هل القرآن نزل بلسان عربي مبين أم لا؟

بيشو/: هل القرآن نزل بلسان عربي مبين أم لا.. القرآن يوجد به الكثير من الكلمات الأعجمية والكلمات الغير مفهومة، حتى كلمة قرآن ليست عربية، بل كلمة سريانية أصلها (قريان)، أي كتاب تلاوة الطقوس المسيحي.

: اللجنة العلمية

  أخي العزيز، أنت تقول بوجود كلمات أعجمية وكلمات غير مفهومة، بل قال غيرك أيضاً بأن هناك في القرآن ما يربو على (250) كلمة غير عربية. 

  ويمكن الرد على ما قلت وقاله غيرك من خلال نقاط: 

  الأولى: إنك لو تتبعت كلمات القرآن بدقة ونظر فاحصين، وكنت عالماً بكلمات العرب وما نطقوا به، لوجدت القرآن لا يحتوي على أي كلمة أعجمية، فكلمات القرآن عربية، فهو عربي مبين بلحاظ المادة وهي الكلمات، وعربي مبين بلحاظ الهيئة التركيبية للكلمات، ولذلك لا تجد آية من آياته جاءت على خلاف قواعد اللغة العربية.

  ثانياً: لو تأملت بينك وبين نفسك في هذا الإشكال وفكرت قليلاً لتم جوابه عندك، ولقلت في نفسك: إن العمر الطبيعي لهذا الإشكال لم يتجاوز السنين الطوال، فهل يعقل أن يلتفت إليه من هم أبعد بكثير عن أصول اللغة العربية، ومن هم اختلطت لغتهم الأم بلغات أنستهم رسم كلمات لفتهم، بل لا يعرفون كثيراً من معاني الكلمات العربية الأصيلة، لتراهم يلجؤون إلى المعاجم والقواميس لمعرفة المعاني وهم عرب، فهل يصح أن يلتفتوا لهذا الإشكال، ولا يلتفت إليه العرب الذين عاصروا نزول القرآن، وكانوا من أشد المعارضين للإسلام، فلم يعرف منهم ولم ينقل عنهم أنهم قالوا: إن القرآن فيه كلمات غير عربية، بل هم كانوا أولى من غيرهم في عرض هذا الإشكال، فلو وجدوا فيه كلمات غير عربية وليست من نسج لسانهم العربي المبين لوجدوا ضالتهم في مقام الرد على الدعوة الإسلامية، فلو كان ثم كلمات غير عربية في القرآن لاتهموا القرآن الكريم بالكذب، ولقالوا:  كيف يصف نفسه بأنه قرآن عربي مبين، وفيه كلمات أعجمية، مع العلم أن الله عز وجل في ما يربو عن عشرة آيات يشدد ويؤكد أنه قرآن عربي مبين، بل نراه يصرح وينفي كونه أعجمياً بالمجموع، وينفي أن يكون بعض آياته عربياً والبعض الآخر أعجمياً، وهذا ما نجده واضحاً وصريحاً في سورة فصلت في قوله تعالى: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيَّاً لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ) آية (44)، فهل يعقل بعد ذلك أن العرب الفصحاء أصحاب المعلقات الذين كانت اللغة العربية هي الأصل لهم وهم الأصل لها، تمر على مسامعهم كلمات في القرآن غير عربية ولم يلتفتوا إليها ولم يحتجوا بها في مقام الرد، بل أقولها لك بضرس قاطع: إنهم لو وجدوا كلمة واحدة غير عربية لأقاموا الدنيا ولم يقعدوها، فهل بعد هذا تشكيك. 

  ثالثاً: إن في القرآن الكريم أسماء أعلام، وأنت تعلم ما أعني بأسماء الأعلام، لكنني سأذكرها لك من باب الذكرى. 

  يقول علماء النحو: إن اسم العلم هو كل اسم يدل على معين سمي به، إنسان أو مكان أو غيرهما. 

  فلو جئنا لأغلب الأسماء التي ذكرها القرآن التي أنتم تقولون عنها إنها أعجمية وغير عربية، لوجدناها أسماء أعلام. 

  وقد اتفقت كلمة علماء اللغات قديماً وحديثاً، أن أسماء الأعلام إنما تُنقل من لغة إلى أخرى كما هي، ولا تخرج اللغة التي نُقلت إليها تلك الأسماء عن أصلها وفصلها الذي اشتهرت به؛ بل إنهم صرحوا أن أسماء الأعلام لا تترجم من لغة إلى أخرى، لأن ترجمتها تؤدي إلى الجهل بها وعدم معرفتها. 

  رابعاً: إن هنالك عند العرب كلمات معربة، أي أنها جاءت إلى العرب من لغات أخرى، ولم يتلفظوا بها كما هي،  وإنما عربوها ونطقوا بها، أي لم يستعملوها كما وردتهم، وسبب ذلك لأنهم عرب لهم لغتهم الخاصة ويتفاخرون بها، ولا يرضون بأي دخيل وغريب يدخل فيها، ومن هذه الكلمات هي كلمة (قريان) وغيرها، فلم نجد ولم ينقل أن العرب استعملت هذه الكلمة وغيرها بحسب أصلها، وإنما عربوها إلى (قرآن)، وظاهرة التعريب في كلام العرب ظاهرة مقررة عند أهل العربية؛ والتعريب ليس أخذاً للكلمة من اللغات الأخرى كما هي و وضعها في اللغة العربية، بل التعريب هو: أن تصاغ اللفظة الأعجمية بالوزن العربي، فتصبح عربية بعد وضعها على وزان الألفاظ العربية، فيتدخلون في بنية الكلمة بزيادة أو نقيصة حتى تكون على طبق الوزن العربي الفصيح، والقرآن إنما نزل بكلام العرب، ولم نجده يذكر كلمة غير مقررة عند العرب، فهل وجدت في القرآن كلمة (قريان)، أم وجدتها بلفظها العربي الواضح الذي تستعمله العرب. 

   خامساً: في مقام سؤالك ذكرت أن هنالك كلمات غير مفهومة في القرآن، وجوابه اتضح بما ذكرناه، وعدم فهم بعض الكلمات في القرآن سببه أننا ابتعدنا كثيراً عن لغتنا الأم، ولذا ترانا نتعلم قواعد اللغة العربية ونحن عرب، بل ترانا لا نفهم كثيراً من الكلمات العربية التي كانت سابقاً واضحة المعنى، والآن معرفة معناها بحاجة إلى مراجعة المعاجم والقواميس، فعدم الفهم لا يدل على عدم الإنفهام.