هل الصحيفة السجادية متواترة وما الرواية المعتمدة في نقلها؟

السؤال: هل ثبت اعتبار الصحيفة السجَّادية، وهل بلغت حدَّ التواتر، وإذا كانت كذلك فما هي الرواية المعتمدة في نقلها؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

لا يخفى أنَّ كتاب الصحيفة السجَّاديّة عبارة عن مجموعة من أدعية إمامنا وسيِّدنا عليّ بن الحسين السجَّاد (ع)، وقد وصل عددها إلى(54) دعاءً على ما هو المعروف، وهي (أدعيةٌ بليغةٌ تستمدُّ مضامينها من القرآن الكريم، وفيها تعليم لما ينبغي أنْ يكون عليه الإنسان، من توجُّهات وهواجس ورؤى وطموح، وبيان لكيفيَّة محاسبته لنفسه ونقده لها، ومكاشفتها بخباياها وأسرارها، ولا سيَّما دعاء مكارم الأخلاق منها) [نصائح سماحة السيِّد السيستاني دام ظلُّه ص10].

ويُعدُّ كتاب الصحيفة السجَّاديّة من أوائل الكتب المصنَّفة في الإسلام بحسب كلام العلَّامة ابن شهر آشوب، إذْ

قال ما نصُّه: (قال الغزاليّ: أوَّل كتاب صُنِّف في الإسلام كتاب ابن جريح الآثار. وحروف التفاسير عن مجاهد، وعطاء بمكَّة، ثمَّ كتاب مُعمَّر بن راشد الصنعاني باليمين، ثمَّ كتاب الموطَّأ بالمدينة لمالك بن أنس، ثمَّ جامع سفيان الثوريّ. بل الصحيح أنَّ أوَّل من صنَّف فيه [أي: الإسلام] أمير المؤمنين (عليه السلام)، جمع كتاب الله (جلَّ جلاله)، ثمَّ سلمان الفارسيّ (ره)، ثمَّ أبو ذر الغفاري (ره)، ثمَّ الأصبغ بن نباتة، ثمَّ عُبيد الله بن أبي رافع، ثمَّ الصحيفة الكاملة عن زين العابدين (ع)..) [معالم العلماء ص38].

فإذا تبيَّن هذا، فاعلم بأنَّ الكلام في (اعتبار) الصحيفة السجَّادية يتطلَّب الكثير من الإسهاب والتفصيل، ولكنّنا سوف نقتصر على ذكر جملة من الوجوه الدالَّة على اعتبارها وصحّة نسبتها إلى المعصوم (ع).

الوجه الأوَّل: التواتر.

لقد صرَّح جملة من أرباب الفن بأنَّ (الصحيفة السجَّاديّة) بلغت حدَّ التواتر المفيد للعلم، فإليك بعضاً من أقوالهم:

1ـ إذْ قال المجلسيّ (ره): (والمشهور بين الأصحاب أنَّه لا يجوز نقل الحديث إلَّا بأحد الطرق السبعة، هذا إذا لم يكن الكتاب من المتواترات، مثل الكتب الأربعة للمحمَّدين الثلاثة (رضي الله تعالى عنهم)، ومثل الصحيفة الكاملة عن الشيخ الطوسيّ، وابن إدريس، وابن السكون أو عميد الرؤساء...فإنَّ الأظهر أنَّه لا يحتاج إلى الإجازة، لأنَّ الغرض من الإجازة، إمَّا العلم أو الظنّ المتاخم للعلم بأنَّ الكتاب من مصنِّفه أو راويه، ومع حصول العلم لا يحتاج إلى علم آخر) [شرح الصحيفة السجَّاديّة ص38].

2ـ وقال العلَّامة المجلسيّ (ره): (والذي رأيتُ من أسانيد الصحيفة بغير هذه الأسانيد فهي أكثر من أنْ تحصى، ولا شكَّ لنا في أنها من سيِّد الساجدين، أمَّا من جهة الإسناد، فإنَّها كالقرآن المجيد، وهي متواترة من طرق الزيديّة أيضاً) [يُنظر: بحار الأنوار ج107 ص59].

3ـ وقال الميرزا الطهرانيّ (ره): (الصحيفة السجَّاديّة الأولى، المنتهي سندها إلى الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (ع)، المعبَّر عنها أخت القرآن، وإنجيل أهل البيت، وزبور آل محمَّد، ويقال لها: الصحيفة الكاملة أيضاً، وللأصحاب اهتمامٌ بروايتها، ويخصُّونها بالذكر في إجازاتهم، وعليها شروح كثيرة...وهي من المتواترات عند الأصحاب، لاختصاصها بالإجازة والرواية في كلِّ طبقة وعصر، ينتهي سند روايتها إلى الإمام أبي جعفر الباقر وزيد الشهيد ابني عليّ بن الحسين، عن أبيهما عليّ بن الحسين (عليه السلام)، والمتوفَّى مسموماً (95) من الهجرة) [الذريعة إلى تصانيف الشيعة ج15 ص18].

