ان كان الدعاء عباده فهل يجوز ان ندعي الائمة عليهم السلام؟ الا يعد ذلك تعبد ان دعيناهم مباشرة لان عندهم الولاية التكوينية ؟ ام نستنتج ان هذا شرك وعبادة غير الله

: اللجنة العلمية

الأخُ المُحترمُ، السّلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ 

إنَّ الإمامةَ والولايةَ عقيدةٌ تستمدُّ جذورَها منَ التّوحيدِ، بحيثُ لا يستقيمُ فهمُنا للإمامةِ بمعزلٍ عنِ التّوحيد، كما لا يتحقّقُ للتّوحيدِ معنىً مِن غيرِ إمامٍ يُمثّلُ إرادةَ اللهِ بينَ خلقِه؛ لأنَّ التّوحيدَ ومعرفةَ اللهِ ليسَت مسألةً نظريّةً ذهنيّةً، بحيثُ يكتفي الإنسانُ بمُجرّدِ الإعتقادِ بوجودِ إلهٍ لِهذا الكونِ، وإنّما لا بُدَّ مِن توحيدٍ عمليٍّ يتجلّى في الحياةِ، ولا يكونُ ذلكَ إلّا بوجودِ شخوصٍ يُمثّلونَ سُلطةَ اللهِ وحاكميّتَه، فيحتكُّ بهِم النّاسُ ويُخالطونَهم، فيكونوا بذلكَ شُهداءً على تسليمِهم وطاعتِهم للهِ وحدِه، وهذا ما اختبرَ اللهُ بهِ توحيدَ إبليس، عندما أمرَهُ بالسّجودِ لآدم عليهِ السّلام، ومِن هُنا يُمكنُنا أن نعتبرَ السّجودَ لآدمَ بمثابةِ مِصداقٍ حقيقيٍّ لتوحيدِ الله، وعليهِ فحقيقةُ العلاقةِ الرّابطةِ بينَ التّسليمِ للرّسلِ وبينَ توحيدِ اللهِ تعالى، هيَ أنَّ اللهَ يتجلّى لخلقِه بأوامرِه ونواهيهِ عبرَ رُسلِه، ولِذا تصبحُ طاعتُهم هي عينُ طاعةِ الله، بوصفِهم التّطبيقَ العمليّ للتّوحيد. 

والعلاقةُ بينَ الإنسانِ وبينَ ربّه تكونُ على مستوى التّشريعِ وعلى مستوى التّكوينِ، وفي كِلا المستويينِ لا تتحقّقُ العلاقةُ إلّا عبرَ وسيطٍ وهُم الأنبياءُ والرّسلُ، فمَن طلبَ الحقَّ والهُدى منَ الرّسولِ فقَد طلبَهُما منَ الله، ومَن طلبَ حاجتَه المادّيّةَ والمعنويّةَ منهُم فقَد طلبَهُما منَ اللهِ أيضاً، ولا تعارُضَ طالما الطّلبُ منهُم في طولِ الطّلبِ منَ اللهِ تعالى، والرّسولُ والأئمّةُ عليهمُ السّلامُ لا يملكونَ لأنفسِهم نفعاً ولا ضرّاً وكلُّ ما عندَهم مِن مقاماتٍ هو تفضّلٌ منَ اللهِ عليهِم وعلى البشرِ جميعاً.  

كما أنَّ العبادةَ في المفهومِ القُرآنيّ هيَ الخضوعُ اللّفظيُّ والعمليُّ عَن إعتقادٍ بألوهيّةِ المعبودِ أو ربوبيّتِه أو الإعتقاد بإستقلالِه في فعلِه أو بأنّهُ يملكُ شأناً مِن شؤونِ وجودِه وحياتِه على وجهِ الإستقلالِ. 

فكلُّ عملٍ مصحوبٍ بهذا الإعتقادِ يُعدُّ شِركاً بالله، ولذلكَ نجدُ أنَّ مُشركي الجاهليّةِ كانوا يعتقدونَ بألوهيّةِ معبوداتِهم وقَد صرّحَ القُرآنُ بذلكَ، قالَ تعالى: (واتّخذُوا مِن دونِ اللهِ آلهةً ليكونُوا لهُم عِزّاً) أي كانَ هؤلاءِ يعتقدونَ بألوهيّةِ معبوداتِهم. وقالَ تعالى: (الذينَ يجعلونَ معَ اللهِ إلهاً آخرَ فسوفَ يعلمون)، حيثُ تُصرّحُ هذهِ الآياتُ بأنَّ الشّركَ الذي كانَ يقعُ فيهِ الوَثنيّونَ هوَ مِن بابِ إعتقادِهم بألوهيّةِ معبوداتِهم، وقَد نصَّ اللهُ سبحانَه على هذا الأمرِ في قولِه تعالى: (وأعرِض عنِ المُشركينَ إنَّا كفيناكَ المُستهزئينَ الذينَ يجعلونَ معَ الله ِإلهاً آخرَ فسوفَ يعلمون). فتُحدّدُ هذهِ الآياتُ الملاكَ الأساسيَّ في قضيّةِ الشّركِ، وهوَ الإعتقادُ بألوهيّةِ المَعبودِ، ولذلكَ إستنكرُوا واستكبرُوا على عقيدةِ التّوحيد التي جاءَ بهَا الرّسولُ (ص وآله)، قالَ تعالى: (إنّهُم كانُوا إذا قيلَ لهُم لا إلهَ إلّا اللهُ يستكبرونَ). ولذلكَ كانَت دعوةُ الأنبياءِ لهُم مُحارِبةً لإعتقادِهم بإلهٍ غيرِ اللهِ سُبحانَه وتعالى، حيثُ يمتنعُ عقلاً عبادةُ مَن لا يعتقدُ بألوهيّتِه، فيعتقدُ أوّلاً ثُمَّ يعبدُ ثانياً. 

