هل يجوز وصف مراجع الدين بـ"حسين الزمان" أو مدن بـ"كربلاء الزمان"؟

السؤال: (( هل يصحُّ أن نَصِفَ مراجعَ التقليد أو بعضَ الفقهاء بأنّهم حُسينُ الزمانِ أو بعضَ القادةِ الإسلاميين بأنّهم عبّاسُ الزمان..؟ وهل يمكننا أن نُطلقَ اسم كربلاءِ الزمان على غيرِ مدينةِ كربلاءَ التي دُفِنَ فيها الامامُ الحسين "عليه السلام"..؟!.)). .

: الشيخ فاروق الجبوري

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

وبعد: فإنّ سؤالكم يتألّف من شقّين: أحدهما: متعلّق بإطلاق تسميات الذوات المقدّسة لأهل البيت (عليهم السلام) على بعض رموز المذهب من العلماء والقادة، والآخر: مرتبط بمدينة كربلاء المقدّسة، وفي كلا الشقّين يحتاج الأمر إلى شيء من التوضيح ، كما يلي:

1- بيان ما يتعلّق بالشقّ الأوّل: (وصف المراجع والقادة بأسماء أهل البيت (عليهم السلام) ) وفيه أمران:

أحدهما: لا شكّ في أنّ الإمام الحسين (ع)إنّما قام بنهضته المباركة طلباً للإصلاح وليس الصلاح فحسب، وقد نصّ على ذلك في وصيته: «...، وأنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي (ص)أريد أن آمُرَ بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسيرَ بسيرة جدي وأبي علي ابن أبي طالب (عليه السلام)....» [بحار الأنوار ج44 ص329]، كما أنّه (ع) كان ينشد النصرة والمؤازرة له في ذلك حتّى آخر ساعة له في الحياة، بل أراد لمشروع الإصلاح أن يستمرّ كوسلية لحفظ رسالة الإسلام المحمّديّ الأصيل ونشر تعاليمه، وذلك بأن يكون المؤمن رساليّاً في زمان ومكان، فيحذو حذوه (ع) وينتهج نهجه في إصلاح مجتمعه راعياً ورعيةً إلى أن يتحقّق ظهور المصلح العالمي (عج).

كما لا شكّ في أنّ علماء المذهب الربانيّين وقادته الميدانيّين هم أوّل المستجيبين والملبّين من الأمّة لنداءاته ونصرة قضيّته (ع)؛ وعليه..

فإن كان الوصف المذكور في سؤالكم يُطلَقُ عليهم بلحاظ التَّشَبُّه العمليّ بالحسين (ع) من حيث وحدة المبادئ والقيم واستقامة المنهج ومشروعيّة الغاية، وتبنّي نهج الإصلاح ورفض الذلّ وعدم الركون إلى الظالمين - كما هو المعروف عن علماء المذهب وقادته على مرّ العصور - فإنّ المقدار الجائز منه حينئذٍ هو أنّ يقال في حقّ تلك الشخصيّة القياديّة أو حقّ ذلك الفقيه بأنّه (حسينيّ)، فيقال مثلاً: ( الفقيه الفلانيّ حسينيّ في منهجه، والقائد الفلانيّ عباسيّ في شجاعته) وهكذا ، ولا يصحّ أن يقال: ذاك حسين العصر ، أو هذا عبّاس الزمان.