4ـ وقال الشيخ باقر شريف القرشيّ (ه): (أمَّا سند الصحيفة فينتهي إلى الإمام الأعظم أبي جعفر محمَّد الباقر (عليه السلام) وإلى الشهيد الخالد زيد بن عليّ بن الحسين (عليه السلام)، وقد ذكرت سلسلة السند في مقدِّمة الصحيفة، وقد حظي بالتواتر حتَّى زاد على‏ ستّة وخمسين ألفاً, وما زال العلماء يتلقَّونها موصولة الإسناد بالإسناد...إلى أنْ قال: إنَّ سند الصحيفة قطعيٌّ لا يقبل الجدل ولا الشكّ، فقد تواتر إلى حدِّ اليقين) [حياة الإمام زين العابدين ج2 ص19].

الوجه الثاني: علوّ مضامينها.

أنَّ الملاحِظ لمضامين أدعية الصحيفة السجَّاديّة المباركة يراها تحتوي على المضامين العالية، من حيث البلاغة، والفصاحة، والمعارف الإلهيّة، وغير ذلك، الأمر الذي يجعل الباحث يَطمئنُّ بصدورها عن أهل بيت العصمة والطَّاهرة (ع)، كما نبَّه عليه جملة من علمائنا الأعلام، نذكر بعضاً من أقوالهم.

1ـ قال العلَّامة المجلسيّ(ره):: (وأمَّا من حيث العبارة، فهي أظهر من أنْ يذكر، فهي كالقرآن المجيد في نهاية الفصاحة، وأمَّا من جهة الإحاطة بالعلوم الإلهية، فهو أيضاً ظاهر لمن كان أدنى معرفة بالعلوم) [بحار الأنوار ج107 ص59].

2ـ وقال أيضاً: (والحاصل: أنّه لا شكّ في أنَّ الصحيفة الكاملة، عن مولانا سيِّد الساجدين بذاتها وفصاحتها وبلاغتها، واشتمالها على العلوم الإلهيّة التي لا يُمكن لغير المعصوم الإتيان بها، والحمد لله ربِّ العالمين على هذه النعمة الجليلة العظيمة التي اختصَّت بنا معشر الشيعة، والصلاة على مدينة العلوم الربّانيّة، سيِّد المرسلين وعترته أبواب العلوم والحكم القدُّوسيَّة، والسلام عليهم ورحمة الله وبركاته). [ينظر: بحار الأنوار ج107 ص66].

3ـ وقال السيِّد علي خان المدنيّ (ره): (واعلم: أنَّ هذه الصحيفة الشريفة عليها مسحة من العلم الإلهيّ، وفيها عبقة من الكلام النبويّ، كيف لا وهي قبسٌ من نور مشكاة الرسالة، ونفحة من شميم رياض الإمامة...وكان أحبار العلماء وجهابذة القدماء من السلف الصالح يُلقِّبونها بزبور آل محمَّد (صلَّى الله عليه وآله)، وإنجيل أهل البيت (عليهم السلام) ...إلى قوله: وأمَّا بلاغة بيانها وبراعة تبيانها، فعندها تسجد سحرة الكلام، وتذعن بالعجز مداره الأعلام، وتعترف بأنَّ النبوَّة غير الكهانة، ولا يستوي الحقّ والباطل في المكانة، ومن حام حول سمائها بغاسق فكره الواقب رمي من رجوم الخذلان بشهاب ثاقب. وقد حكى ابن شهر آشوب في مناقب آل أبي طالب: أنَّ بعض البُلغاء بالبصرة ذكرت عنده الصحيفة الكاملة فقال: خذوا عنِّي حتَّى أُملي عليكم مثلها، فأخذ القلم وأطرق رأسه فما رفعه حتَّى مات). [رياض السالكين ج1 ص51].