وكذلكَ مَن خضعَ أمامَ إنسانٍ باِعتبارِ أنّهُ مُستقلٌّ في فعلِه سواءٌ كانَ هذا الفعلُ عاديّاً مثلَ التّكلّمِ والحركةِ أو كالمُعجزاتِ التي كانَ يقومُ بِها الأنبياءُ يكونُ هذا الخضوعُ عبادةً؛ بَل لو اِعتقدَ الإنسانُ أنَّ حبّةَ الصُّداعِ تشفي بصورةٍ مُستقلّةٍ عنِ اللهِ تعالى يكونُ هذا الإعتقادُ شِركاً. 

وقَد ذهبَت الوهّابيّةُ إلى أنَّ التّوسّلَ بالأسبابِ الطّبيعيّةِ لا غُبارَ عليهِ كالأخذِ بالأسبابِ المادّيّةِ في الحالةِ الطّبيعيّةِ، أمّا التّوسّلُ بالأسبابِ الغيبيّةِ كأن تطلُبَ مِن أحدٍ شيئاً لا يحصلُ عليهِ بالسّننِ المادّيّةِ وإنّما بالسُّننِ الغيبيّةِ فهوَ شركٌ، وهذا خلطٌ واضحٌ حيثُ جعلوا السّننَ المادّيّةَ والغيبيّةَ ملاكاً في التّوحيدِ والشّركِ؛ فإذا أمعنَّا النّظرَ في هذهِ السّننِ بشقيّها نجدُ أنَّ ملاكَ التّوحيدِ والشّركِ خارجٌ عَن إطارِ نفسِ هذهِ السّننِ، وإنّما يعودُ الملاكُ إلى إعتقادِ الإنسانِ بهذهِ السّننِ، فإذا اِعتقدَ إنسانٌ أنَّ لهذهِ الوسائلِ والأسبابِ إستقلاليّةً بذاتِها أي مُنفصلةً عنِ اللهِ، يكونُ هذا الإعتقادُ شِركاً، مهما كانَ السّببُ طبيعيّاً أم غيبيّاً، وعليهِ إذا اِعتقدَ إنسانٌ أنَّ كُلَّ الأسبابِ غيرُ مُستقلّةٍ لا في وجودِها ولا في تأثيرِها بَل هيَ مخلوقةٌ للهِ تعالى مُسيّرَةٌ لأمرِه وإرادتِه، يكونُ إعتقادُه هذا عينَ التّوحيدِ. وعليهِ يُمكنُنا أن نُقسّمَ الفعلَ الإلهيَّ إلى قسمينِ: 

1ـ فعلٌ مِن غيرِ واسطةٍ (كُن فيكون). 

2ـ فعلٌ بتوسّطِ واسطةٍ، مثل أن يُنزِلَ اللهُ المطرَ بواسطةِ السّحابِ، ويشفي المريضَ بواسطةِ العقاقيرِ الطّبّيّةِ... وهكذا.

فإذا تعلّقَ الإنسانُ وتوسّلَ بهذهِ الوسائطِ مُعتقِداً أنّها غيرُ مُستقلّةٍ يكونُ مُوحِّداً وخلافُ ذلكَ يكونُ مُشرِكاً.  

وفي الخُلاصةِ يجوزُ لكُلِّ مُسلمٍ أن يستغيثَ ويتوسّلَ بأولياءِ اللهِ في أيِّ أمرٍ غيبيّاً كانَ أو مادّيّاً بشرطِ عدمِ الإعتقادِ بكونِهم آلهةً أو كونِهم مُستقلّينَ في فعلٍ مِن أفعالِهم عنِ اللهِ تعالى، وعليهِ إذا كانَ الدّعاءُ مَصحوباً بهذا النّوعِ منَ الإعتقادِ يُعدُّ شِركاً أمّا مِن غيرِ ذلكَ فهوَ عينُ التّوحيدِ، فمَن يطلبُ منَ الطّبيبِ الشّفاءَ فقَد طلبَهُ منَ اللهِ إذا اِعتقدَ أنّهُ مُجرّدُ واسطةٍ، أمّا إذا طلبَ منهُ ذلكَ على نحوِ الإستقلالِ فقَد أشركَ باللهِ.