس مذهب الاعتزال.

واستمر علماء الطائفة بالكشف عن العقائد الفاسدة للقوم ، فقام الحسن بن موسى النوبختيّ وهو أحد أكابر متكلّمي الشيعة بكتابة خمسة مؤلّفات تنقض عقائدهم ، وتبعه الشيخ المفيد فألّف اثني عشر كتاباً في الردّ عليهم [للوقوف على أسماء جميع تلك المؤلّفات انظر بحوث في الملل والنحل للسبحانيّ:ج3،ص264] ثمّ تلاه تلميذه السيّد علم الهدى المرتضى فألّف كتاب الشافي في أربعة مجلّدات يردّ فيها على الجزء العشرين من كتاب المغنيّ للقاضي عبد الجبّار ، وتابعه شيخ الطائفة الطوسيّ فكتب تلخيص الشافي في أربعة مجلدات أيضاً ، ولا تزال المؤلّفات تتوالى حتّى عصرنا الحاضر ، هذا فيما يرتبط بأصالة الفكر الشيعي.

وأمّا دعوى أنّ قسمة أصول الدّين إلى هذه الخمسة لم ترد في روايات أهل البيت "عليهم السلام"، فباطلة، إذْ تنمُّ عن جهالة صاحبها بالعقائد وطرق إثباتها ، وإلّا فاعلم أخي العزيز أنّ أوّل مصادر ثبوت أصول الدّين هو العقل ؛ إذ ما من أصل منها إلّا ودلّ عليه أكثر من دليل عقليّ قطعيّ كما هو موضّح في محلّه من كتب علم الكلام ، من جهة أخرى فإنّ لدينا القرآن الكريم ؛ فإنّ جميع الأصول الخمسة مذكورة فيه ، ثمّ تأتي بعده السنّة الشريفة ورواياتهم "عليهم السلام" ؛ لنجد أنّ الأصول الخمسة مبثوثة في العشرات منها ؛ غايتها أنّ تلك الروايات قد مزجت بين هذه الأصول وبين بعض الفروع أو بعض مكارم الأخلاق فاستخرجها العلماء منها لِيَفصِلوا بذلك علم الكلام عن علمي الفقه والأخلاق ، ونحن نقتصر هنا على الأخبار المرويّة بسند صحيح ومن كتاب واحد - فضلاً عمّا في سائر الكتب المعتبرة الأخرى - وهو {الكافي لثقة الإسلام الكلينيّ:ج2، ص18 وما بعدها ، باب دعائم الإسلام ، للوقوف على الأحاديث الثاني ، والثالث ، والخامس ، والسادس ، والتاسع ، والرابع عشر} فإنّ المتحصّل من مجموع هذه الأخبار هو التصريح بأربعة من أصول الدين وهي ما عدا العدل، وقد سُمّيت الأصول المذكورة في تلك الروايات باسم (دعائم الدين) و (حدود الإيمان) و (أساس الدّين). بل قد وردت تسميتها صريحاً باسم (أصول الدّين) في رواية معتبرة عن الصادق "عليه السلام" تقع في عشر صفحات جمعت بين الأصول والفروع ومكارم الأخلاق، إذْ يقول "عليه السلام" موصياً بالتقيّة من أعداء المذهب: ((....لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تُظْهِرُوهُمْ عَلَى أُصُولِ دِينِ اللَّه فَإِنَّهُمْ إِنْ سَمِعُوا مِنْكُمْ فِيه شَيْئاً عَادَوْكُمْ عَلَيْه ورَفَعُوه عَلَيْكُمْ وجَهَدُوا عَلَى هَلَاكِكُمْ واسْتَقْبَلُوكُمْ بِمَا تَكْرَهُونَ ولَمْ يَكُنْ لَكُمُ النَّصَفَةُ مِنْهُمْ فِي دُوَلِ الْفُجَّارِ...))[انظر الكافي لثقة الإسلام الكلينيّ:ج7،ص2 وما بعدها] ، ومن الواضح أنّ نصب العِداء للشيعة واحتياجهم إلى التقيّة هو بسبب قولهم بالأصل الرابع منها وهو الإمامة وما يتفرّع عليه من الولاية والبراءة..!. هذا فيما يتعلّق بالتوحيد والنبوّة والإمامة والمعاد.

