تحريف المخالفين لروايات الهجوم على دار فاطمة (عليها السلام)

السؤال: هل تم تحريف روايات الهجوم على دار فاطمة ع من قبل مخالفينا؟

: السيد أبو اَلحسن علي الموسوي

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

اعلم -أيدك الله- لاشكَّ أنّ روايات الهجوم على دار السيّدة فاطمة (عليها السلام) تعـدّ من الروايات التي تبيّن الموقف السلبيّ للخلفاء والصحابة تجاه أهل البيت (عليهم السلام)، فهي من روايات (مثالب الصحابة) التي يرى علماء المخالفين لزوم طمّها وطمسها والستر عليها وعدم نشرها لتصفو قلوب الناس على حبّهم والترضّي عنهم.

قال الحافظ الذهبيّ: (كما تقرّر الكفّ عن كثيرٍ ممّا شجر بين الصحابة وقتالهم رضي الله عنهم أجمعين، وما زال يمرّ بنا ذلك في الدواوين والكتب والأجزاء، ولكنّ أكثر ذلك منقطعٌ وضعيفٌ، وبعضه كذب، وهذا فيما بأيدينا وبين علمائنا فينبغي طيّه وإخفاؤه، بل إعدامه؛ لتصفو القلوب، وتتوفّر على حبّ الصحابة والترضّي عنهم، وكتمان ذلك متعيّنٌ عن العامّة وآحاد العلماء) [سير أعلام النبلاء ج10 ص92].

ولذلك نجد أنّ بعض علماء المخالفين قام بالتلاعب في تلكم الآثار التي تُروى في مثالب الصحابة – ومن جملتها حادثة الهجوم على بيت الصدّيقة الكبرى (عليها السلام) -، من خلال تغيير الألفاظ والأسماء الموجودة فيها، واستبدالها بلفظ (كذا وكذا)، أو (فلان)، أو بتر الرواية فيما فيه، أو اختصار الجمل وصياغتها بطريقة مجملة، وغير ذلك ممّا يُعرف بـ(تدليس المتن) في علم علل الحديث.

وسنذكر في المقام روايتين من روايات الهجوم على الدار التي تعرّضت للتحريف:

الرواية الأولى: ندم أبي بكر على كشف بيت فاطمة (عليها السلام):

قال الحافظ أبو القاسم الطبرانيُّ: حدَّثنا أبو الزنباع روح بن الفرج المصريّ، حدّثنا سعيد بن عفير، حدّثني علوان بن داود البجليّ، عن حميد بن عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن صالح بن كيسان، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، قال: «دخلتُ على أبي بكر أعوده في مرضه الذي توفّي فيه، فسلّمتُ عليه... قال: أَمَا إنّي لا آسي على شيء إلّا على ثلاثٍ فعلتُهن وددتُ أنّي لم أفعلهن، وثلاثٍ لَـم أفعلهن وددتُ أنّي فعلتُهن، وثلاثٍ وددتُ أنّي سألتُ رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنهنّ. فأمّا الثلاث اللاتي وددت أنّي لَـم أفعلهن: فوددتُ أنّي لم أكن كشفتُ بيت فاطمة وتركته، وأن أغلق عليّ الحرب..» [المعجم الكبير ج١ ص٦٢].

أقول: هذا المقطع الأخير من الرواية – بالإسناد والمتن نفسيهما - تعرّض للتحريف والحذف على يد أبي عبيد القاسم بن سلام، فبعد أنْ كنّى عن القضيّة بعبارة: (كذا وكذا)، صرّح بأنّ الرواية ذكرت القضيّة ولكنّه حذفها ولا يريد ذكرها، قال: «أمّا الثلاث التي فعلتُها فوددتُ أنّي لم أكن فعلت كذا وكذا ـ لخلّةٍ ذكرها، قال أبو عبيد: لا أريد ذكرها»، وإليك نصّ الرواية كاملاً:

قال أبو عبيد القاسم بن سلام: حدّثني سعيد بن عفير، قال: حدّثني علوان بن دواد - مولى أبي زرعة بن عمرو بن جرير -، عن حميد بن عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن صالح بن كيسان، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه عبد الرحمن، قال: «دخلتُ على أبي بكر أعوده في مرضه الذي توفّي فيه، فسلّمتُ عليه... فقال: أما إنّي لا آسى على شيءٍ إلّا على ثلاثٍ فعلتهم وددتُ أنّي لَـم أفعلهم، وثلاثٍ لَـم أفعلهم ووددتُ أنّي فعلتهم، وثلاثٍ وددتُ أنّي سألتُ رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنهم، فأمّا التي فعلتُها ووددتُ أنّي لم أفعلها: فوددتُ أنّي لم أكن فعلت كذا وكذا - لخلة ذكرها، قال أبو عبيد: لا أريد ذكرها -» [الأموال ص182].

