معنى قول المأمون: (لولا نساءنا)، وجواب الرضا: (لولا أبناءنا)

قرأت في سؤالات المأمون لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) ما يلي: (قال المأمون: ما الدليل على خلافة جدّك عليّ(عليه السلام)؟ قال الإمام الرضا (عليه السلام): آية {أنّفسنا}. قال المأمون (لولا نساءنا) فأجابه الإمام الرضا (عليه السلام) (لولا أبناءنا)، فسكت المأمون). هل هذا الخبر منقولٌ في مصادرنا؟ وهل من الممكن توضيحه؟

: السيد أبو اَلحسن علي الموسوي

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

اعلم -أيدك الله- أنَّ الوارد في المصادر: جريان محادثة بين الإمام الرضا (عليه السلام) وبين المأمون، وذلك لـمّا سأله عن أكبر فضيلة لأمير المؤمنين (عليه السلام) يدلّ عليها القرآن، فأجابه الإمام (عليه السلام) بآية المباهلة [ينظر الفصول المختارة ص39].

وأمّـا الرواية المنقولة فيقع الكلام عنها في مقامين:

المقام الأول: مصادر الرواية وصياغاتها:

هذا الرواية من الأحاديث المشهورة على الألسنة، ولَـم ترد في المصادر المعتمدة المتقدّمة ولا المتأخّرة، وإنّما حُكي أنّها ذُكرت في حاشية إحدى نسخ كتاب (عيون أخبار الرضا) للشيخ الصدوق، وحاشية إحدى نسخ كتاب (المصباح) للشيخ الكفعميّ [ينظر: اللمعة البيضاء ص66]، وأقدم مَن نقلها – فيما عثرنا عليه – هو الحكيم الملا علي النوريّ [ت1260هـ] في إحدى رسائله [ينظر: ميراث حديث شيعه (شرح حديث زينب العطارة) ج18 ص374].

وينبغي التنبيه على أنّ هذه الرواية نُقلت بصياغتين متعاكستين:

إحدهما: «سأل المأمون الرضا (عليه السلام)، فقال: ما الدليل على ولاية جدّك؟ قال (عليه السلام): آية أنفسنا، فقال المأمون: لولا نساءنا، فقال الرضا (عليه السلام): لولا أبناءنا، فسكت المأمون».

والأخرى: بالعكس في الفقرتين الأخيرتين، أي: «قال المأمون: لولا أبناءنا، فقال الرضا (عليه السلام): لولا نساءنا» [ينظر: اللمعة البيضاء ص66].

المقام الثاني: معنى الرواية:

ذكر علماء الإماميّة – تبعاً للأئمّة (عليه السلام) – أنّ آية المباهلة تدلّ على أمير المؤمنين (عليه السلام) هو نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فيكون له من الخصائص والفضائل ما لرسول الله عدا ما خرج بالدليل كالنبوّة، فيكون ذلك دالّاً على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام).

إمّـا لكونه أفضل الخلق بعد النبيّ فيكون مستحقّاً لخلافته، وإمّا لكون الرئاسة إحدى شؤون النبيّ التي يلزم ثبوتها للقائم مقام نفسه.

وهنا يأتي اعتراض المأمون، وقد اختلفت الرواية، فتارة نجد اعتراضه بعبارة: (لولا نساءنا) فكان جواب الإمام بـ: (لولا أبناءنا)، وأخرى نجد اعتراضه بعبارة: (لولا أبناءنا) فكان جواب الإمام بـ: (لولا نساءنا)، وكلّا من الاعتراض والجواب فيه إجمالٌ وغموض، خصوصاً مع اختلاف الصياغتين، وتوجد احتمالاتٌ عديدة في المفاد، نذكر في المقام واحداً منها للاختصار:

1ـ حسب الصياغة الأولى: «فقال المأمون: لولا نساءنا، فقال الرضا (عليه السلام): لولا أبناءنا»:

اعتراض المأمون: أنّ لفظ «نساءنا» في الآية ظاهر في إناث الأمّة، فيكون قرينة على أنّ المراد بـ «أنفسنا» هم ذكور الأمّة، أي يكون المراد في آية المباهلة: دعوة الذكور والإناث بلا خصوصيّة.

جواب الإمام (عليه السلام): أنّه لَـو كان المراد بـ«نساءنا» إناث الأمّة ومن «أنفسنا» ذكور الأمّة، لدخل الحسنان (عليه السلام) في «أنفسنا» أيضاً، فلا معنى لذكر «أبنائنا»، وهذا – يعني ذكر الحسنين بلفظ «أبنائنا» - دليلٌ على أنّه ليس المراد بـ «أنفسنا» ذكور الأمّة ولا من «نساءنا» إناث الأمّة.

2ـ بحسب الصياغة الثانية: «قال المأمون: لولا أبناءنا، فقال الرضا (عليه السلام): لولا نساءنا»:

اعتراض المأمون: أنّ استعمال لفظ «أبناءنا» في الدلالة على الحسنين مجازٌ لأنّهما ابنا البنت، فيكون استعمال لفظ «أنفسنا» في الدلالة على أمير المؤمنين مجازٌ أيضاً، فلا يمكن إثبات الإمامة والولاية؛ لأن المجاز يبتني على المسامحة.

جواب الإمام: أنّ استعمال لفظ «نساءنا» حقيقة وليس مجاز، فكذلك استعمال «أنفسنا»؛ لأنّ الأصل في الاستعمال هو الحقيقة، وكذلك استعمال «أبناءنا».

ولمزيد من التفصيل يراجع ما كتبه العلّامة التبريزيّ الأنصاريّ في [اللمعة البيضاء ص65-70]، فإنّه أفاض في تحقيق هذه الرواية، وذكر في بيان معناها وجوهاً واحتمالاتٍ عديدة.

نكتفي بهذا القدر، والحمد لله أوّلاً وآخراً.