كيف نفسّر معجزة الإسراء والمعراج علميَّاً؟
السؤال: كيف يمكن لعقل الإنسان المعاصر الذي يعتمد على المنهج العلميّ التجريبيّ لفهم الظواهر أن يستوعب حادثة الإسراء والمعراج التي تبدو خارجةً عن نطاق القوانين الطبيعيَّة؟
الإجابة:
المعجزات بطبيعتها تتّسم بخرق القوانين الطبيعيَّة المألوفة، وإلّا لَـمَا كانت معجزة، فلو تمكّن الإنسان من تفسير المعجزة علميّاً أو تجريبيّاً، لخرجت عن كونها خارقةً وأصبحت جزءاً من الظواهر الطبيعيَّة المألوفة. فعلى سبيل المثال: إذا أراد رسولٌ إثبات تأييد الله له وأظهر ظاهرةً طبيعيّةً عاديّةً مثل تبخّر الماء عند تسخينه لَـما اعتبر ذلك معجزة، ولكنّه إذا أحيى ميتاً فإنّ هذا الحدث يُعدّ إعجازاً؛ لأنّه يتجاوز نطاق القدرات البشريّة والقوانين الطبيعيَّة.
والإنسان - على الرغم من التقدّم العلميّ الهائل الذي أحرزه - لا يزال محاطاً بعالمٍ مليءٍ بالأسرار التي لم يتمكّن من فكّ رموزها أو إدراك أعماقها بالكامل، هذا التقدّم العلميّ الذي يبعث في الإنسان شعوراً بالثقة وربّما الغرور، يدفعه أحياناً إلى الإنكار أو التشكيك في كلّ ما لا ينسجم مع معارفه أو تجاربه المحدودة، لكنّ الواقع يشهد بوجود العديد من الظواهر التي عايشها البشر بأعينهم ولم يتمكّن العلم - رغم تطوره - من تقديم تفسيرٍ شاملٍ لها. فإذا كان العلم عاجزاً عن استيعاب ظواهر طبيعيّة قد تكون أقلّ تعقيداً في منظورنا، فكيف له أنْ يحيط بحدثٍ فائقٍ للطبيعة ومعجزٍ كالإسراء
وهذه الحدث كما نفهمه - ليس مجرّد ظاهرةٍ قابلةٍ للتفكيك بمفاهيمنا العلميّة الحاليّة - بل هو في جوهره معجزةٍ تتطلّب التسليم بقدرةٍ إلهيّةٍ مطلقةٍ لا تحدّها القوانين التي تحكم هذا الكون.
وقد أوضحنا في إجابة ٍسابقةٍ أنّ التساؤل عن كيفيّة حدوث الإسراء والمعراج يعكس واحداً من موقفين اثنين:
الموقف الأول: أنْ يكون السائل مؤمناً بوقوع الحادثة، لكنّه يسعى لفهمها من خلال تفسيرٍ فيزيائيٍّ أو علميٍّ. وفي هذا السياق ينبغي توضيح أنّ جوهر الإعجاز يكمن في خرق القوانين الطبيعيَّة؛ ولهذا فإنّ محاولة إخضاع الحادثة لتلك القوانين تُجرّدها من طبيعتها الإعجازيّة، حيث لا يمكن للمعجزة أنْ تكون قابلةً للتفسير وفق السنن المعتادة التي تحكم الكون.
والموقف الثاني: يتجسد في إنكار السائل لوقوع الحادثة من الأصل.
وهنا ينبغي أنْ يتوجّه الحوار نحو بحثٍ فلسفيٍّ وكلاميٍّ أعمق، يبتدئ بإثبات وجود الله وهيمنته المطلقة على الكون، فإذا كان الله هو الخالق المدبّر لهذا الوجود، وهو القادر على التحكّم في قوانينه وسننه، فإنّ الإيمان بوقوع المعجزات، ومنها الإسراء والمعراج، يصبح أمراً مقبولاً عقلاً ومنطقاً؛ لأنّها تعبير عن قدرةٍ إلهيّةٍ لا تحدّها قيودٌ أو حدودٌ.
فالنبيّ محمّد (ص) لم يقم بالإسراء والمعراج بقدرةٍ ذاتيّةٍ بشريّةٍ، بل كان الله سبحانه وتعالى هو الذي أسرى به كما ورد في قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} [الإسراء: 1]، فالآية تؤكّد أنّ الحدث كان آيةً من آيات الله التي تجاوزت القوانين الطبيعيَّة المعتادة.
وبرغم أنّ المعجزة لا تحتاج إلى تفسيرٍ علميٍّ لإثباتها، فإنّ هناك مفاهيم علميّة حديثة؛ مثل: السفر عبر الزمن، والثقوب الدودية، وطيّ الزمكان، قد تُستخدم كتشبيهاتٍ تقريبيّةٍ لفهم جوانب الحدث دون إنكار طبيعته الإعجازية.
- ومع ذلك - يبقى الإيمان بقدرة الله المطلقة الأساس في قبول مثل هذه الحوادث الخارقة.
اترك تعليق