من الذي صلَّى على الإمام الحسن (ع)؟

السؤال: هل قدَّم الإمام الحسين (ع) سعيد بن العاص، ليصلِّي على جنازة الإمام الحس (ع)، ومن الذي صلَّى على الجنازة؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

يُشير الأخ السائل إلى ما روي عند العامَّة أنَّ الإمام الحسين (ع) قد قدَّم الوالي سعيد بن العاص، ليصلِّي على جنازة أخيه الإمام الحسن (ع)، باعتبار هذا الفعل من السنَّة النبويَّة. فمن ذلك: ما رواه الحاكم وصحّحه عن سالم بن أبي حفصة، قال: سمعتُ أبا حازم يقول: إنّي لشاهدٌ يوم مات الحسن بن عليّ، فرأيتُ الحسين بن عليّ يقول لسعيد بن العاص ويطعن ‌في ‌عنقه ويقول: «تقدَّم فلولا أنَّها سُنّة ما قدَّمتك»، وكان بينهم شيء، فقال أبو هريرة: أتنفّسون على ابن نبيّكم (ص) بتربة تدفنونه فيها، وقد سمعتُ رسول الله يقول: «من أحبَّهما فقد أحبّني، ومن أبغضهما فقد أبغضني») [المستدرك على الصحيحين ج3 ص187].

ولنا على هذه الرواية عدَّة ملاحظات، نذكرها في ضمن أمور:

الأوَّل: أنّها من مصادر ومرويّات العامَّة، وهي ليست حُجَّة علينا، بل الحجَّة علينا ما ورد من طرقنا، وروي عن أئمَّتنا (عليهم السلام). وعليه، فحتَّى لو صحَّت الرواية وفق موازينهم، فهي غير ملزمة لنا ولا حُجَّة عندنا، وهذا أصلٌ عامٌ وسيَّال في كلِّ المرويات الواردة في مثل هذا المقام، كما هو واضح.

الثاني: أنَّ موقف أهل البيت (ع) بشكل عامّ، والإمام الحسين (ع) بشكل خاصّ من سعيد بن العاص أنّه من أشدِّ أعدائهم، فكيف يسمح له بأنْ يصلِّي على جنازة أخيه المجتبى (ع)؟!

فقد روي عن زيد بن عليّ أنّه قال: (روينا عن الإمام الحسين بن عليّ (ع): أنّه صلَّى على سعيد بن العاص حين ألجئ إلى ذلك، فلعنه في الصلاة، فقال له من سمعه: أهكذا صلاتكم على موتاكم، يا ابن رسول الله؟ قال: (ع): «بل صلاتنا على أعدائنا») [موسوعة كلمات الإمام الحسين ص820].

الثالث: أنَّ الثابت في رواياتنا أنَّ الإمام الحسن (ع) قد أوصى إلى أخيه الحسين (ع) أنْ يتولَّى الصلاة عليه، فكيف يترك الوصيّة ويوكلها إلى الوالي سعيد بن العاص؟! فمن تلك الروايات:

1ـ ما رواه الشيخ الكلينيّ بسنده إلى محمّد بن مُسلم قال: سمعتُ أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «لما احتضر الحسن بن عليّ (ع) قال للحسين: يا أخي، إنّي أوصيك بوصيّة فاحفظها، فإذا أنا متُّ فهيّئني ثمَّ وجِّهني إلى رسول الله (ص) لأحدث به عهداً، ثمَّ اصرفني إلى أمِّي فاطمة (ع) ثمَّ ردَّني فادفني بالبقيع ...إلى قوله: فلما قُبض الحسن (ع) ووضع على سريره، فانطلقوا به إلى مصلَّى رسول الله (ص) الذي كان يصلِّي فيه على الجنائز، فصلَّى على الحسن (ع)، فلمّا أنْ صلَّى عليه حمل») [الكافي ج١ص٣٠٢].

2ـ وما رواه عماد الدين الطبريّ بسنده عن ابن عبَّاس قال: (دخل الحسين بن عليّ على أخيه الحسن بن عليّ (عليهما السلام) في مرضه الذي توفّي فيه، فقال له: «كيف تجدك يا أخي؟» قال: «أجدني في أوّل يوم من أيّام الآخرة وآخر يوم من أيّام الدنيا، وأعلم أنّي لا أسبق أجلي، وأنّي وارد على أبي وجدِّي (عليهما السلام)»...قال ابن عبَّاس: فدعاني الحسين (ع) وعبد الله بن جعفر وعليّ بن عبد الله بن العبَّاس، فقال: «اغسلوا ابن عمِّكم»، فغسَّلناه وحنَّطناه وألبسناه وأكفناه، ثمَّ خرجنا به حتَّى صلَّينا عليه في المسجد) [بشارة المصطفى ص٤١٧].

الرابع: لو سلَّمنا وتنزَّلنا عن كلِّ ذلك فنقول: إنَّ تقديم الإمام الحسين (ع) لسعيد بن العاص كان من أجل درء الفتنة التي أوصى مولانا المجتبى بعدم حصولها، فإنَّ ابن العاص هذا كان أحد المعارضين لدفن الإمام الحسن (ع) عند جدِّه رسول الله (ص).

1ـ فقد روى المؤرِّخ اليعقوبيّ في تاريخه فقال: (ولما حضرته الوفاة قال لأخيه الحسين: يا أخي، إنَّ هذه آخر ثلاث مرار سقيت فيها السمّ، ولم أسقه مثل مرَّتي هذه، وأنا ميِّت من يومي، فإذا أنا متُّ فادفني مع رسول الله، فما أحد أولى بقربه منّي، إلَّا أنْ تُمنع من ذلك، فلا تسفك فيه محجمة دم ...إلى أنْ قال: ثمَّ أُخرج نعشه يُراد به قبر رسول الله، فركب مروان بن الحكم، وسعيد بن العاص، فمنعا من ذلك، حتَّى كادت تقع فتنة) [تاريخ اليعقوبيّ ج2 ص225].

2ـ ونقل ابن أبي الحديد، فقال: (روي عن الحسن (ع) أنّه لما مات أوصى أنْ يُدفن إلى جنب رسول الله (ص)، وإنْ لم يُترك ففي البقيع، فلمّا كان من مروان وسعيد بن العاص ما كان دُفن بالبقيع) [شرح النهج ج17 ص ٢١٥].

وممّن أحتمل هذا الأمر الفقيه الشافعيّ عبد الواحد الرويانيّ، إذْ قال: (واحتجُّوا بما روي عن أبي حازم قال: شهدتُ ‌حسيناً حين مات الحسن، وهو يدفع في قفا سعيد بن العاص ويقول: «تقدَّم فلولا السنَّة ما قدَّمتك»، وسعيد كان أمير المدينة. قلنا: يُحتمل أنّه أراد بذلك إطفاء النائرة، وتسكين الفتنة، وهو من السنّة) [بحر المذهب في فروع المذهب ج2 ص573].

والنتيجة: هو بطلان ما ذكره العامَّة في كتبهم، لأنَّ الذي صلَّى على الجثمان الطاهر للإمام الحسن (ع) هو الإمام الحسين (ع)، عملاً بالوصيّة التي أوصاه بها. والحمد لله ربّ العالمين.