هل يستفاد من قصة موسى (ع) والخضر حكما شرعيا أو عظة أو درسا ينتهج منه كل انسان مسلم؟

جعفر/السويد/: قصة موسى (ع) والخضر في القرآن التي بدأت بقتل الغلام ثم بخرم السفينة ثم ببناء جدار هل يستفاد حكما شرعيا أو عظة أو درسا ينتهج منه كل انسان مسلم؟

: اللجنة العلمية

الأخ جعفر .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

في قصة موسى والخضر (عليهما السلام) عبر ودروس ومواعظ كثيرة جدا ، وننقل هنا  فقط ما أفاده سماحة الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسيره ( الأمثل ) ج 9 ص 343 - ص 348 ، حيث قال ما نصه :

هناك جملة دروس يمكن أن نستفيدها من القصة ، ويمكن لنا أن ندرجها كما يلي :

أ : أهمية العثور على قائد عالم والاستفادة من علمه ، بحيث رأينا أن نبيا من أولي العزم مثل موسى ( عليه السلام ) يسلك هذا الطريق الطويل ، وقد بذل ما بذل لتحقيقه .

وهذا درس لجميع الناس مهما كان علمهم وفي أي عمر كانوا .

ب : جوهرة العلم الإلهي تنبع من العبودية لله تعالى ، كما قرأنا في الآيات أعلاه في قوله تعالى : عبدا من عبادنا علمناه من لدنا علما .

ج : يجب تعلم العلم للعمل ، كما يقول موسى ( عليه السلام ) لصاحبه مما علمت رشدا أي علمني عملا يقربني من هدفي ومقصدي ، فأنا لا أطلب العلم لنفسه ، بل للوصول إلى الهدف .

د : يجب عدم الاستعجال في الأعمال ، إذ العديد من الأمور تحتاج إلى الفرص المناسبة (الأمور مرهونة بأوقاتها ) خاصة في القضايا المهمة ، ولهذا السبب ، فإن الرجل العالم قد ذكر سر أعماله لموسى في الفرصة المناسبة .

ه‍ : الظاهر والباطن من المسائل المهمة الأخرى التي نتعلمها من القصة ، إذ يجب علينا أن لا نصدر أحكاما سريعة تجاه الحوادث التي تقع في مجرى حياتنا مما قد لا يعجبنا . إذ ما أكثر الحوادث التي نكرهها ، ولكن يتضح بعد مدة أن هذه الحوادث لم تكن سوى نوع من الألطاف الخفية الإلهية . والقرآن يصرح بمضمون هذه الحقيقة في قوله تعالى : {عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.

إن المستفاد من هذه القضية أن لا يصاب الإنسان باليأس عندما تهجم عليه الحوادث ، وفي هذا الصدد نقرأ في حديث طريف ينقله عبد الله بن المحدث والفقيه المعروف زرارة بن أعين ، ويقول فيه عبد الله : قال لي أبو عبد الله ( عليه السلام ) : " اقرأ مني على والدك السلام ، وقل له : إني إنما أعيبك دفاعا مني عنك ، فإن الناس والعدو يسارعون إلى كل من قربناه وحمدنا مكانه لإدخال الأذى في من نحبه ونقربه ، ويرمونه لمحبتنا له وقربه ودنوه منا ، ويرون إدخال الأذى عليه وقتله ويحمدون كل من عبناه نحن ، فإنما أعيبك لأنك رجل اشتهرت منا ، وبميلك إلينا ، وأنت في ذلك مذموم عند الناس غير محمود الأثر بمودتك لنا ولميلك إلينا ، فأحببت أن أعيبك ليحمدوا أمرك في الدين بعيبك ونقصك ، ويكون بذلك منا دافع شرهم عنك . يقول الله عز وجل : أما السفينة لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا هذا التنزيل من عند الله ، صالحة ، لا والله ما عابها إلا لكي تسلم من الملك ، ولا تعطب على يديه ، ولقد كانت صالحة ليس للعيب فيها مساغ والحمد لله ، فافهم المثل يرحمك الله ، فإنك والله أحب الناس إلي ، وأحب أصحاب أبي حيا وميتا . فإنك أفضل سفن ذلك البحر القمقام الزاخر ، وإن من ورائك ملكا ظلوما غصوبا يرقب عبور كل سفينة صالحة ترد بحر الهدى ليأخذها غصبا ، ثم يغصبها وأهلها ورحمة الله عليك حيا ورحمته ورضوانه عليك ميتا " ( 2 ) .