وأما العدل فيمكن استفادته من عدّة روايات أُخَر ، منها - مثلاً - ما رواه الصدوق عن الصادق "عليه السلام" أنّه سأله رجل فقال له: ((إنّ أساس الدّين التوحيد والعدل، وعلمُه كثيرٌ، ولا بدّ لعاقلٍ منه، فاذكرْ ما يسهلُ الوقوفُ عليه ويتهيّأُ حفظُهُ ، فقال "عليه السلام": أمّا التوحيد: فأَن لا تُجوِّزَ على ربِّك ما جازَ عليك ، وأمّا العدل: فأَن لا تَنسبَ إلى خالقك ما لَامَكَ عليه))[توحيد الصدوق:ص96] ، فانظر قول السائل: "أنّ أساس الدين التوحيد والعدل" وكيف أنّ الإمام سكت عنه ، فإنّ سكوته "عليه السلام" تقرير منه وإمضاء يُرشِدُ إلى صحّة كون العدل أصلاً ؛ لأنّ معنى الأصل هو الأساس الذي يُبنى عليه الشيء [انظر النافع يوم الحشر للمقداد السيوريّ:ص9، وأيضاً أصول البحث للدكتور الفضليّ:ص9] ، ومنها أنّه سُئِلَ أمير المؤمنين "عليه السلام" عن التوحيد والعدل ، فقال: ((التوحيد أن لا تتوهّمه ، والعدل أن لا تتّهمه)) ، وقد علّق عليه ابن أبي الحديد المعتزليّ قائلاً: ((هذان الركنان هما ركنا علم الكلام وهما شعار أصحابنا المعتزلة لِنفيهم المعاني القديمة التي يثبتها الأشعريّ وأصحابه، ولتنزيههم الباري سبحانه عن فعل القبيح ....وجملة الأمر أنّ مذهب أصحابنا في العدل والتوحيد مأخوذ عن أمير المؤمنين[عليه السلام]))[شرح نهج البلاغة :ج20 ص227].

والحاصل أنّ ما ذكره ابن أبي الحديد من أنَّ المعتزلة أخذت أصولها عن أئمّة الشيعة أسوة بعلماء الشيعة الذين أخذوها أيضاً عن أئمّتهم "عليهم السلام" ، أمر واضح لا يخفى على المتتبّع ، وحقيقته مشهورة يقرُّ بها علماء المعتزلة [انظر: المنية والأمل في شرح الملل والنحل لابن المرتضى ص16]. إذْ ذكرَ القاضي عبد الجبّار المعتزليّ في كتابه: (طبقات المعتزلة) بعض أئمّة أهل البيت ممّن قال بالعدل، ففي الطّبقة الأولى ذكر أوّل أئمّتنا: أمير المؤمنين عليّ [طبقات المعتزلة ص180]. وفي الطّبقة الثّانية ذكر ثاني أئمّتنا: الحسن بن عليّ المجتبى، وثالث أئمّتنا: الحسين بن عليّ الشهيد، وفي الطّبقة الثالثة ذكر رابع أئمّتنا: عليّ بن الحسين زين العابدين، وخامس أئمّتنا محمّد بن عليّ الباقر، وفي الطّبقة العاشرة ذكر سادس أئمّتنا: جعفر بن محمّد الصّادق وثامن أئمّتنا عليّ بن موسى الرّضا. [انظر كتاب: طبقات المعتزلة ص180- 192- 348].

فإذا عرفت ذلك يتبّين لك أنّه لم يكن القول بالعدل من تأسيس واصل بن عطاء حتّى يُنسب للاعتزال كلّ من يقول بالعدل أو يتّهم بالأخذ منهم، وإنّما أظهره واصل ردّاً على من أحدث الجبر، وهذا ما يقرّه أئمّة المعتزلة في كلماتهم [طبقات المعتزلة ص120]. بل صرّحوا أنّ واصلاً هذا يستند في القول بالعدل إلى محمّد بن الحنفيّة، وابنه أبي هاشم، وأنّ محمّداً أخذه عن أبيه عليّ بن أبي طالب [المقالات لأبي القاسم البلخيّ ص68]. قال محسن الجشميّ (المتوفّى: 494 هـ): لا شبهة أنّ المعتزلة هم شيعة لاتّباعهم أمير المؤمنين وأهل بيته. [شرح عيون المسائل ج1ص23].

ودمتم سالمين