هل كلمة «آمين» ذات أصلٍ وثني؟

السؤال: يذكر المسلم اسم الإله الوثنيَّ آمين 17 مرة في صلاته يوميَّاً، فكلمة "آمين" دخلت اللغة العبريَّة من القبطيَّة القديمة، وتعني (فليكن كذلك) أو (لتكن مشيئتك)، وهي أيضًا اسم الإله المصري (آمين)، الذي كان يُعتبر راعي الخصوبة والتكاثر في مصر القديمة، وغالباً ما يظهر ممسكًا بقضيبه في معظم التماثيل التي تخلد ذكراه، وقد ورثت المسيحيَّة والإسلام هذه الكلمة (الوثنيَّة) من اليهوديَّة.

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

هذا الادّعاء يقوم على مغالطة (الاشتراك اللفظيّ)، حيث يتمّ الخلط بين التشابه الصوتي لكلمة «آمين» وبين اسم الإله المصري «آمون»، في محاولةٍ لإثبات وجود علاقةٍ بينهما، ولكنّ هذا الادعاء لا يصمد أمام التحليل اللغويّ والتاريخيّ الدقيق.

أوّلاً: كلمة «آمين» كلمةٌ عربيّةٌ أصيلة تُستخدم في الدعاء والتضرّع، وتعبّر عن الرجاء في استجابة الدعاء، وهي مرتبطةٌ بالجذر العربي «أ م ن»، الذي يحمل معاني الطمأنينة والتصديق والتأمين، كما يظهر في تعابير مثل: (أمّن لي هذا الأمر)، و(التأمين على الأشياء)، ممّا يدلّ على أنّها ليست دخيلة، بل تمتدّ جذورها في العربيّة.

أمّا الادّعاء بأنّها مأخوذةٌ من «آمون» الفرعونيّة، فهو مجرّد توهّم بسبب التشابه الصوتيّ، وليس له أيّ أساس لغويّ أو تاريخيّ، بل يتعارض مع الحقائق المعروفة عن تطوّر هذه الكلمة في اللسان العربيّ.

وثانياً: تحدّث علماء اللغة عن معاني محددة لكلمة «آمين»، فلا يجوز حملها على غير المعاني التي يقصدها المتحدّث العربيّ، وقد ذكر علماء اللغة ثلاثة أقوالٍ في معناها كما حكاه ابن الجوزيّ في قوله: (وفي معنى «آمين» ثلاثة أقوال: أحدها: أنّ معنى آمين: كذلك يكون، حكاه ابن الأنباريّ عن ابن عبّاس والحسن. والثاني: أنّها بمعنى: اللَّهم استجب، قاله الحسن والزجَّاج. والثالث: أنّه اسم من أسماء الله تعالى، قاله مجاهد وهلال بن يساف، وجعفر بن محمد) [زاد المسير ج1 ص12]. وهذا يؤكّد أنّ الكلمة لها دلالةٌ دينيّةٌ معروفةٌ في التراث الإسلاميّ، وليست مأخوذةً من أيّّة ديانةٍ وثنيّة.

وثالثاً: رغم التشابه الصوتيّ بين الكلمتين، فإنّ هذا لا يعني بالضرورة أنّ لهما الأصل نفسه؛ إذ إنّ التشابه الصوتيّ لا يعني الاشتقاق اللغويّ، فهناك العديد من الكلمات التي تتشابه في لغات مختلفة دون أن يكون لها أصل مشترك، ولو كان كلّ تشابه صوتيّ دليلاً على الاقتباس، لوجب القول بأن كلمة «إله» في العربية مأخوذة من كلمة «إيل» في بعض الديانات القديمة، وهذا غير صحيح. كما أنّ كلمة «الله» نفسها كانت تُستخدم قبل الإسلام عند العرب، لكنّ الإسلام أعطاها معناها التوحيديّ الخاصّ، ممّا يدلّ على أنّ الأسماء قد تُستخدم في أديانٍ مختلفةٍ في معانٍ مختلفةٍ دون أن يعني ذلك اقتباساً أو تأثّراً مباشراً.

ورابعاً: ورود كلمة «آمين» في اليهوديّة والمسيحيّة لا يعني أنّ المسلمين أخذوها من هاتين الديانتين؛ لأنّ اللغات السامية تشترك في العديد من المفردات التي قد تكون لها أصولٌ مشتركةٌ أو تطوّرت بشكل متوازٍ في تلك اللغات. فكلمة «آمين» موجودة في العبريّة والآراميّة، لكنّها تتّفق أيضاً مع الجذر العربي «أ م ن»، ممّا يرجّح أنّها كلمة سامية أصيلة استُخدمت في أكثر من لغة، وليست مستوردة من دين معيّن. وقد وردت في التوراة والإنجيل بمعنى (ليكن كذلك) أو (اللّهمّ استجب)، ممّا يدلّ على أنّها لم تكن جزءاً من أيّ عقيدة وثنيّة، بل كانت مستخدمةً في سياقاتٍ دينيّةٍ صحيحةٍ قبل الإسلام أيضاً.

وخامساً: يجب أنْ نشير إلى أنّ الشيعة الإماميّة لا يقولون «آمين» بعد الفاتحة في الصلاة، خلافاً لِـما هو شائعٌ في بعض المذاهب الأخرى؛ وذلك لأنّهم يرون أنّ «آمين» ليست جزءاً من الفاتحة، ولا يوجد دليلٌ شرعيٌّ على مشروعيّتها في الصلاة، بل يُعتبر التلفّظ بها في الصلاة إضافةً غير مشروعة، بل هي من مبطلات الصلاة عند كثيرٍ من الفقهاء.

وبناءً على ما سبق، فإنّ الادّعاء بأن كلمة «آمين» مأخوذةٌ من الوثنيّة المصريّة لا يستند إلى أيّ دليلٍ لغويٍّ أو تاريخيٍّ، بل هو مجرّد خلطٍ بين كلماتٍ متشابهةٍ صوتيّاً دون وجود علاقةٍ اشتقاقيٍّة حقيقيّةٍ بينها.