ما علاقة النبوة بالأمية؟ وهل حقاً كان نبي الإسلام أمياً يجهل القراءة والكتابة؟
جوزيف أمير/: لم أر طيلة حياتي أمة تتباهى وتتفاخر بأمية زعيمها أو نبيها مثل الأمة الإسلامية. وكأن الأمية (الجهل) مصدرٌ للتباهي والإعتزاز، ودليلٌ على صحة الرسالة وعلى صدق النبوة!! ترى ما علاقة النبوة بالأمية؟ وهل حقاً كان محمد أمياً يجهل القراءة والكتابة؟ وهل قال محمد بفمه إنه لا يقرأ ولا يكتب حتى توفي؟؟ ولو افترضنا جدلاً أن النبي كان يقرأ ويكتب، فهل هذا سيقلل من مكانته بين إخوته الأنبياء؟ أم تراه سيقدح بمصداقية الرسالة وبصدق الرسول؟؟
الأخ جوزيف .. يتم الجواب على ما ذكرتم من خلال عدة مستويات:
أولاً: هل تعلم أن كلمة أمي كان العبرانيون القدماء يطلقونها للدلالة بها على الأفراد والجماعات والشعوب الغير إسرائيلية، أي الغير كتابيين، ولقد أخذ المسيحيون الأوائل هذا الإصطلاح (أمي _أميين _أمم) عن اليهود للدلالة به أيضاً على الغير مؤمنين. فمفهوم (الأمي) و(الأميين) في القرآن يعني الذين لم ينزل عليهم كتاب سماوي، فاليهود والنصارى هم أهل الكتاب أو الذين أوتوا الكتاب، وغيرهم من سكان الجزيرة العربية هم (أميون) أي لم يأتهم كتاب سماوي قبل القرآن، وبهذا كان يميز القرآن بين أهل الكتاب العرب وبقية العرب الذين لم يكونوا يهوداً أو نصارى، وسوف نذكر لك الآيات القرآنية الواضحة في ذلك التي من خلالها ستعرف أن كلمة (أمي) لم تستعمل في القرآن بمعنى الأمية الأبجدية التي تعني من لا يعرف القراءة والكتابة، وإنما استعملت بنفس المصطلح الذي كان متداولاً عند أهل الكتاب، فالأمي والأميون أي: العرب الذين لم يأتهم كتاب سماوي في مقابل أهل الكتاب.
ثانياً: بعد أن عرفنا معنى مصطلح الأمي والأميين، تعال معي لنستعرض آيات القرآن الكريم التي أشارت إلى هذه المفردة، لنرى هل استعمل القرآن هذه المفردة بمعنى الأمية الأبجدية، أم استعملها بنفس المصطلح المستعمل سابقاً، أرجو منك أن تقرأ معي هذه الآيات من القرآن الكريم:
الأولى: قوله تعالى: (فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴿ 20 ﴾. سورة آل عمران.
الثانية: قوله تعالى: (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ )﴿ 75 ﴾. سورة آل عمران.
وغيرها من الآيات التي يطول المقام بذكرها.
بل تجد شاهداً واضحاً على ما أقوله: إن القرآن وصف بعض الذين يقرأون ويكتبون من اليهود بأنهم "أميون"، حيث كانوا يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يزعمون أنه من عند الله.. فقال: إنهم "أميون"، لانهم جهلوا بالكتاب السماوي، فأصبحوا كباقي العرب الذين لم يأتهم كتاب سماوي،كما في قوله تعالى: (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78) فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ (79). سورة البقرة.
بل لم نجد - وهذا من مضمون سؤالك - أن النبي صلى الله عليه وآله قال يوماً: أنا لا أقرأ ولا أكتب.
إن قال قائل: عندما نزل الوحي على نبيكم بأول آية من القرآن وقال له: اقرأ، ألم يجبه نبيكم بقوله: ما أنا بقارئ؟
قلنا: إن القرآن الكريم يؤكد على أن النبي محمداً (ص) كان يقرأ ويكتب.
فأول ما نزل من القرآن هو أمر إلهي: (اقرأ)، والله تعالى لا يأمره بالقراءة إلا إذا كان قارئاً.....
ولا نتصور عقلاً أن يقول له ربه: (اقرأ) فيرفض قائلاً: (ما أنا بقارئ)، كما لا نتصور عقلاً أن يكون ذلك الراوي لتلك الرواية حاضراً مع النبي محمد (ص) حين نزلت عليه الآية، وحتى لو حضر فكيف يسمع حوار الوحي. إذن هي رواية ملفقة. والقرآن يؤكد على أن النبي محمداً (ص) كان يقرأ القرآن من صحف مكتوب فيها القرآن: (رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً) سورة البينة آية (2)، أي كان يتلو بنفسه من صحف.
والنتيجة: الذين قالوا: إن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) كان أمياً لا يجيد القراءة والكتابة، ما قولهم هذا إلا ليسلبوا منه كمالات النبوة، وينسبون له ما ليس فيه.
اترك تعليق