هل السيدة رقية بنت الإمام الحسين (ع) شخصية حقيقية؟

السؤال : هناك من المحقّقين من أنكر وجود السيّدة رقيّة بنت الإمام الحسين (ع)، فهل صحَّ وجود السيّدة فعلاً، أو هو أمر غير حقيقيّ، نرجو بيان ذلك؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب :

بسم الله الرحمن الرحيم

من الواضح لمن راجع كتب التأريخ والسِّير والأنساب سيجدُ أصحابها مختلفون في عددِ أولاد أحد المعصومين (عليهم السلام) أو غيره، وهذا مُنبِّه واضح على أنَّ المسألة تابعةٌ للاستقراء والتتبّع، ولذلك فلا يَصحُّ التقليد وغلق الباب رأساً، بل يلزمنا التفتيش والتحقيق في الكتب والمصادر المعدَّة لهذا الغرض، لعلَّنا نظفر بنصٍّ يُشير إلى وجود اسمٍ جديد، وهو ممّا يعني إمكانيّة تكثُّر الأسماء وتعدّدها.

ثُمَّ إنَّنا بعد الفحص في كتب التأريخ والنسب وجدنا أنَّ أرباب الفنّ قد اختلفوا في عددِ بنات الإمام الحسين (ع) على أقوال عدَّة، فذكر بعضهم بنتين فقط، وذكر آخر ثلاثة بنات، وذكر ثالث أربع بنات، وهو ممّا يشير إلى عدم الحصر في مثل هكذا مسائل.

وعلى هذا الأساس، فلو ثبت لدينا من خلال المصادر المعتبرة في الميزان العلميّ ذكر السيّدة رقيّة (ع) لكفى ذلك في وجودها وصحَّة النسبة وتحقُّقها، ومن هنا فلا يجوز التقوُّل ورمي الكلام على عواهنه من دون مُعذِّر أمام الله تعالى، كما لا يخفى.

ثّمَّ إنّ هناك جملة وافرة من القرائن والشواهد الدالَّة على (وجود) السيّدة رقيّة بنت الإمام الحسين (ع) نذكرها تباعاً إنْ شاء الله تعالى.

القرينة الأولى : التصريح باسمها.

لا يخفى أنَّ تصريح بعض أهل النَسب الثقات في نسبةِ أحدٍ لأحد يكفي في صحَّة الانتساب وثبوته، خصوصاً فيما لو كان من المحقِّقين في مجاله وفنِّه، أو لا أقلَّ في كونه من القرائن المثبتة لذلك، وهذا ما جرى عليه العُرف والسيرة في مثلِ هكذا أمور، كما لا يخفى.

وقد صرَّح النسّابة الكبير والثقة الجليل أبو الحسن عليّ بن أبي القاسم بن زيد، المعروف بابن فندق البيهقيّ بكون السيّدة رقية (عليها السلام) إحدى بنات الإمام الحسين (عليه السلام)، فقال في بيان الطبقة السابعة ما هذا نصُّه: أمّا الحسينيّة، فهم من أولاد الحسين بن عليّ (عليهما السلام)، ولم يبقَ من أولاده إلَّا زين العابدين (عليه السلام)، وفاطمة، وسَكينة، ورقية[ لباب الأنساب ج1 ص355].

وقد يُعزَّز كلام ابن فندق ما حُكي من التصريح باسم السيّدة رقيّة (عليها السلام) في كتاب (المنن) للشعرانيّ، ونصُّه: أخبرني بعض الخواصّ أنَّ رقيّة بنت الحسين (عليه السلام) في المشهد القريب من جامع دار الخليفة أمير المؤمنين يزيد، ومعها جماعة من أهل البيت، وهو المعروف الآن بجامع شجرة الدرّ، وهذا الجامع على يسار الطالب للسيّدة نفيسة، والمكان الذي فيه السيّدة رقيّة عن يمينه، ومكتوب على الحجر الذي ببابه هذا البيت: بقعة شرِّفت بآلِ النبيّ (صلَّى الله عليه وآله)، وببنت الحسين الشهيد رقيّة[ معالي السبطين ج2 ص162].

ثمَّ إنَّ صاحب كتاب (المنن) وإنْ حدَّد قبرها في مصر دون الشام إلَّا أنّه شيءٌ آخر، وهو أمرٌ غير جزميّ، وذلك لأنّه هو بنفسه يُشير إلى وجود قول آخر ينصُّ على أنّه في دمشق الشام، كما سوف نذكر.

القرينة الثانية : أخبار موتها.

ورد في جملة من المصادر المهمَّة التصريح بوجود بنتٍ للإمام الحسين (عليه السلام) ماتت أسفاً وحزناً بعد رؤيتها لرأس والدها المقطوع، وهو ممّا يدلُّ بشكل واضح على وجودها وصحَّة نسبتها إليه.

