الفرق بين معجزات النبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله) وبين غيره.

السؤال: ما هو أعجاز النبي محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وما الفرق بينه وبين إعجاز النبيّ موسى (عليه السلام)؟

: الشيخ إبراهيم البصري

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

أعلم أخي السائل الكريم، أنَّ الأنبياء (عليهم السلام) هم السبيل الى معرفة الله وطاعته، من خلال الشرائع التي جاؤوا بها، وأوصلوها الى البشريّة، وكلٌّ من أولئك الأنبياء جاء بمعجزة دلّت على نبوّته، وكانت إحدى الأسباب التي دعت الناس الى التصديق به، فهي بمنزلة تأييد من الله عزَّ وجلَّ، والمعجزة هي (عبارة عن الأمر الخارق للعادة المتعذّر على الخلق العاديّين الأتيان بمثله، تجري على يدي الأنبياء (عليهم السلام)، بإرادة الله عزَّ وجلَّ بأمر مغاير للقوانين الطبيعيّة المعهودة، وتكون في مقام التحدّي لإثبات صدق دعوتهم) [النكت الاعتقادية ص35]، فالنار من طبيعتها الإحراق، ومع ذلك لم تحرق النبيّ إبراهيم الخليل (ع) عندا أُلقي بداخلها بتدخّل إلهيّ، فبالرغم من إحراقها للخشب وما حول النبيّ إبراهيم (ع)، كما نصّت الآية من قوله تعالى: {قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ }، [الأنبياء / 69]، أو كما في سفينة نوح (ع) إذْ نجا من ركبها وغرق من تخلّف عنها، كما قال تعالى: {لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ} [هود: 43]، أو كما حصل مع النبيّ موسى (ع) من معجزات، التي أيّدها الله سبحانه وتعالى بها، وكانت تسع آيات، كما نصّ قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ} [الإسراء: 101]، وكان قوم موسى (ع) قد اشتهروا بأعمال السحر، فجاءهم بالعصا، التي كانت تلقف ما يأفكون، كما في قوله تعالى: {فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (45) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ }، [الشعراء/ 45 – 46]، ومن معجزاته أيضاً كانت يده بيضاء من غير سوء يمسسها، كما قال الله تعالى: {وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى}، ]طه/ 22[، ونحو ذلك من المعجزات، أمّا النبيّ محمّد (ص)، فقد ظهرت على يديه الكريمتين معجزات كثيرة، أهمّها القرآن الكريم، وأيضاً تأييده بالإسراء والمعراج، إذْ أسري به من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى، كما نصّت الآية الكريمة من قوله تعالى: { سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}، [الإسراء: 1]، ومن معجزاته أيضاً انشقاق القمر، كما صرّحت الآية الكريمة: { اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}،]القمر: 1]، وكذلك من معجزاته تأييده بعلم الغيب من قبل الله تعالى، كما نصّت الآية الكريمة: {ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ}، [آل عمران:44]، وغيرها الكثير التي نصّت عليها الأخبار.

ثمَّ اعلم - أخي السائل - أنّ المعجزات تارة تكون مادّية محسوسة، وتارة أخرى تكون معنويّة، فالمادّية تحصل مرّة واحدة، كما في عصى موسى (ع) التي ابتلعت الأفاعي، أو انشقاق البحر لموسى (ع) لعبور بني إسرائيل بعدما حاصرهم فرعون وجنوده، أو إحياء الموتى على يدي النبيّ عيسى (ع)، أو انشقاق القمر بدعاء النبيّ محمّد(ص) حصل مرّة واحدة، ولم تتكرّر تلكم المعجزات؛ لأنّها كانت آية وبيّنة على صدق الدعوة الإلهيّة، أمّا المعجزة المعنوية فهي خالدة لا تموت بموت النبيّ (ص)، وتبقى بعد رحيله من هذه النشأة، فكان القرآن الكريم معجزته الخالدة الى يوم الدين، أعجزت فصحاء العرب وأبلغهم على الاتيان ولو بسورة من مثله، كما قال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ}، [البقرة: 23]، بل الآية التي تلتها أخرست ألسنتهم، وأكمّت أفواههم: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ} [البقرة: 24]، إذ أشارت الى استحالة الإتيان بذلك من خلال أداة النفي المؤبَّدة (لن)، التي تشير الى النفي الحاليّ والمستقبليّ، إذ لا يمكن لأيّ مخلوق الإتيان بمثله ولو بآية واحدة، والواقع خير دليل على ذلك الإعجاز، فبعد أربعة عشر قرن لم نجد من استطاع ذلك، بل الى يوم القيامة.

أضف الى ذلك المعاجز العلميّة المبثوثة في نصوصه، التي بين الحين والآخر يُكتشف بعضه، فهذا القرآن العظيم فيه علم كلِّ شيء، كما قال تعالى: {ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ‏ءٍ}، [الأنعام: 38]، فكلمة (شيء) تشمل جميع الخلق المادّي وغيره، ولا يزال العلماء والباحثون يكتشفون من نصوصه المعجزات، ولا يزال كثير منهم يدخل الدين الإسلاميّ بعد أن يكتشف الحقائق العلميّة المبثوثة في نصوصه، التي أذهلتهم وحيّرتهم.

وعليه، فالفرق بين معجزة النبيّ موسى (ع) كانت مادّية ووقتيّة، انتهت في وقتها، في حين أنّ معجزات النبيّ محمد (ص) بعضها مادّية انتهت في وقتها، وأخرى معنويّة باقية، أهمّها القرآن الكريم، الذي هو المعجزة الخالدة ما دام هنالك خلق، فهو الحبل الممدود لهداية الناس، نجا من تمسّك به وبترجمانه وهم آل محمّد (عليهم السلام)، وغوى من تركهم ومن تخلّف عنهم، ونكتفي بهذا القدر من الجواب، والحمد لله ربِّ العالمين.