هَل يَحتاجُ النَّبِيُّ محمَّدٌ (ص) إِلَى الصَّلَاةِ عليهِ؟

كَمَال/ مصر/: السَّلامُ عَلَيكُم وَرَحمَةُ ٱللهِ وَبَرَكَاتُهُ .. هَل يَحتاجُ النَّبِيُّ مُحَمَّدٌ ﴿صَلَّى ٱللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ﴾ إِلَى أَن نُصَلَّي عليهِ؟

: اللجنة العلمية

الأَخ كَمًالُ المُحترمُ:

السَّلامُ عَلَيكُم وَرَحمَةُ ٱللهِ وَبَرَكَاتُهُ

قبلَ الإِجابةِ عَلَى هذا السُّؤَالِ لا بدًّ أَن نُحدِّدَ المَقصودَ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، وبذلكَ نَكتشِفُ فلسفةَ الصَّلَاةِ والفائدةَ المَرجُوَّةِ مِنها، ويَبدو أَنَّ السُّؤَالَ طُرِحَ بهذا الشَّكلِ؛ لِوُجودِ ضَبابيَّةٍ في مَعرفةِ مَعنى الصَّلَاة عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ.

مِن أَكثرِ المَعاني الَّتِي تَوَقَّفَ عندًها العلماءُ والمُفسِّرُونً هُو تَحديدُ مًعنى الصَّلَاة عَلَى النَّبِيّ مُحَمَّدٍ ﴿صَلَّى ٱللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ﴾، وذلك لِوُجودِ أَمرٍ مُباشرٍ مِنَ ٱللهِ سُبحانَهُ وتعالى بضَرُورةِ الصَّلَاةِ عليهِ، وقد جاءَ هذا الأَمرُ في آيةٍ خاصَّةٍ ومُستقلَّةٍ وضِمنَ سِياقٍ يَكشِفُ عن عَظمةِ هذا الأَمرِ وأَهمِّيتِهِ، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًاً﴾. (56 الاحزاب)، ومِنَ الوَاضحِ أَنَّ أَمْرَ المُؤمنينَ بالصَّلاةِ عَلَى النَّبِيّ جاء بعد صَلاةِ ٱللهِ وملائكتِهِ عليهِ، وكُلُّ ذلكَ يدُلُّ عَلَى مَدَى العَظمةِ والشًّأنِ الَّذِي اخْتُصَّت بهِ هذه الصَّلَاةُ، فهِي المَرَّةُ الأُولَىٰ الَّتِي يأمرُ ٱللهُ فيها عِبادَهُ المُؤمنينَ بفعلٍ قد فَعَلَهُ هُو سُبحانُهُ بِنفسِهِ، فكأَنَّما يأمرُهُم بالاقْتِداءِ بهِ في الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيّ ﴿ﷺ﴾ وعليهِ، فإِنَّ الصَّلاةَ مِنَ ٱللهِ تعالى عَلَى نبيِّهِ تَعني تَعظيمَهُ في الدُّنيا بإِعلاءِ كلمتِهِ وإِبقاءِ شَريعتِهِ وفي الآخرةِ بتًضعِيفِ مَثوبتِهِ والزِّيادةِ في رَفعِ درجتِهِ، أَمَّا الصَّلَاةَ مِنَ المَلائِكةِ والمُؤمنينَ تَعني الدُّعاءَ لهُ والثَّناءَ عليهِ بِرَفعِ دَرجتِهِ وعُلُوِّ مَنزلتِهِ. مِمَّا يُدَلِّلُ عَلَى أَنَّ مِحوَرَ هذا الأَمرِ الإِلَهِيّ هُو مَكانةُ النبيِّ عندَ اللهِ، فأَرادَ سُبحانَهُ أَن يَكشِفَ عن هذهِ المَكانةِ لِلمؤمنينَ حَتَّى يَعرفوا قدْرَهُ وعُلُوَّ مَرتِبتِهِ فَيُعَظِّمُونَهُ بذلكَ ويُكرِمُونَهُ.