4ـ وقال السيِّد الأمين (ره): (وبلاغة ألفاظها وفصاحتها التي لا تبارى، وعلوّ مضامينها، وما فيها من أنواع التذلُّل لله تعالى والثناء عليه، والأساليب العجيبة في طلب عفوه وكرمه والتوسُّل إليه، أقوى شاهد على صحَّة نسبتها، وأنَّ هذا الدرّ من ذلك البحر، وهذا الجوهر من ذلك المعدن، وهذا الثمر من ذلك الشجر، مضافاً إلى اشتهارها شهرة لا تقبل الريب، وتعدّد أسانيدها المتَّصلة إلى منشئها (صلوات الله عليه وعلى آبائه وأبنائه الطَّاهرين)، فقد رواها الثقات بأسانيدهم المتعدّدة المتَّصلة إلى زين العابدين(ع) وقد كانت منها نسخة عند زيد الشهيد، ثمَّ انتقلت إلى أولاده، وإلى أولاد عبد الله بن الحسن المثنّى كما هو مذكور في أوّلها، مضافاً إلى ما كان عند الباقر (ع) من نسختها، وقد اعتنى بها الناس أتمَّ اعتناء بروايتها وضبط ألفاظها ونسخها، وواظبوا على الدعاء بأدعيتها في اللّيل والنهار، والعشيِّ والإبكار، والغدوات والأسحار، والتضرُّع إليه تعالى، وطلب الحوائج منه، والمغفرة والفوز بالجنّة، والنجاة من النار، واستنسخ منها نسخ لا تعدُّ ولا تحصى بالخطوط الجميلة النادرة المثيل، والمزيَّنة بجداول الذهب، على ورق الترمة وما ضاهاه، وطبعت على الحجر طبعات كثيرة، وشرحها العلماء شروحاً عديدة). [أعيان الشيعة ج1 ص638].

5ـ وقال الشيخ محمَّد رضا المظفَّر (ره): فلذلك أكثر من هذه الأدعية البليغة، وقد جمعتْ بعضها (الصحيفة السجَّاديّة) التي سُمِّيت (بزبور آل محمَّد)، وجاءت في أسلوبها ومراميها في أعلى أساليب الأدب العربيّ، وفي أسمى مرامي الدين الحنيف، وأدقّ أسرار التوحيد والنبوَّة، وأصحّ طريقة لتعليم الأخلاق المحمديّة والآداب الإسلاميّة. وكانت في مختلف الموضوعات التربويّة الدينيّة، فهي تعليم للدين والأخلاق في أسلوب الدعاء، أو دعاء في أسلوب تعليمٍ للدين والأخلاق، وهي بحقّ بعد القرآن ونهج البلاغة من أعلى أساليب البيان العربيّ) [عقائد الإماميَّة ص٩٥].

6ـ وقال الشيخ باقر شريف القرشي (ره): (أمَّا سند الصحيفة فينتهي إلى الإمام الأعظم أبي جعفر محمَّد الباقر (عليه السلام) وإلى الشهيد الخالد زيد بن علي بن الحسين (عليه السلام)...إلى أنْ قال: مضافاً إلى بلاغتها الفائقة التي لا تصدر إلَّا عن هذا الإمام العظيم) [حياة الإمام زين العابدين ج2 ص19].

الوجه الثالث: اهتمام الأعلام.

لا يخفى أنَّ الأعلام ـ قديماً وحديثاً ـ قد اهتموا بالصحيفة السجَّادية اهتماماً بالغاً، وذلك من خلال الإجازات والشروحات وغير ذلك، وهو ممّا يؤشِّر بشكلٍ واضحٍ على مدى الاهتمام والاعتناء بها.

قال الميرزا الطهراني (ره): (الصحيفة السجَّادية الأولى، المنتهي سندها إلى الإمام زين العابدين (ع) ...إلى قوله: وللأصحاب اهتمامٌ بروايتها، ويخصُّونها بالذكر في إجازاتهم، وعليها شروح كثيرة) [الذريعة إلى تصانيف الشيعة ج15 ص18].

فمن تلك الشروح المشار إليها، (شرح الصحيفة السجَّاديّة)، للشيخ محمَّد تقيّ المجلسيّ، (رياض السالكين في شرح صحيفة سيِّد الساجدين)، للسيِّد علي خان المدني، (لوامع الأنوار العرشيّة في شرح الصحيفة السجَّاديّة)، للسيِّد محمَّد باقر الموسويّ الشيرازيّ، (شرح الصحيفة السجَّاديّة الكاملة) للسيِّد محمَّد باقر الداماد، (الفرائد الطريفة في شرح الصحيفة الشريفة) للعلَّامة المجلسيّ، (نور الأنوار، في شرح الصحيفة السجَّاديّة) للسيِّد نعمة الله الجزائريّ (قدَّس الله أسرارهم). وغيرها الكثير، كما لا يخفى على المطالِع.

والنتيجة: أنَّ الصحيفة السجَّاديّة قد بغلت من الاعتبار حدَّاً لا يُمكن الشكُّ فيه كما بيّنا، وبذلك نحكم بصدورها عن سيِّدنا وإمامنا زين العابدين (ع).. والحمد لله ربّ العالمين.