ما مَعنَى التَّعصُّبِ والعَصبيَّةِ الدِّينيَّةِ ؟
أحمدُ العِرَاقي/: السَّلامُ علَيكم ورَحمةُ اللهِ وبرَكاتُه.. ما مَعنَى التَّعصُّبِ، وخَاصَّةً ما يُسمَّى (التَّعصُّبُ الدِّينِيُّ)؟
الأخُ أحمدُ المحتَرمُ.. السَّلامُ علَيكم ورَحمةُ اللهِ وبرَكاتُه.
التَّعصُّبُ في اللُّغةِ منَ العَصبِيَّةِ، وتَعصَّبَ، أي شدَّ العِصَابةَ (الصِّحاحُ للجَوهَرِي 1: 182).
وفي الإصطِلَاحِ: الإنحِيَازُ لشَيءٍ (سَواءٌ كانَ شَخصاً أم فِكْرةً) ونُصرَتُه بشِدَّةٍ.
وهو نَوعَانِ: مَمقُوتٌ ومَمدُوحٌ:
أما التَّعصُّبُ المَمقُوتُ، فيَكُونُ على نَحوَينِ:
الأولُ: أنْ يَنحَازَ الإنسَانُ لشَيءٍ ويَنصُرَه بشِدَّةٍ ولكنْ مِن غَيرِ دَلِيلٍ ولا بُرهَانٍ.
الثَّاني: أنْ يَنحَازَ الإنسَانُ لشَيءٍ ويَنصُرَه بشِدَّةٍ ولكنْ على حِسَابِ حُقُوقِ الآخَرِينَ.
ومَنشَأُ التَّصرُّفِ المَذكُورِ - كما يُؤكِّدُ عُلمَاءُ النَّفْسِ - هو الجَهلُ ونَقصُ المَعرِفَةِ، وأحيَاناً سُوءُ التَّربِيَةِ.
ولَوازِمُ هذا الشُّعُورِ - اجْتِماعيّاً - هو بَثُّ رُوحِ الكَراهِيَّةِ بينَ النَّاسِ، وإشاعَةُ حَالَةِ العَداءِ والإحتِقَارِ بينَ الجَماعَاتِ الإنسَانيَّةِ، والإنغِلَاقُ، والتَّحجُّرُ، وقد نَهَى الإسْلَامُ عن هكَذا نَوعٍ منَ التَّعصُّبِ، واعْتبَرَه مِن سُلوكِيَّاتِ إبلِيسَ (عليه اللعنة) الَّذي تَعصَّبَ لعُنصُرِهِ النَّارِي وظنَّ أنَّه أفضَلُ منَ العُنصُرِ التُّرَابِي الَّذي خُلِقَ منْه آدمُ (عليه السلام)، ومِن هُنا رَفضَ السُّجُودَ إليْه وعَصَى واسْتكبَرَ وصَارَ منَ المُعَاندِينَ.
وأسوَءُ حَالَاتِ التَّعصُّبِ المَمقُوتِ هو التَّعصُّبُ الدِّينِيُّ الَّذي يَجرُّ إلى إصدَارِ فَتاوَى التَّكفِيرِ والتَّشرِيكِ للآخَرِينَ بغَيرِ حقٍّ والدَّعوَةِ إلى قَتلِهِم لا لشَيءٍ سِوَى أنَّهم يُخَالفُونَنا في مَذهَبِنَا واعْتِقَادِنا، وقد نَهَى القُرآنُ الكَرِيمُ والسُّنةُ الشَّرِيفةُ عن ذلِك نَهْياً مُطلَقاً ودَعَى إلى إشاعَةِ رُوحِ الحِوَارِ والتَّسامُحِ والإلتِقَاءِ على المُشتَرَكاتِ بينَ النَّوعِ الإنسَانِي، أو كمَا قَالَ الإمَامُ أمِيرُ المُؤمِنينَ عليٌّ (عليه السلام): (النَّاسُ صِنفَانِ: أخٌ لك في الدِّينِ، أو نَظِيرٌ لك في الخَلْقِ). فهَذا التَّصنِيفُ للنَّاسِ له حُقُوقٌ وعَليْه مُعطَيَاتٌ يَنبَغِي للمُسلِمِ الوَاعِي أنْ يَتعَامَلَ مَعَها وِفقَ ضَوابِطِ الشَّرِيعَةِ التي دَعتْ إلى إحتِرَامِ الحُقُوقِ وعَدمِ التَّجاوُزِ والإعتِدَاءِ على الآخَرِينَ بغَيرِ مُسوِّغٍ مَشرُوعٍ.
قَالَ رسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم): «مَن كانَ في قَلبِهِ ذرَّةٌ مِن حَبَّةٍ مِن خَردَلٍ مِن عَصبِيَّةٍ بَعثَه اللهُ يومَ القِيَامةِ مع أعرَابِ الجَاهِليَّةِ»، وقَالَ (ص): «مَن تَعصَّبَ أو تُعصِّبَ له فقَد خَلعَ رَبقَةَ الإيمَانِ مِن عُنُقِه».
وجاءَ عن الإمَامِ عليٍّ (ع) قَولُه: «عَدوُّ اللهِ إبلِيسُ إمَامُ المُتعصِّبِينَ».
وجاءَ عن الإمَامِ جَعفَر الصَّادِقِ (ع) قَولُه: «مَن تَعصَّبَ عَصَّبُه اللهُ بعِصَابةٍ مِن نَارِ جَهنَّمَ يَومَ القِيَامةِ».
وقد سَمَّى القُرآنُ الكَرِيمُ هذا النَّوعَ منَ التَّعصُّبِ بحَميَّةِ الجَاهِليَّةِ.. قَالَ تعَالى: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} الفتح: 26.
والنَّوعُ الثَّاني منَ التَّعصُّبِ هو التَّعصُّبُ المَمدُوحُ، وهو التَّعصُّبُ لمَكَارِمِ الأخلَاقِ ومَحَامِدِ الأفعَالِ.
يَقُولُ الإمَامُ عليٌّ (ع): (تَعصَّبُوا لمَكَارِمِ الأخلَاقِ، ومَحَامِدِ الأفعَالِ).
فما أجمَلَ الإنسْانَ أنْ يُصِرَّ على نُصرَةِ فَضِيلةِ الأمانَةِ أينَما كَانتْ ويَنصُرَها بشِدَّةٍ، أو يُصِرَّ على فَضِيلَةِ العَدلِ ويَنصُرَها بشِدَّةٍ، أو يُصِرَّ على مُساعَدَةِ المَظلُومِينَ والمُحتَاجِينَ ويَنصُرَ ذلِك بشِدَّةٍ.. فالتَّعصُّبُ في هذا الجَانِبِ مَمدُوحٌ، بل مُثَابٌ عَليْه الإنسَانُ لو تَشدَّدَ فيه ودَعَى إليْه، خِلَافَ التَّعصُّبِ للأشخَاصِ والآرَاءِ مِن غَيرِ دَلِيلٍ أو بُرهَانٍ أو التَّعصُّبِ الَّذي يَكُونُ على حِسَابِ حُقُوقِ الآخَرِينَ.
ودُمتُم سَالِمينَ.
اترك تعليق