عنِ الإِمَامِ مُوسى الكَاظِمِ ﴿عَلَيهِ السَّلَامُ﴾ أَنَّهُ قال: ﴿صَلَاةُ ٱللهِ رَحمةٌ مِنَ ٱللهِ، وَصَلَاةُ المَلائُكةِ تَزكِيةٌ مِنهُم لهُ، وَصَلَاةُ المُؤمِنينَ دُعاءٌ مِنهُم لهُ﴾.

ومِنَ الأُمورِ الَّتِي تَبعثُ عَلَى الحَيرةِ هِي كيفَ يُمكِنُ أَن يَتمكَّنَ المُؤمنونَ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيّ وقد سَبَقَهُم في ذلكَ ٱللهُ سُبحانَهُ وتعالى؟، فإِذا كانتِ الصَّلَاة عَلَى النَّبِيّ﴿ﷺ﴾ تَكشِفُ عن مكانةِ النَّبِيّ وعَظمتِهِ، فكيفَ يُمْكِنُ لِلمُؤمِنِ أَنْ يُدرِكَ هذهِ العَظمةَ وبِأَيِّ عِبارةْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَصِفَ تلكَ المَنزلَةِ؟ فَمَهْمَا ٱجْتَهَدَ المُؤمِنُ في تَحقيقِ هذهِ الغَايةِ لا يُمْكِنُهُ ذلكَ طالمَا أَنَّ ٱللهَ هُو الَّذِي ٱبْتَدَرَ هذهِ الصَّلَاةَ عَلَى نَبِيِّهِ، والحلُّ الوَحيدُ لِهذهِ المُعضلةِ هُو الطَّلبُ مِنَ ٱللهِ تعالى أَنْ يُصَلِّيَ هُو عَلَى النَّبِيّ نيابةً عنِ المُؤمِنينَ، ولِذا جاءَت صِيغةُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيّ كمَا أَخبرَنا بذلكَ رسولُهُ الكريمُ هِي أَنْ نَقولَ: ﴿اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ﴾، وكأَنَّ لِسانَ حالِهِم يقولُ: يا ٱللهُ أَنتَ العَالِمُ بمَكانةِ الرَّسُول ﴿ﷺ﴾ وعظمتِهِ، ونُحنُ مَهْمَا وصَفناهُ سَيكونُ ذلكَ تَقلِيلاً لِقَدَرِهِ، فَنُبْ عَنَّا يا ٱللهُ في ذلكَ وصَلِّ عليهِ نيابةً عَنَّا. وبذلكَ تُعيدُنا هذهِ الصَّلَاةُ إِلى ٱللهِ سُبحانَهُ مِن جَديدٍ في حَلقةٍ مِنَ التَّوَاصُلِ الدَّائمِ بينَ المُؤمنِ وَرَبِّهِ ورَسولِهِ، فيًعيشُ المُؤمِنُ في كُلِّ خُطُوَاتِ حياتِهِ مع ٱللهِ ورسولِهِ فلا يَبتَدِرُ عَمَلٌ ولا يَقومُ بفعلٍ إِلَّا وسَبَقَتْهُ الصَّلَاةُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ.

وقد جاءَت أَخبارٌ كثيرةٌ عن خَواصِّ هذهِ الصَّلَاةِ وأثارِها عَلَى المؤمنِ ولكن قبلَ ذِكرِ بَعضِ هذهِ الأَخبارِ نُجِيبُ عنِ السُّؤَالِ، ثُمَّ نُذكُرُ بعضَ الرُّواياتِ الَّتِي تَتَحدَّثُ عن فَضلِ الصَّلَاةِ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ.