من ذلك: ما جاء في كتاب (روضة الشهداء) للشيخ حسين بن عليّ البيهقيّ السبزواريّ، المعروف بالمولى حسين الكاشفيّ، وكذلك كتاب (المنتخب في جمع المراثي والخطب) للعلَّامة الجليل الفقيه الشيخ فخر الدين الطريحيّ النجفيّ، وكذلك كتاب (كامل البهائيّ) للثقة الجليل الحسن بن عليّ بن محمَّد الطبريّ، المعروف بعماد الدين الطبريّ، واللّفظ للأخير، وفيه ما هذا نصُّه: أنَّ النساء يتستَّرن على ما جرى في كربلاء من قتل الرجال والشباب على البنات والولدان، ويعدن الأطفال الصغار بعودة آبائهم من هذا السفر إلى أنْ أدخلوهنَّ بيت يزيد (لعنه الله)، وكان معهنّ بُنيَّة لها من العمر أربع سنوات، انتبهت من نومها وصرخت تريد أباها الحسين (عليه السلام)، لقد كان معي الساعة وأنا نائمة، فثارت للنساء والأولاد ضجَّة وصيحة، وكان يزيد (لعنه الله) يغطُّ في نومه‌ العميق، فانتبه بانزعاج وسأل: ما الخبر؟ فأخبروه بما جرى، فقال: خذوا لها رأس أبيها، فحملوه إليها ووضعوه بين يديها، فسألتهم: ما هذا؟ فقال لها اللُعناء: هذا رأس أبيك، فصرخت الطفلة مرعوبة واستولى عليها الرعب الشديد حتَّى مرضت، وبقيت من بعدها أيّاماً ثمَّ ماتت، وأسلمت الروح إلى ربّها. [ كامل البهائيّ ج2 ص235].

وكذلك ورد خبر موتها في كتاب (السَّنيّ في قتل أولاد النبيّ) للقاسم بن محمَّد بن أحمد المأمونيّ صاحب كتاب الحاوية، ونصُّه: إنَّ یزید لما أنزل آل النبيّ بیتاً من بیوت داره کان فیهم صبیّة ابنة أربع سنین، وکانت مشتاقة إلی أبیها، وکانوا یکتمون ذلك عنها، فانتبهت من منامها في الهاجرة وقالت: یا أمّاه رأیتُ أبي في المنام...وأین هو؟ فصیحن بأجمعهن. فبعث إلیهنَّ یزید أنْ یسألهنَّ، وذلك أنّه کان في مقیله، فانتبه لصحیهن، فسألهنّ فقلن: إنَّ هذه الصبیّة رأت أباها في المنام، وقصصن علیه القصَّة، فأخبره بذلك وأمره اللَّعین بطرح رأس أبیها في حجرها. فعلوا کذلك فصاحت: ما هذا؟ فقالوا: رأس أبیك. ففزعت الصبیّة وفاضت وماتت. [السَّنيّ في قتل أولاد النبيّ (مخطوط) الورقة:103].

هذا، ولو قيل بأنَّ المصادر المذكورة لم تسمِّ السيّدة رقيّة باسمها، بل قالت: (بُنيَّة للحسين) فكيف يُمكن الاعتماد عليها في إثبات وجودها وصحَّة نسبتها إلى الإمام (عليه السلام)؟

فنُجيب: بعد ثبوت أصل الحادثة يلزمنا الإقرار بكونها السيّدة رقيّة، وليس لغيرها، وذلك لعدم وجود غيرها يدَّعى له ذلك، مضافاً إلى أنَّ السيّدة سكينة والسيّدة فاطمة (عليهما السلام) قد رحلتا عن دار الدنيا بعد واقعة الطف بزمان طويل جزماً، فلم يبقَ لنا غير السيّدة رقيّة (عليها السلام)، وأنّها هي التي ماتت أسفاً وحزناً على أبيها سيّد الشهداء(عليه السلام)، كما هو المعروف في هذه العصور المتأخِّرة.

القرينة الثالثة : أخبار قبرها.

ورد في جملة من المصادر المهمَّة التصريح بمشاهدة قبرها في بلاد الشام وهو ممّا يدلُّ على وجودها وصحَّة نسبتها إلى أبيها الإمام الحسين (عليه السلام)، فمن ذلك ما يلي:

1ـ ما صرّح به السيّد الأديب محمَّد بن أبي طالب الحسينيّ الموسويّ الحائريّ الكركيّ، إذْ قال: (ولقد شاهدتُ في القرية الظالم أهلها، النائي عن الحقِّ محلُّها، المغضوب عليها، المنصوب علم الكفر لديها، أعني: بلدة دمشق محلَّ الفجرة الطغاة، شرقي مسجدها الأعظم وبيت أصنامها الأقدم الذي لا طهر ولا قدس، بل على شفا جرفٍ هار أُسِّس، معدن العقوق ومركز الفسوق، وبيت النار ومجمع الفجَّار ومنبع الأشرار، وشرّ من مسجد ضرار، خربةً كانت فيما تقدَّم مسجداً مكتوب عليها، على صخرةِ عتبة بابها أسماء النبيّ وآله والأئمَّة الاثني عشر (عليهم السلام)، وبعدهم قبر السيّدة ملكة بنت الحسين (عليه السلام) بن أمير المؤمنين) .[تسلية المجالس ج2 ص93].