و : من دروس القصة الاعتراف بالحقائق واتخاذ المواقف المطابقة لها ، فعندما تخلف موسى ثلاث مرات عن الوفاء بالتزامه لصاحبه العالم ، عرف أنه لا يستطيع الاستمرار معه في الصحبة ، وبالرغم من أن فراق هذا الأستاذ كان أمرا صعبا على موسى ( عليه السلام ) ، إلا أنه ( عليه السلام ) لم يكابر وأنصف العالم بإعطائه الحق ، وفارقة عن اخلاص بعد أن حصل على حقائق عظمية وكنوز معنوية كبيرة من هذه الصحبة القصيرة .

يجب على الإنسان أن لا يستمر إلى آخر عمره في اختبار نفسه ، بحيث تتحول حياته إلى مختبر للأمور المستقبلية التي قد لا تحصل أبدا ، إذ عليه عندما يختبر موضوعا ما عدة مرات ، أن يلتزم العمل بنتائج الاختبار وأن يقتنع به .

ز : تأثير إيمان الآباء على الأبناء لقد تحمل الخضر مسؤولية حماية الأبناء في المقدار الذي كان يستطيعه ، وذلك بسبب الأب الصالح الملتزم . بمعنى أن الابن يستطيع أن يسعد في ظل

الإيمان وأمانة والتزام الأب ، وإن نتيجة العمل الصالح الذي يلتزمه الأب تعود على الابن أيضا .

وفي بعض الروايات نقرأ أن ذلك الرجل الصالح لم يكن الأب المباشر لليتامى ، بل هو من أجدادهم البعيدين جدا . ( وهكذا يكون للعمل الصالح تأثيره ). وإن من علائم صلاح هذا الأب هو ما تركه من الكنوز المعنوية ، ومن الحكم لأبنائه .

ح : قصر العمر بسبب إيذاء الوالدين عندما يطال الموت الابن بسبب ما يلحقه من أذى بوالديه في مستقبل حياته ، وبسبب ما يرهقهما به من أذى وطغيان وكفر ، قد يحرفهم به عن الطريق الإلهي ، كما رأينا ذلك في القصة التي بين أيدينا ، فإن الروايات الإسلامية تربط بين قصر العمر وترك صلة الرحم ( وبالأخص أذية الوالدين وعقوقهما ) وقد أشرنا إلى بعضها في نهاية الحديث عن الآية ( 23 ) من سورة الإسراء .

وينبغي هنا أن نستوعب الدرس على صعيد هذا الجانب من القصة ، إذا كان الولد يقتل لما يلحقه بأبويه من ضرر وأذى في مستقبل حياته ، ترى فما حال الذي يمارس الأذى فعلا بحق والديه ويرهقهما بالعقوق ؟

ط : الناس أعداء ما جهلوا قد يحدث أن يقوم شخص بالإحسان إلينا ، إلا أننا نتصوره عدوا لنا ، لأننا لا نعرف بواطن الأمور ، ونتسرع ونفقد الصبر ، خصوصا إزاء الأحداث والأمور التي نجهلها ولا نحيط بأسبابها علما . من الطبيعي أن يفقد الإنسان صبره إزاء ما لا يحيط به علما من الأحداث والقضايا ، إلا أن الدرس المستفاد من القصة هو أن لا نتسرع في إصدار الأحكام على مثل هذه القضايا حتى تكتمل لدينا الرؤية التي نحيط من خلالها بجوانب وزوايا الموضوع المختلفة .

