لماذا يكونُ الحسابُ يومَ القيامةِ إذا كانَ هُناكَ عذابٌ فِي القبرِ؟

محمد / سوريا: لا توجدُ آياتٌ تدلُّ على عذابِ القبرِ بينمَا توجدُ آياتٌ واضحةٌ تدلُّ على أنَّ الكافرَ عندَ قيامهِ مِنَ القبرِ يقولُ: يا ويلنَا مَن بعثنَا مِن مرقدنَا، ويقولُ الكافرونَ: هذا يومٌ عَسِرٌ (أي يومُ الحِسابِ)، فلماذا يجعلُ اللهُ تعالى عذاباً وحساباً قبلَ يومِ القيامةِ؟ وبالتّالي يُسمِّي يومَ القيامةِ بيومِ الحِسابِ؟ أينَ الحسابُ في يومِ القيامةِ اذا كانَ الإنسانُ يتعذَّبُ فِي قبرهِ؟

: اللجنة العلمية

الأخُ محمَّدٌ المحترمُ، السّلامُ عليكمُ ورحمة اللهِ وبركاتُهُ 

عذابُ القبرِ أو عذابُ البررخِ ونعيمهُ هوَ أمرٌ ثابتٌ شهدَتْ بهِ الآياتُ والرّواياتُ، وهذهِ بعضُ الأدلّةِ القُرآنيّةِ الدَالّةِ على ذلكَ:

1- يقولُ تعالى فِي سورةِ غافِر الآية (46) عن آلِ فرعونَ: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) (غافر:46).

فالآيةُ صريحةٌ وهيَ تتحدّثُ عَن عَذابينِ: عذابٌ قبلَ يومِ القيامةِ وعذابٌ فِي يومِ القيامةِ، والعذابُ الذي قبلَ يومِ القيامةِ هوَ الذي يُصطلَحُ عليهِ بعذابِ القبرِ أو عذابِ البرزخِ.

2- وفِي سُورةِ البروجِ الآية (10) يتحدّثُ سبحانهُ عَن أصحابِ الأخدودِ فيقولُ: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) (البروج:10).

وهُنا الآيةُ صريحةٌ أيضاً فِي الحديثِ عَن عَذابَينِ: عذابِ جهنَّمَ، وعذابِ الحريقِ، ومِنَ المعلومِ أنَّ عذابَ جهنَّمَ هوَ عذابُ الآخرةِ، ويبقى عذابُ الحريقِ هوَ عذابُ البرزخِ أو مَا يُسمَّى بعذابِ القبرِ.

3- وفِي سورةِ آلِ عمرانَ الآية (169) ومَا بعدهَا يُحدِّثنَا سبحانهُ وتَعالى عَنِ الشّهداءِ فيقولُ: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (آل عمران:169- 170).

فهذهِ الآياتُ صريحةٌ فِي نعيمِ البرزخِ، لأنَّهَا تتحدّثُ عَن مرحلةٍ لا يمكنُ أن يكونَ المُرادُ بهَا يومَ القيامةِ؛ لأنّهُ فِي يومِ القيامةِ لا يوجدُ هناكَ مَن نَنتظرهُ للحضورِ فالكلُّ سيحشَرُ وينتقلُ إلى الدّارِ الآخرةِ، ولا يوجدُ مَن يبقى وراءَنَا حتَّى ننتظرهُ ونتمنَّى لُحوقهُ بِنَا، فالآيةُ صريحةٌ فِي الدّلالةِ على عالمِ البرزخِ أو عذابِ القبرِ ونَعيمهِ.

فموضوعُ عذابِ القبرِ ونعيمهِ ثابتٌ ولا مجالَ لِنَفيهِ، وهيَ مرحلةُ البَرزخِ التي تكونُ بينَ عالمي الدّنيَا والآخرةِ (يومِ القيامةِ ومَا بعدهُ)، والذي يُستفادُ مِنَ الرّواياتِ أنَّ هذا النّعيمَ أو العذابَ البرزخيَّ لا يشملُ الجميعَ بَل يكونُ لفئةٍ خاصَّةٍ أطلِقَ عليهَا فِي الرّواياتِ: مَن محضَ الإيمانَ محضاً ومَن محضَ الكفرَ محضاً.

روى الشّيخُ الكلينيُّ (قدِّسَ سِرّهُ) بسندهِ عَنِ إبْنِ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ الْسَّلام) قَالَ: إِنَّمَا يُسْأَلُ فِي قَبْرِهِ مَنْ مَحَضَ الإِيمَانَ مَحْضاً وَالْكُفْرَ مَحْضاً وَأَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ فَيُلْهَى عَنْهُ. [الكافي 3:235].

فإذا كانَ الأمرُ كذلكَ فالحسابُ الأكبرُ الذي يشملُ النّاسَ جميعاً هوَ مَا يكونُ يومَ القيامةِ، وحتّى هذا العذابُ والنّعيمُ المرحليّ يُعدُّ مِن مُقدِّماتِ ذلكَ النّعيمِ والعذابِ الشّاملِ فِي يومِ القيامةِ، فإنَّهُ فِي يومِ القيامةِ تُفتَّحُ ملفاتُ الإنسانِ كلُّهَا حتَّى يقولَ الإنسانُ: (مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا) الكهفُ:49، فإن شاءَ اللهُ سبحانهُ عفا عَن هؤلاءِ المُعذّبينَ فِي مرحلةِ البرزخِ وإن شاءَ اِستمرَّ بهمُ العذابُ بعدَ أن تُفتَّحَ ملفاتهم كلّهَا.

نسألُ اللهَ حُسنَ العاقبةِ لجميعِ المؤمنينَ والمؤمناتِ فِي مشارقِ الأرضِ ومَغارِبِها. 

ودمتُم سالِمينَ.