فهَلِ النَّبِيّ مُحتاجٌ إِلى هذهِ الصَّلَاةُ؟

مِمَّا تقدَّمَ يَتَّضحُ الجَوَابُ فإِذا كان المقصودُ مِنَ الحاجةِ، هِي حاجةُ النَّبِيّ إِلَىٰ ٱللهِ فنقول: إِنَّ النَّبِيّ في حاجةٍ دائمةٍ إِلَىٰ ربِّهِ وخالقِهِ، وصَلاةُ ٱللهِ عليهِ رَحمةٌ وسَكينةٌ عَلَى قلبهِ الطَّاهرِ، كمًا أَنَّها إِشادةٌ وتَزكيةٌ مِن ٱللهِ لِنبيهِ ﴿ﷺ﴾، أَمَّا بالنسبةِ لِلمُؤمنينَ فهُم في أَمَسِّ الحاجةِ إِلى هذهِ الصَّلَاةِ؛ لأَنَّها تُؤَكِّدُ الرَّابطَ بينَهم وبينَ رسولِ ٱللهِ ﴿ﷺ﴾، فهِي بمثابةِ الشِّعارِ الَّذِي يُحَدِّدُ الهويَّةَ والانْتِماءِ، فَذِكْرُهُم لِلنَّبِيِّ بالصَّلاةِ تَجعلُهم في حالةٍ مِنَ التَّواصُلِ الَّذِي تَنتعِشُ فيهِ قُلوبُهم ويَزدادُ بهِ إِيمانُهم، فهِي مِعراجُ المُؤمنِ؛ لِنَيلِ رِضوانِ ٱللهِ تعالى، وكمَا قال: ﴿قُلْ إِنْ كُنتُمْ تُحِبُّونَ اٱلَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾. (31 آلِ عِمرانَ). وقد أَمرَنا ٱللهُ بإِكرامِ النَّبِيّ وتعظيمِهِ في قولهِ تعالى: ﴿لِّتُؤْمِنُوا بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ (9 الفتح). حيثُ رَبَطَ مَحبًّةَ النَّبِيّ وتوقيرَهُ بالتَّسبيحِ للهِ بُكرةً وأَصِيلاً، فكمَا أَنَّ المؤمنَ لا يُمكِنُهُ أَن يكونَ بعيداً عنِ ٱللهِ لا يُمْكِنُهُ أَيضَاً أَن يكونَ بعيداً عنِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ ﴿ﷺ﴾؛ لأَنَّهُ مِعراجُ المؤمنِ وسَبيلُهُ إِلى رضا ٱللهِ تعالى. أَمَّا حاجةُ النَّبِيّ إِلى صَلاةِ المؤمنينَ فيُمكنُ تَصوُّرُها في تَحقيقِ الأَهدافِ الَّتِي سَعَى النَّبِيُّ في حياتِهِ إِلَى تَحقيقِها مِن نَشْرِ الدَّعوةِ وتَثبيتِ دَعائمِ الإِسْلامِ، أَمَّا عَلَى مُستواهُ الشَّخْصِيّ فَتَكفِيهِ صَلاةُ ٱللهِ ومَلائكتِهِ عليهِ.

الأَخبارُ الَّتِي جاءَت لِبيانِ مَكانةِ الصَّلَاةِ كثيرة ٌ نَذكُرُ مِنها: 

رُوِيَ عنِ الرَّسولِ ﴿صَلَّى ٱللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ﴾، أَنَّهُ قالَ: ﴿مَن صَلَّى عَلَيَّ مِن أُمَّتِي مَرَّةً واحدةً كَتَبْتُ لهُ عَشرَ حَسناتٍ، ومَحيتُ عنهُ عَشرَ سَيِّئاتٍ﴾.

وعن عبدِ السَّلَامِ بنِ نَعيمٍ قال: قلتُ لأَبي عَبدٱللهِ ﴿عَلَيهِ السَّلَامُ﴾ (إِنِّي دخلتُ البيتَ فلم يَحضُرْني شيءٌ مِنَ الدُّعاءِ إِلَّا الصَّلَاة عَلَى النَّبِيّ وآلِهِ، فقال: ﴿عَلَيهِ السَّلَامُ﴾: ﴿لِم يخرج أَحَدٌ بأَفضلَ مِمَّا خرجت﴾.