ففي حديث عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، نقرأ قوله ( عليه السلام ) : " الناس

أعداء ما جهلوا " ، لذا فإنه كلما يرتفع الوعي لدى الإنسان فإن تعامله يكون أكثر منطقية ، وبعبارة أخرى إن أساس الصبر هو الوعي .

وكان لانزعاج موسى ( عليه السلام ) - بالطبع - ما يبرره ، إذ كان يرى تجاوزا عن حدود الشرع في الأحداث التي وقعت على يد صاحبه بحيث تعرض القسم الأعظم للشريعة إلى الخطر ، ففي الحادثة الأولى تعرضت مصونية أموال الناس إلى الخطر ، وفي الثانية تعرضت أرواحهم إلى خطر ، أما في الثالثة ، فكان اعتراضه ينصب على ضرورة التعامل المنطقي مع حقوق الناس ، لذلك فقد اعترض ونسي عهده الذي قطعه لصاحبه العالم ، ولكن ما إن اطلع على بواطن الأمور هدأ وكف عن الاعتراض . وهذا الأمر يدل على أن عدم الاطلاع هو أمر مقلق بحد ذاته .

ى : أدب التلميذ والأستاذ ثمة ملاحظات لطيفة حول أدب التلميذ والأستاذ ظهرت في مقاطع الحديث بين موسى ( عليه السلام ) والرجل الرباني العالم ، فمن ذلك مثلا :

1 - اعتبار موسى ( عليه السلام ) لنفسه تابعا للخضر قوله : أتبعك .

2 - لقد أعلن موسى ( عليه السلام ) هذا الإتباع على شكل استئذان فقال : هل

أتبعك .

3 - اقراره ( عليه السلام ) بعلم أستاذه وبحاجته للتعلم فقال : على أن تعلمن .

4 - وللتواضع فقد اعتبر علم أستاذه كثيرا، وهو يطلب جانبا من هذا العلم ، فقال: مما.

5 - يصف علم أستاذه بأنه علم إلهي فيقول : علمت .

6 - يطلب من أستاذه الهداية والرشاد فقال ( عليه السلام ) : رشدا .

7 - يقول لأستاذه بشكل لطيف خفي ، بأن الله قد تلطف عليك وعلمك ، فتلطف أنت علي ، وحيث قال ( عليه السلام ) : تعلمن مما علمت .

8 - إن جملة هل أتبعك تكشف حقيقة أن يكون التلميذ في طلب الأستاذ ، وفي أتباعه ، إذ ليس من وظيفة الأستاذ اتباع تلميذه إلا في حالات وموارد خاصة .

9 - برغم ما كان يتمتع موسى ( عليه السلام ) بمنصب كبير ( حيث كان نبيا من أولي العزم وصاحب رسالة وكتاب ) إلا أنه تواضع ، وهذا يعني أنك ومهما كنت وفي أي مقام أصبحت ، يجب عليك أن تتواضع في مقام طلب العلم والمعرفة .

10 - إن موسى ( عليه السلام ) لم يذكر عبارة جازمة في معرض تعهده لأستاذه ، بل قال : ستجدني إن شاء الله صابرا وهذه الصيغة في التعبير مملوءة أدبا إزاء الخالق جل وعلا ، واتجاه الأستاذ أيضا ، حتى إذا تخلف عنها لا يكون ثمة نوع من هتك الحرمة إزاء الأستاذ .

وضروري أن نذكر في خاتمة هذا الحديث أن العالم الرباني قد استخدم إزاء موسى ( عليه السلام ) منتهى الحلم في مقام التعليم والتربية ، فعندما كان موسى ( عليه السلام ) ينسى تعهده وتثور ثائرته ويعترض عليه ، يجيبه الأستاذ بهدوء وبرود ، ولكن على شكل استفهام : ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا .

ودمتم سالمين.