وأمّا لو كان إطلاق الوصف المذكور في السؤال بقصد التشبيه والمقايسة بين أحد من أهل البيت (عليهم السلام) وبين غيرهم من الأمّة - مهما علت منزلته - في مقام الذوات ، أو من حيث الصفات والخصائص ، أو في حجم الأدوار والنتائج ، أو في الفضل والمنزلة، بل في سائر المقامات والدرجات الدينيّة والدنيويّة والأخرويّة، فإنّ جميع ذلك غير جائز شرعاً ؛ لعدم مطابقته للواقع ، ولمخالفته للنهي الوارد في كتب الفريقين، فعن النبيّ (ص) قال: «نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد» [كنز العمال ج12 ص104]. هذا، وقد أوضح أمير المؤمنين الوجه في فساد هذه المقايسة وعدم جوازها بقوله (ع): «لَا يُقَاسُ بِآلِ مُحَمَّدٍ (ص)مِنْ هَذِه الأُمَّةِ أَحَدٌ، ولَا يُسَوَّى بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعمَتُهُمْ علَيْه أَبَداً، هُمْ أَسَاسُ الدِّينِ وعمَادُ الْيَقِينِ،...» [نهج البلاغة تحقيق صبحي صالح ص47].

بل لا تجوز المقايسة المذكورة حتّى فيما تحمّله سيّد الشهداء وأهل بيته وعياله من المصائب والرزايا في جنب الله تعالى ، كما لا وجه لها حتّى في إظهار الحزن والجزع لتلك المصائب ؛ لأنّه كما قال الإمام الحسن المجتبى (ع): «....لا يوم كيومك يا أبا عبد الله، يَزدَلِفُ إليك ثلاثون ألف رجلٍ ، يَدَّعون أنّهم من أُمّة جَدِّنا محمد (ص)، وينتحلون دين الاسلام ، فيجتمعون على قتلك، وسفك دمك، وانتهاك حرمتك، وسبي ذراريك ونسائك، وانتهاب ثقلك، فعندها تحلُّ ببني أُميّة اللّعنة، وتمطر السماء رماداً ودماً، ويبكي عليك كلُّ شيء حتّى الوحوش في الفلوات، والحيتان في البحار..!. » [أمالي الصدوق ص178].

ولذا جاء في استفتاء موجّه إلى سماحة آية الله العظمى السيّد محمّد صادق الروحانيّ (قُدّس) ما يلي

السلام عليكم، مولانا ما رأي سماحتكم بالألقاب التي تطلق على المعمّمين من سائر الناس مثل (حسين العصر)، و(عليّ العصر)، و إن كان هذا اللّقب يطلقه المعمّمون على من يتّبعونه من مرجعيّة ويسبّب للناس خللا عقائديّاً فهل يصحّ هذا الفعل وما هو موقفنا من أصحاب هذه المقولة؟ دمتم موفقين إن شاء الله

جواب: (كلام يدلّ على قصور قائليه في التعبير، وعدم إدراكهم لأبعاد مثل هذا الكلام الذي يحتوي على التشبيه، فهم يقصدون مدح بعض الناس بالقول إنّهم على منهج عليّ والحسين (عليهما السلام) ، ولكنّهم في استعمال تلك الأوصاف يبالغون في مدحهم في تشبيههم لهم بالمعصومين، وهذا خطأ فادح على كلّ الأوجُه، لأنّهم إن أرادوا تنزيل مقام المعصومين الى منزلة هؤلاء فهو انحراف كبير وجهل في معرفة مقام الأئمّة (عليهم السلام) ، وإن أرادوا رفع مقام هؤلاء الى مقام المعصومين فهو خلل كبير في الناحية العقائديّة ؛ فأهل بيت العصمة (عليهم السلام) لا يقاس بهم أحد ، ولا يصل الى مقامهم إنسان مهما علا شأنه، كما ورد في النصوص الصحيحة المعتبرة، وكما نعتقده بالنسبة لمن طهّرهم الله تعالى واختارهم ليكونوا الأدلّاء عليه والوسيلة إليه).