الرواية الثانية: تهديد عمر بإحراق دار الزهراء (عليها السلام):

قال أبو بكر بن أبي شيبة: حدّثنا محمّد بن بشر، حدّثنا عبيد الله بن عمر، حدّثنا زيد بن أسلم، عن أبيه أسلم: «أنّه حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان عليّ والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم، فلمّا بلغ ذلك عمر بن الخطّاب خرج حتّى دخل على فاطمة فقال: يا بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والله ما من أحدٍ أحبّ إلينا من أبيك، وما من أحدٍ أحبّ إلينا بعد أبيك منك، وأيمُ الله ما ذاك بمانعي إنْ اجتمع هؤلاء النفر عندكِ إنْ أمرتهم أن يُحرَق عليهم البيت..» [المصنف ج7 ص432].

أقول: وهذا المقطع الأخير المتضمّن للتهديد بإحراق دار الصدّيقة الزهراء (عليها السلام) من هذه الرواية – بالإسناد والمتن نفسيهما – قد تعرّض للتحريف بأكثر من طريقة، تارةً استُبدلت العبارة بكلمة: «وكلَّمها»، وأخرى استُبدلت بعبارة: «ولئن بلغني لأفعلنَّ ولأفعلنَّ»:

الطريقة الأولى: استبدال التهديد بكلمة (كلّمها):

قال أبو بكر القطيعيّ: حدّثنا محمد بن إبراهيم، حدّثنا أبو مسعود قال: حدّثنا معاوية بن عمرو، حدّثنا محمّد بن بشر، عن عبيد الله بن عمر، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: «لـمّا بويع لأبي بكر بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله) كان عليّ والزبير بن العوام يدخلان على فاطمة فيشاورانها، فبلغ عمر، فدخل على فاطمة فقال: يا بنت رسول الله، ما أحد من الخلق أحبّ إلينا من أبيك، وما أحدٌ من الخلق بعد أبيك أحبّ إلينا منك، وكلّمها..» [فضائل الصحابة ج1 ص364].

الطريقة الثانية: استبدال التهديد بعبارة (ولئن بلغني لأفعلنَّ ولأفعلنَّ):

قال ابن عبد البرّ: حدّثنا محمّد بن أحمد، حدّثنا محمّد بن أيوب، حدّثنا أحمد بن عمرو البزّار، حدّثنا أحمد بن يحيى، حدّثنا محمد بن بشر، حدّثنا عبد الله بن عمر، عن زيد بن أسلم، عن أبيه: « أنّ عليّاً والزبير كانا حين بويع لأبي بكر يدخلان على فاطمة فيشاورانها ويتراجعان في أمرهم، فبلغ ذلك عمر، فدخل عليها عمر، فقال: يا بنت رسول الله، ما كان من الخلق أحدٌ أحبّ إلينا من أبيك، وما أحدٌ أحبّ إلينا بعده منك، ولقد بلغني أنّ هؤلاء النفر يدخلون عليك، ولئن بلغني لأفعلنّ ولأفعلنّ» [الاستيعاب ج3 ص975].

وقال العلّامة الصفديّ: وعن زيد بن أسلم، عن أبيه: «أنّ عليّاً والزبير كانا حين بويع لأبي بكر يدخلان على فاطمة فيشاورانها ويتراجعان في أمرهم، فبلغ ذلك عمر، فدخل عليها فقال: يا بنت رسول الله! ما كان من الخلق أحدٌ أحبّ إلينا من أبيك، وما أحدٌ أحبّ إلينا بعده منكِ، وقد بلغني أنّ هؤلاء النفر يدخلون عليك، ولئن بلغني لأفعلنّ ولأفعلنّ» [الوافي بالوفيات ج17 ص167].

وقال العلّامة الشنقيطيُّ: ورَوى زيد بن أسلم عن أبيه: «أنّ عليّاً (رضي الله عنه) والزبير كانا حين بويع لأبي بكر يدخلان على فاطمة ويشاورانها في أمرهما، فبلغ ذلك عمر، فدخل عليها وقال: يا بنت رسول الله (ص)، ما كان من الخلق أحدٌ أحبّ إلينا من أبيك، وما أحد أحبّ إلينا بعده منك، وقد بلغني أنّ هؤلاء النفر يدخلون عليك، ولئن بلغني لأفعلنّ ولأفعلنّ» [كوثر المعاني الدراري ج5 ص105].

نكتفي بهذا القدر، والحمد لله أوّلاً وآخراً