ما هو مصير فرس الحسين (ع)؟

السؤال: ما هو مصير فرس الإمام الحسين (عليه السلام) الذي قاتل عليه في معركة الطف؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

في البدء لا بأس أنْ يُعلم بأنَّ فرس الإمام الحسين (عليه السلام) من جِياد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، فقد (نُقل أنَّه لما قُتل الحسين (عليه السلام)، جعل جواده يصهل ويحمحم ويتخطَّى القتلى في المعركة واحداً بعد واحد، فنظر إليه عمر بن سعد، فصاح بالرِّجال: خذوه وأتوني به، وكان من جِياد خيل رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)) [المنتخب للطريحيّ ص424، الخصائص الحسينيّة ص91].

قال جواد محدِّثي: (ذو الجناح: اسم فرس الإمام الحسين (عليه السلام) الذي ركبه يوم عاشوراء، سمِّي بذي الجناح لسرعته. بعد سقوط الإمام الحسين على الأرض صار هذا الفرس يذبُّ عنه ويهجم على فرسان العدو وقتل جماعة منهم، بقي الحسين على ظهر الفرس غاية جهده، واستمرَّ يحارب ويقاوم. لكنَّه سقط آخر الأمر من على ظهر الجواد على أرض الطفوف. بعد مقتل الإمام لطَّخ الفرس ذؤابته بدمه، وتوجَّه نحو الخيام وهو يصهل ويضرب الأرض برجله ليخبر أهل البيت باستشهاده، فعرفت النساء مقتل الإمام وعلا صراخهن) [موسوعة عاشوراء ص ١٨٩]. وقيل غير ذلك من الأسماء.

إذا بان هذا فنقول: لقد تعدّدت الأقوال في مصير فرس الإمام الحسين (عليه السلام) تبعاً للأخبار والآثار، نذكر ما عثرنا عليه منها.

القول الأوَّل أنّه ضرب الأرض برأسه فمات.

قال السيَّد محمَّد بن أبي طالب الحائريّ: (وقتل (صلوات الله عليه) يوم عاشوراء، عاشر المحرَّم الحرام سنة إحدى وستِّين من الهجرة، وهو ابن أربعٍ وخمسين سنةً وستة أشهر ونصف. قال: وأقبل فرس الحسين (عليه السلام) وقد عدا من بين أيديهم أنْ لا يُؤخذ، فوضع ناصيته في دم الحسين (عليه السلام)، ثمَّ أقبل يركض نحو خيمة النساء وهو يصهل ويضرب الأرض برأسه عند الخيمة حتَّى مات) [تسلية المجالس ج2 ص327]. ونقل صاحب البحار (طاب ثراه) ذلك عنه، وعن كتاب المناقب [يُنظر: بحار الأنوار ج45 ص60].

القول الثاني أنّه ألقى نفسه في النهر واختفى.

قال الملَّا حبيب الله الكاشانيّ: (قال عبد الله بن قيس: رأيتُ الجواد راكضاً وقد تفرَّق عنه الناس، وهو راجعٌ من نحو الخيم، ولم يقدر عليه أحدٌ وحمل عليهم، وقصد الفرات ووثب وثبة فإذا هو في وسط الفرات، ثمَّ غاص ولم يعرف له إلى الآن خبر) [تذكرة الشهداء ص92].

القول الثالث أنّه عند الإمام الحجَّة (عليه السلام).

قال السيِّد بدر الدين العاملي: (قال في القاموس: حيزوم فرس جبرئيل (عليه السلام). وقال في الصحاح: اسم فرسٍ من خيل الملائكة، ولا منافاة بينه وما هنا، فإنَّه يُمكن أنْ يكون من خيل الملائكة، وقد كان في يوم بدرٍ راكباً له جبرئيل وبعد ذلك صار إلى الرسول (صلوات الله عليه). ويُمكن أنْ يكون هو الفرس الذي كان الحسين (عليه السلام) يوم كربلاء راكباً له، وبعد استشهاده غاب في الفرات، وسيجيء صاحب الأمر (صلوات الله عليه) راكباً له) [الحاشية على أصول الكافي ص163].

وقال الملَّا حبيب الله الكاشانيّ: (وقد ذكروا أنَّه يظهر على يد القائم من آل مُحمَّد (صلَّى الله عليه وآله)) [تذكرة الشهداء ص93].

أقول: ويُمكن الجمع بين القولين الأخيرين، فإنَّ القول الثالث مكملٌ للقول الثاني، وموضِّحٌ للصورة بالكامل؛ لأنَّ الثاني يرى غيابه في الفرات أوَّلاً ومن ثُمَّ عدم معرفة مصيره إلى الآن، بينما الثالث يوضِّح هذا المصير الذي سكت عنه القول الثاني، وهو كونه عند صاحب العصر والزمان (عليه السلام).

هذا، ويُمكن دفع الاستغراب في كيفية طول عمره أو رجوعه بعد موته بسعة قدرة الله تعالى، فإنَّه على كلِّ شيءٍ قدير.

قال تعالى: ﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَة وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ الله بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ الله مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: 259].

والنتيجة النهائيَّة من كلِّ ذلك، أنَّ الأقوال في مصير فرس الإمام الحسين (عليه السلام) ثلاثة، مع إمكان جعل القول الثالث مكمِّلاً للثاني، كما أوضحنا .. والحمد لله ربِّ العالمين.