الأمر الثاني: من الضرورة بمكان التذكير بما عُرِف عن مراجع الشيعة الربانيّين وعلماء الدين من أنّهم يرفضون إطلاق مثل هذه التوصيفات على أنفسهم بأيّ لحاظ كان، فهم مع جلالة قدرهم وعظيم منزلتهم إلّا أنّهم لا يرون أنفسهم أهلاً ولو للتشبيه بمثل أنصار الحسين (ع)؛ ولذا تجدهم كابراً بعد كابر يردّدون هذا المقطع من زيارة شهداء الطفّ: «بأبي أنتم وأمّي طبتم وطابت الأرضُ التي فيها دُفنتم وفُزتم فوزاً عظيماً فيا ليتني كنت معكم فأفوزَ معكم...». فما ظنُّكَ في تشبيههم بالإمام الحسين أو أخيه أبي الفضل العبّاس (عليهما السلام)؛ لذلك فإنّ التسامح في إطلاق هذه التسميات إنّما يأتي عن طريق غير المتشرّعة من عوامّ الأمّة أو بعض وسائل الإعلام ونحوها، وهؤلاء - على كلّ حال - لا يمثّلون مدركاً لمشروعيّة الجواز وعدمه كما لا يخفى.

2- بيان ما يتعلّق بالشقّ الثاني: (تسمية مدينة ما بِاسمِ "كربلاء الزمان")، وفيه: أنّه لا شبهة ولا إشكال في قدسيّة أرض كربلاء ، فقد فضّلها الله تعالى على سائر بقاع الأرض في الدنيا والآخرة ، كما تظافرت به الأخبار عنهم (عليهم السلام)، ففي الموثّق كالصحيح عن عمر بن يزيد بياع السابريّ ، عن أبي عبد الله (ع)قال: «إنّ أرضَ الكعبةِ قالت: من مثلي وقد بُني بيتُ الله على ظهري يأتيني الناس مِن كلّ فَجٍّ عميق وجُعلتُ حَرمَ اللهِ وأَمنِهِ..، فأوحى الله إليها: أن كُفّي وقَرّي ، ما فَضْلُ ما فُضِّلْتِ به فيما أَعطَيتُ أرضَ كربلاء إلّا بمنزلة الإبرةِ غُرِسَت في البحر فَحَمَلتْ مِن ماءِ البحر ..! ، ولولا تربةُ كربلاء ما فَضَّلتُكِ ولولا مَن تَضمَّنته أرضُ كربلاء ما خَلقتُك ولا خَلقتُ البيتَ الذي به افتَخَرْتِ فقَرِّي واستقرِّي وكوني ذَنَبَاً متواضعاً ذليلاً مَهيناً غيرَ مستنكفٍ ولا مُستكبرٍ لأرضِ كربلاء وإلاّ سُخْتُ بك وهويت بك في نار جهنّم» [الوسائل ج14 ص514]، وعن عمرو بن ثابت عن أبيه عن أبي جعفر (ع)قال: «خلق الله تبارك وتعالى أرضَ كربلاء قبلَ أن يخلق الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام وقدّسها وبارك عليها، فما زالت قبلَ خلقِ اللهِ الخلقَ مُقَدَّسَةً مُباركةً، ولا تزالُ كذلك حتّى يجعلُها الله أَفضلَ أرضٍ في الجنّة وأفضلَ مَنزلٍ ومَسكنٍ يُسكِنُ اللهُ فيه أَولياءَه في الجنّة» [كامل الزيارات ص450].