رُوِيَ أَنَّ أَثقَلَ ما يُوضَعُ في المِيزانِ مِنَ الأَعمالِ هُو الصَّلَاةُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ، فَعَن رسولِ ٱللهِ ﴿صَلَّى ٱللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ﴾ قال: ﴿أَنَا عِندَ المِيزانِ يومَ القِيامةِ، فَمَن ثَـقُـلَتْ سَيِّئَاتِهِ عَلَى حَسناتِهِ جِئتُ بِالصَّلاةِ عَلَيَّ حَتَّى أُثْقِلَ بها حَسناتِهِ﴾.

وَرُوِيَ عـنِ الإِمَامِ عَلِيِّ بنِ مُوسَى الرِّضَا ﴿عَلَيهِما السَّلَامُ﴾ قال: ﴿مَن لم يقدِرْ عَلَى ما يُكَفِّرُ بهِ ذُنُوبَهُ فَلْيُكْثِرُ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ؛ فإِنَّها تَهدُمُ الذُّنُوبَ هَدْمَاً﴾، وعنِ الإِمَامِ عَلِيٍّ ﴿عَلَيهِ السَّلَامُ﴾ قال: ﴿الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيّ أَمْحَقُ لِلخَطايا مِنَ المَاءِ للنَّارِ﴾.

وعن إِسْحَاقَ بنِ فَرُّوخ قال: قال أَبُو عبدِ ٱللهِ ﴿عَلَيهِ السَّلَامُ﴾: ﴿يا إِسْحَاقُ بنُ فَرُّوخ مَن صلى على محمد واله عَشْرَاً، صَلَّى ٱللهِ عليهِ وملائكتُهُ ألفاً، أَمَا تَسمعُ قولَ ٱللهِ تعالى: ﴿هُو الَّذِي يُصَلِّي عليكُم وملائكتُهُ؛ لِيُخْرِجَكُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلى النُّورِ وكانَ بِالمُؤمنينَ رَحيماً﴾.

وعن رَسولِ ٱللهِ ﴿صَلَّى ٱللهُ عَلَيهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ﴾ قال: ﴿إِرفَعُوا أَصْوَاتَكم بالصَّلاةِ عَلَى فإِنَّها تُذهِبُ النِّفَاقَ﴾.

وعنِ الإِمَامِ الباقر ﴿عَلَيهِ السَّلَامُ﴾ عن آبائِهِ عن رَسولِ ٱللهِ ﴿صَلَّى ٱللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ﴾، قال: ﴿من أراد التَّوَصُّلَ إِلَيَّ وأَن تكونَ لهُ عِندي يَدٌ أَشفَعُ لهُ بِها يومَ القيامةِ فلْيُصَلِّي عَلَى أَهلِ بَيتي ويُدخِلَ السُّرُورَ عَلَيهِم﴾.

وَعَنِ الإِمَامِ عَلِيّ ﴿عَلَيهِ السَّلَامُ﴾ قال: ﴿كُلُّ دُعاءٍ مَحجوبٍ عنِ السَّماءِ حَتَّى تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ﴾، وعنهُ ﴿عَلَيهِ السَّلَامُ﴾ قالَ: ﴿إِذا كانَت لَكَ إِلَىٰ ٱلله حَاجةٌ، فٱبدَأ بمَسألةِ الصَّلَاةِ عَلَى رَسولِهِ ﴿ﷺ﴾، ثُمَّ سَلْ حاجَتَكَ، فإِنَّ ٱللهَ أَكرَمُ مِن أَن يُسألَ حاجَتينِ فيَقضِي إِحدَاهُما ويَمنعُ الأُخرَىٰ﴾.

وَعَن رَسولِ ٱللهِ قال: ﴿مَن عَسُرَت عليهِ حاجةٌ، فلْيُكثِرُ بالصَّلاةِ عَلَيَّ فإِنَّها تَكْشِفُ الهُمُومِ والغُمُومِ وتُكثِرُ الأَرزاقَ وتَقضي الحَوائِج﴾.

وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