دلالة حديث المنزلة على خلافة أمير المؤمنين (عليه السلام).

السؤال: يقول مخالفونا: إنّ حديث المنزلة مخصوصٌ بغزوة تبوك، عندما خرج النبيّ وترك عليّاً ليقوم بشؤون أهله وعياله ومن بقي في المدينة المنوّرة، فالقضيّة خاصّة، وإنَّ الخلافة فيه كانت خلافةً مؤقّتة في ظرفٍ خاصٍّ، وزمانٍ محدودٍ، في حياة النبيّ (ص). فما ردّكم على ذلك؟

: السيد أبو اَلحسن علي الموسوي

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

اعلم أنَّ هناك تقصيراً واضحاً فيما يقوله مخالفونا بأنّ دلالة حديث المنزلة على استخلاف النبيّ (ص)لأمير المؤمنين (ع) إنّما هي على المدينة فقط، وأنَّه (ص) قاله عندما خرج في غزوة تبوك فقط، وبيان ذلك من وجهين:

أحدهما: في تعدّد مناسبات حديث المنزلة، إذْ من سبر أغوار التاريخ، وفلَّى سطوره وقلَّب أوراقه يرى تكرّر حديث المنزلة في مواضع ومناسبات عديدة مختلفةٍ نذكر بعضاً منها:

1- حديث المنزلة في بيت أم سلمة:

روى ابن عساكر بسنده عن النبيّ (ص) قال: «يا أمّ سلمة، إنّ عليّاً لحمه ودمه من لحمي ودمي، وهو منّي بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبيّ بعدي». [تاريخ مدينة دمشق ج42 ص42].

2- حديث المنزلة في قصّة المؤاخاة:

روى القطيعيُّ في زوائده على الفضائل بسنده عن محدوج بن زيد: أنّ رسول الله (ص) آخى بين المسلمين، ثمّ قال: «يا عليُّ، أنت أخي، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى، غير أنّه لا نبيّ بعدي». [فضائل الصحابة ج2 ص663].

3- حديث المنزلة يوم فتح خيبر:

روى الخوارزميّ في المناقب بسنده عن عليّ بن أبي طالب (ع) قال: قال رسول الله (ص) يوم فتحتُ خيبر: «لولا أن تقول فيك طوائفُ من أمّتي ما قالتِ النصارى في عيسى بن مريم، لقلتُ فيك اليوم مقالاً لا تمرُّ على ملأ من المسلمين إلّا أخذوا من تراب رجليك وفضل طهورك يستشفون به، ولكن حسبك أن تكون منّي وأنا منك، ترثني وأرثك، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيَّ بعدي، أنت تؤدّي ديني وتقاتل على سنّتي». [المناقب ص111].

4- حديث المنزلة في قصّة سدّ الأبواب:

روى ابن عساكر بسنده عن جابر قال: جاء رسول الله (ص) ونحن مضطجعون في المسجد، فضربَنَا بعسيبٍ في يده، فقال: «أترقدون في المسجد؟ إنّه لا يُرقَد فيه! فأجفلنا وأجفل عليّ، فقال رسول الله (ص): تعال يا عليّ، إنّه يحلُّ لك في المسجد ما يحلّ لي، ألا ترضى أن تكون منّي منزلة هارون من موسى إلّا النبوّة». [تاريخ مدينة دمشق ج42 ص140].

ومن هنا تظهر فائدتان:

إحداهما: أنّ النبيّ (ص) لم يقل الحديث مرّةً واحدةً في غزوة تبوك حتّى يستشكلَ المخالف بأنَّ خصوص السبب يدل ُّعلى أنَّ الخلافة كانت مؤقّتة في ظرفٍ خاصٍّ، وزمانٍ محدودٍ في حياة النبيّ (ص) بل تكرّر صدور الحديث في مواطنَ مختلفة غير تبوك كما عرفت.

والأخرى: على فرض أنَّ الحديث اختصّ في غزوة تبوك، فالسبب لا يخرجه عن العموم؛ لقاعدة: (العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السّبب)، وهذه القاعدة متّفقٌ عليها عند جمهور أهل العلم، إذْ جاء عن الرازيّ أنّه قال: (فالحقُّ، أنَّ العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السبب خلافاً للمزنيّ وأبي ثور؛ فإنَّهما زعما أنَّ خصوص السبب يكون مخصّصاً لعموم اللّفظ). [المحصول ج3 ص125].

والجهة الثانية: دلالة حديث المنزلة على الخلافة:

فهذا الحديث في بعض فقرات ألفاظه يُفيد نصّاً على الخلافة والإمامة لعليّ (ع) بعد رسول الله (ص) وبيانه فيما يلي:

أحدهما: الخلافة المذكورة في الحديث مطلقةٌ لم تقيّد في حال الحياة، فهي تشمل الحياة وبعد الوفاة، والتخصيص بحال الحياة لا بدّ له من دليل، وهو مفقودٌ في المقام. وأمّا موت هارون (ع) في حال حياة موسى (ع)؛ فلا يمنع من إطلاق حديث المنزلة، لأنَّه لا يصلح دليلاً على التقييد، إذْ لو بقي هارون بعد موسى (عليهما السلام) لخلفه فيهم.

والثاني: ورد النصّ بالخلافة بعد النبيّ (ص) في ذيل حديث المنزلة في بعض طرقه، كما في قول النبيّ (ص): «أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، إلّا أنّك لستَ بنبيٍّ، إنّه لا ينبغي أنْ أذهب إلّا وأنت خليفتي». وفي لفظٍ آخر: «..إلَّا أنَّه لا نبيّ بعدي، إنّه لا ينبغي أن أذهب إلّا وأنت خليفتي في كلّ مؤمنٍ من بعدي». [ينظر: السنّة لابن أبي عاصم ص551، مسند أحمد (زوائد القطيعيّ) ج3 ص333، خصائص أمير المؤمنين ص64، المعجم الكبير ج12 ص78، المستدرك على الصحيحين ج3 ص133].

وقال الحاكم النيسابوريّ: (هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه بهذه السياق). وقال الهيثميّ: (رواه أحمد والطبرانيّ في الكبير والأوسط باختصار، ورجال أحمد رجال الصحيح، غير أبى بلج الفزاريّ، وهو ثقة وفيه لين). وقال أحمد شاكر: (إسناده صحيح).

فالعبارتان في نصِّ الحديث: «إنّه لا ينبغي أنْ أذهب» و«بعدي»، تفيدان أنّ الخلافة المذكورة في الحديث أعمُّ من الحياة، فهي تعمُّ الحياة وما بعد الممات. والحمد لله ربّ العالمين.