فإذا عرفت ذلك، فإنّ وصفَ مدينةٍ ما من المدن الإسلاميّة بصفة (كربلاء الزمان) ممّا لا يجوز شرعاً ، من دون فرق بين دواعي ذلك التوصيف ؛ إذ لو كان بهدف الحطّ من قدسيّة كربلاء وتسويتها بسائر بلاد المسلمين - كما يُروّج له مشايخ الوهابيّة ودعاتهم - ، فإنّ حرمته واضحة ؛ وذلك لمخالفته للنصوص المتقدّمة ونظائرها من جهة ، وأيضاً للنصّ على وجوب تعظيم شعائر الله تعالى وأعلام دينه ، وتعظيم حرماته تعالى من جهة أخرى ، قال تعالى: {وَمَنْ يُعظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عنْدَ رَبِّهِ}[الحجّ:30] ، وقال جلّت عظمته: { وَمَنْ يُعظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}[الحجّ:32] ، وعلى التعظيمين انعقد إجماع علماء المسلمين. ولا شبهة ولا إشكال في كون كربلاء المقدّسة واحدةً من أبرز شعائر الدّين وأعلامه ، فهي قبلة القلوب ومقصد أحرار العالم ومنار الهداية إلى الإسلام المحمّديّ الأصيل وموطن الصلاح ومدرسة الإصلاح للبشريّة من مختلف القوميّات والأطياف ، وكذا لا إشكال في كونها من المواضع ذات الحُرمة والقداسة ؛ لتضمّنها جسد المولى سيّد الشهداء (ع) والشهداء من أهل بيته وأنصاره (عليهم السلام) ؛ وبناءً على ذلك تكون واجبة التعظيم ولا يجوز الحطُّ من قدسيّتها والمساس بحرمتها ؛ إذ لو لم تكن كربلاء كذلك لما تزاحم على زيارتها جموع الملائكة والأنبياء (عليهم السلام) ، ففي موثّقة إسحاق بن عمار عن الصادق (عليه السلام)، قال: « سمعته يقول: لِمَوْضِع قَبْرِ الْحُسَيْنِ (ع)حُرْمَةٌ مَعلُومَةٌ مَنْ عرَفَهَا واسْتَجَارَ بِهَا أُجِيرَ. قُلْتُ: صِفْ لِي مَوْضِعهَا. قَالَ: امْسَحْ مِنْ مَوْضِع قَبْرِه الْيَوْمَ خَمْسَةً وعشْرِينَ ذِرَاعاً مِنْ قُدَّامِه ، وخَمْسَةً وعشْرِينَ ذِرَاعاً عنْدَ رَأْسِه ، وخَمْسَةً وعشْرِينَ ذِرَاعاً مِنْ نَاحِيَةِ رِجْلَيْه وخَمْسَةً وعشْرِينَ ذِرَاعاً مِنْ خَلْفِه. [ثمّ قال (عليه السلام)]: ومَوْضِع قَبْرِه مِنْ يَوْم دُفِنَ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ ومِنْهُ مِعرَاجٌ يُعرَجُ مِنْه بِأَعمَالِ زُوَّارِه إِلَى السَّمَاءِ ، ولَيْسَ مِنْ مَلَكٍ ولَا نَبِيٍّ فِي السَّمَاوَاتِ إِلَّا وهُمْ يَسْأَلُونَ اللَّه أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ فِي زِيَارَةِ قَبْرِ الْحُسَيْنِ (ع)فَفَوْجٌ يَنْزِلُ وفَوْجٌ يَعرُجُ » [الكافي ج4 ص588].

وهكذا لو كان وصف "كربلاء الزمان" يطلق على مدينة ما بداعي التَيَّمُنِ ، وبلحاظ المحبّة والتأثّر عمليّاً بنهضة سيد الشهداء (ع) ومبادئها السامية ، فإنّ ذلك أيضاً ممّا لا يجوز ، لوضوح أنّ تلك المدينة ليست لها قدسيّة حقيقيّة كتلك التي لمدينة كربلاء ، كما أنّه لم يرد فيها نصّ شرعي يسوّغ مثل هذا التوصيف..

نعم، يجوز نسبة تلك المدينة إلى كربلاء بقصد التشريف لها ورفع منزلتها بين المدن الأخرى فيما لو كانت تستحقّ ذلك من حيث صلاح أهلها وانتهاجهم لنهج الإمام الحسين (ع)، بأن يقال عنها حينئذٍ : (هذه مدينة كربلائية)، فإنّ كربلاء امتدّتْ من تحت الأجساد الثائرة وامتدّت معها ثورة الحسين وأهدافها ومقاييسها وأحداثها.. وامتدت.. وامتدّت..، وامتدّت حتّى أصبحت "كلُّ أرضٍ كربلاء وكلُّ يومٍ عاشوراء..!" [الإمام الحسين ثورة لا تنتهي ص19]. والحمد لله ربّ العالمين.