هل الأحلام والرؤى هي نتاج العقل اللاوعي؟
السؤال: ما رأيكم في تفسير وتأويل الأحلام من منظور علم النفس التحليلي؟ وهل يتعارض مع الرؤية الإسلامية، بخاصة أن فرويد أرجع كل الأحلام إلى اللاوعي؟
الجواب:
يُعدّ (سيغموند فرويد) مَن أبرز المؤسّسين لنظريّة اللاوعي في علم النفس، حيث قدَّم مفهوماً جديداً للعقل الإنسانيّ تجاوز الحدود التقليديّة للوعي الظاهريّ، فقد رأى أنّ اللاوعي يمثّل البنية التحتيّة الخفيّة للوعي، حاملاً بين طياته أفكاراً، ورغباتٍ، وصراعاتٍ مكبوتةً تؤثّر بشكلٍ غير مباشرٍ على سلوك الإنسان. فقد أشار فرويد في كتابه [محاضرات تمهيديّة في التحليل النفسيّ]، إلى أنّ الأحلام تعدّ إحدى الأدوات الرئيسة التي يعبّر بها اللاوعي عن نفسه من خلال رسائل رمزيّةٍ مشفّرةٍ.
فالحلم - وفقاً لفرويد - هو امتدادٌ للحياة النفسيّة اللاواعيّة، ويُعتبر وسيلةً يعبّر بها الإنسان عن رغباته المكبوتة التي لا تجد طريقها إلى الوعي بسبب القيود الاجتماعيّة أو الأخلاقيّة؛ ولذلك شدّد فرويد على أنّ تفسير الأحلام مسألةٌ شخصيّةٌ، بمعنى أنّ الشخص الحالم هو وحده القادر على فهم دلالات رموزه وفقاً لتجربته الخاصّة، دون إمكانية اعتماد قواعد عامّة تنطبق على الجميع.
في حين نجد أنّ (كارل جوستاف يونج) – وهو أحد أهم مؤسّسي علم النفس في النصف الأوّل من القرن العشرين - وسّع مفهوم اللاوعي ليشمل «اللاوعي الجمعيّ»، وهو عبارةٌ عن مستودعٍ للرموز والموروثات الثقافيّة والأساطير المشتركة بين البشر، ووفقاً ليونج، الأحلام ليست فقط تعبيراً عن اللاوعي الفرديّ، بل تحمل أحياناً رموزاً مشتركةً بين الثقافات نتيجة اللاوعي الجمعيّ؛ لذا يمكن أن تتشابه الأحلام لدى الأفراد بسبب جذورهم المشتركة في الموروث الإنسانيّ.
وعلى الرغم من أنّ مدرسة التحليل النفسيّ ترجع جميع الأحلام إلى اللاوعي، فإنّ الإسلام ينظر لها من زاويةٍ مختلفةٍ، حيث يُفرّق الإسلام بين أضغاث الأحلام - التي قد تكون نتاجاً للأسباب التي اشارت لها مدرسة التحليل النفسيّ أو لأسبابٍ أخرى - وبين الرؤى الصادقة التي تعدّ وسيلة اتصالٍ بعالم الغيب.
وبمعنى آخر: حتى لو صدق تفسير فرويد للأحلام فإنّ تفسيره لا يتعارض مع الإسلام طالما أنّ الإسلام قد ميّز بين أضغاث الأحلام وبين الرؤية الصادقة التي هي جزءٌ من النبوّة، ففي الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: «الرؤيا ثلاثة: بشرى من الله، وتحزينٌ من الشيطان، والذي يحدّث به الانسان نفسه فيراه في منامه» [بحار الأنوار ج58 ص191، مسند أحمد ج2 ص269]. وعنه (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان» [بحار الأنوار ج58 ص191، صحيح البخاري ج7 ص24].
فرؤية النبيّ إبراهيم (عليه السلام) حين أُمر بذبح ابنه إسماعيل، قال تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ}. ورؤيا النبيّ يوسف (عليه السلام) حول سجود الكواكب له، قال تعالى: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ}، كلّها رؤىً صادقةٌ دون شكٍّ أو ريبٍ.
وقد جاءت الروايات عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) وأهل البيت (عليهم السلام) لتؤكّد على أهميّة الرؤى الصالحة باعتبارها جزءاً من النبوَّة، حيث قال النبيُّ (صلى الله عليه وآله): «ألا إنّه لم يبقَ من مبشّرات النبوة إلّا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له» [بحار الأنوار ج58 ص192، صحيح مسلم ج2 ص48]،، وفي روايةٍ أخرى قال (صلى الله عليه وآله): «الرؤيا الصالحة بشرى من الله، وهي جزءٌ من أجزاء النبوَّة» [بحار الأنوار ج58 ص192، مسند البزار ج5 ص250]، وقال: «الرؤيا الصادقةُ جزءٌ من سبعين جزءاً من النبوّة» [عيون أخبار الرضا ج2 ص288، صحيح البخاري ج8 ص69].
وفي المحصلة، بينما يُفسّر علم النفس التحليليّ الأحلام بوصفها نتاجاً للعمليات اللَّاواعية أو الَّلاوعي الجمعيّ، يميّز الإسلام بين الرؤى والأحلام، ويقدّم فهماً أوسع يشمل البُعد الروحيّ والبُعد النفسيّ، فالرؤى الصادقة في نظر الإسلام ترتبط بعالم الغيب، في حين ترتبط الأحلام بالشيطان أو بما يجول في النفس من خواطر واعيةٍ أو غير واعيةٍ.
اترك تعليق