أقول: إنَّ السيّد المذكور وإنْ صرَّح بأنَّ اسمها (ملكة) بنت الإمام الحسين وليست رقيّة، ولكنْ لم يُعهد وجود قبر في بلاد الشام لبنات الإمام الحسين (عليه السلام) غير قبر السيّدة رقيّة، ولذلك يُحتمل أنَّ يكون قوله: (ملكة) لقباً من ألقابها.

2ـ ما صرّح به الشيخ مؤمن بن حسن مؤمن الشبلنجيّ الشافعيّ، إذْ قال: (قد أخبرني بعض الشوَّام أنَّ للسيّدة رقيّة بنت الإمام عليّ (كرَّم الله وجهه) ضريحاً بدمشق الشام، وأنَّ جدران قبرها كانت قد تعيَّبت، فأرادوا إخراجها منه لتجديده، فلم يتجاسر أحد أنْ ينزله من الهيبة، فحضر شخصٌ من أهل البيت يُدْعى السيّد ابن مرتضى، فنزل في قبرها، ووضع عليها ثوباً لفَّها فيه وأخرجها، فإذا هي بنت صغيرة دون البلوغ، وقد ذكرتُ ذلك لبعض الأفاضل فحدَّثني به ناقلاً عن أشياخه. [نور الأبصار ص366 ].

ثمَّ إنَّ الوارد في كلام الشيخ الشبلنجيّ من كونها ابنة أمير المؤمنين (عليه السلام) من السهو جزماً، أو من خطأ النسَّاخ، وذلك لتصريحه بكونها بنتاً صغيرة دون البلوغ، وهو ممّا لا ينطبق على السيّدة رقيّة بنت الأمير (عليها السلام)، كما لا يخفى.

وممّا يؤكِّد هذا ما حُكي عن كتاب (المنن) لعبد الوهَّاب الشعرانيّ إذْ قال: (قد أخبرني بعض الصلحاء أنَّ للسيّدة رقيّة بنت الحسين ضريحاً بدمشق الشام، وأنَّ جدران قبرها قد تعيَّبت، فأرادوا اخراجها منه لتجديده، فلم يتجاسر أحد أنْ ينزله من الهيبة، فحضر شخص من أهل البيت يُدعى السيّد ابن مرتضى، فنزل في قبرها ووضع عليها ثوباً لفَّها فيه وأخرجها، فإذا هي بنت صغيرة دون البلوغ، وكان متنها مجروحاً من كثرة الضرب، وقد ذكرتُ ذلك لبعض الأفاضل فحدَّثني به ناقلاً له عن بعض أشياخه. [معالي السبطين ج 2ص162].

مؤيِّدات ومؤكِّدات:

وممّا يؤكِّد ما تقدَّم من القرائن ما جاء في كلمات أبي مخنف لوط بن يحيى، ونصُّه: (ثُمَّ نادى [أي: الحسين (عليه السلام)]: يا أمَّ كلثوم، ويا زينب، ويا سَكينة، ويا رقيّة، ويا عاتكة، ويا صفيّة عليكنَّ منّي السلام، فهذا آخر الاجتماع، وقد قرب منكم الافتجاع). [مقتل أبي مخنف ص131].

وكذلك ما جاء في كلمات السيّد ابن طاووس، ونصُّه: (ثمَّ قال: يا أختاه يا أمَّ كلثوم، وأنتِ يا زينب، وأنتِ يا رقيّة، وأنتِ يا فاطمة، وأنتِ يا رباب، انظرن إذا أنا قتلتُ فلا تشقّقن عليَّ جيباً ولا تخمشن عليَّ وجهاً ولا تقلن عليَّ هجراً). [ الملهوف ص141].

وكذلك ما جاء في أشعار الثقة الجليل سيف بن عُميرة النخعيّ، وفيها: (وسَكينة عنها السَكينة فارقتْ * لـمَّا ابتديت بفرقة وتغيِّر * ورقيّة رقَّ الحسود لضعفها * وغدا ليعذرها الذي لم يعذرِ) [ المنتخب، المجلس9: ص432 وما بعدها].

والوجه في جعل المذكورات من المؤيِّدات والمؤكِّدات دون القرائن هو لتردّد المقصود من اسم (رقيّة) بين احتمالين، فيُحتمل كونها بنت الإمام الحسين (عليه السلام)، كما يُحتمل كونها بنت أمير المؤمنين (عليه السلام) زوجة الشهيد مُسلم بن عقيل (عليه السلام).

والنتيجة من كلِّ ما تقدَّم: أنَّ القرائن والشواهد ـ بالإضافة إلى المؤيّدات ـ تدلُّ بشكل واضح على (وجود) السيّدة رقية، وصحَّة انتسابها إلى أبيها الإمام الحسين (عليه السلام).. والحمد لله ربِّ العالمين.