عليٌّ (عليهِ السّلامُ) كانَ أمّةً وهوَ بابُ مدينةِ علمِ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ) وهوَ الكرّارُ ليسَ بالفرّارِ.

محمّد أحمد 2/ في أيِّ شيءٍ اخْتلفَ عليٌّ (عليهِ السّلامُ) عنِ الشّيخينِ فِي العقيدةِ والمنهجِ والعبادةِ؟ نريدُ أدلّةً صريحةً صحيحةً.

: اللجنة العلمية

يتفرّدُ أميرُ المؤمنينَ (عليهِ السّلامُ) عَن سائرِ أمّةِ محمَّدٍ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ) بسبقهِ للإسلامِ وبعقيدتهِ الرّاسخةِ ومنهجهِ القويمِ وصراطهِ المستقيمِ وعبادتهِ الواعيةِ المُصاحبَةِ بمعرفةِ اللهِ تعالى عَن تفرّدٍ وتميّزٍ لا يشبههُ ولا يدانيهِ في ذلكَ أحدٌ منَ الصّحابةِ أبداً حاشا معلّمهُ وأستاذهُ ومربّيهِ وأخوهُ سيّدُ العترةِ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ) حتّى قالَ (عليهِ السّلامُ): "لو كُشِفَ عنِّي الغطاءُ مَا ازددْتُ يقيناً"، وعندَ ضربهِ مِن قبلِ اللّعينِ أشقى الأوّلينَ والآخرينَ إبنِ ملجمٍ قال قولَتَهُ الفريدةَ : "فزتُ وربِّ الكعبةِ".

نعودُ إلى الجوابِ بعدَ هذهِ المقدِّمةِ المهمّةِ والواضحةِ فنقولُ:

لو لم يُخالِفْ أميرُ المؤمنينَ غاصبِي حقّهِ وظالميهِ مِن مخالفيهِ كالشّيخينِ بالذّاتِ لمَا تركَ الخلافةَ حينمَا عرضَها عليهِ عبدُ الرّحمنِ بنُ عوفٍ بشرطِ التزامِ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السّلامُ) بالعملِ بكتابِ اللهِ وسنّةِ رسولهِ ومعها العملُ بسُنّةِ وسيرةِ الشّيخينِ حيثُ رفضَ أميرُ المؤمنينَ (عليهِ السّلامُ) هذا الشّرطَ الأخيرَ ولذلكَ وُلّيَ عثمانُ بدلاً عَن أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السّلامُ).

فقَد روى الإمامُ أحمدُ في مسندهِ (1/ 75) عَن أبي وائلٍ قالَ: قلتُ لعبدِ الرّحمنِ بنِ عوفٍ كيفَ بايعتُم عثمانَ وتركتُم عليّاً! قالَ: ومَا ذنبِي؟ قَد بدأتُ بعليٍّ فقلتُ: أبايعكَ على كتابِ اللهِ وسنّةِ رسولهِ وسيرةِ أبي بكرٍ وعمرَ، قالَ: فقالَ: فيمَا استطعتُ، قالَ: ثمَّ عرضتُها على عثمانَ فقبِلَها.

ورواهُ تلميذا ابنِ تيميّةَ الذّهبيُّ في تاريخِ الإسلامِ (3/ 304) وابنُ كثيرٍ في البدايةِ والنّهايةِ (7/ 165) ومِن قبلهِم الطّبريُّ فِي تاريخهِ (3/ 301): فلم أجدكُم تعدلونَ عَن أحدِ هذينِ الرّجلينِ: إمّا عليٌّ وإمّا عثمانُ، قُم إليَّ يَا عليُّ، فقامَ فوقفَ بجنبِ المنبرِ فأخذَ بيدهِ وقالَ: هَل أنتَ مُبايعي على كتابِ اللهِ وسنّةِ نبيّهِ وفعِلِ أبي بكرٍ وعمرَ قالَ: اللّهمَّ لا ولكِن على جهدِي مِن ذلكَ وطاقتِي، فقالَ: قُم يا عثمانُ، فأخذَ بيدهِ فِي موقفِ عليٍّ فقالَ: هَل أنتَ مُبايعي على كتابِ اللهِ وسنّةِ نبيّهِ وفعلِ أبي بكرٍ وعمرَ قالَ: اللّهُمَّ نعَم، قالَ: فرفعَ رأسهُ إلى سقفِ المسجدِ ويدهُ في يدهِ ثمَّ قالَ: اللّهمَّ اشهَدْ اللهُمَّ إنِّي قَد جعلتُ مَا في رقبتِي مِن ذلكَ فِي رقبةِ عثمانَ. فازدحمَ النّاسُ يبايعونَ حتَّى غشوهُ عندَ المنبرِ وأقعدوهُ على الدّرجةِ الثّانيةِ، وقعدَ عبدُ الرّحمنِ مقعدَ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ منَ المنبرِ. قالَ: وتلكّأ عليٌّ، فقالَ عبدُ الرّحمنِ: فمَن نكثَ فإنّمَا ينكثُ على نفسهِ ومَن أوفى بمَا عاهدَ عليهُ اللهَ فسيؤتيهِ أجراً عظيماً. فرجعَ عليٌّ يشقُّ النّاسَ حتَّى بايعَ عثمانَ وهوَ يقولُ: خدعةٌ وأيّمَا خدعةٍ.

ومِن جهةٍ أخرى كانَ موقفُ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السّلامُ) السّلبيّ مِن خلافةِ الثّلاثةِ كمَا روَوهُ هُم في كتبهِم ومصادرهِم المعتبرةِ وكمَا يلي:

مَا رواهُ البخاريّ فِي صحيحهِ (5/ 82) ومسلمٌ (5/ 153): ... فأبى أبو بكرٍ أن يدفعَ إلى فاطمةَ منهَا شيئاً فوجدَتْ فاطمةُ على أبي بكرٍ فِي ذلكَ فهجرتهُ فلم تكلّمهُ حتّى توفّيَت وعاشَت بعدَ النّبيّ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ ستّةَ أشهرٍ فلمّا توفّيَت دفنهَا زوجهَا عليٌّ ليلاً ولَم يؤذِنْ بهَا أبا بكرٍ وصلّى عليهَا وكانَ لعليٍّ مِنَ النّاسِ وجهٌ حياةَ فاطمةَ فلمَّا توفيَّت استنكرَ علي وجوهَ النّاسِ فالتمسَ مصالحةَ أبِي بكرٍ ومبايعتهُ ولم يكُن يبايعُ تلكَ الأشهرَ فأرسلَ إلى أبي بكرٍ أن ائتنَا ولا يأتنَا أحدٌ معكَ كراهيةً لمحضرِ عمرَ فقالَ عمرُ: لا واللهِ لا تدخُلُ عليهِم وحدكَ فقالَ أبو بكرٍ: ومَا عسيتهُم أن يفعلوا بِي واللهِ لآتينّهُم فدخلَ عليهِ أبو بكرٍ فتشهّدَ عليٌّ فقالَ: إنّا قَد عرفنَا فضلك َومَا أعطاكَ اللهُ ولم ننفِسْ عليكَ خيراً ساقهُ اللهُ إليكَ ولكنّكَ استبددتَ علينَا بالأمرِ وكنّا نرى لقرابتنَا مِن رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ نصيباً حتّى فاضَتْ عينا أبى بكرٍ ... ثمَّ استغفرَ وتشهّدَ عليٌّ فعظّمَ حقَّ أبي بكرٍ وحدثَ أنّهُ لم يحملهُ على الذي صنعَ نفاسةٌ على أبي بكرٍ ولا إنكاراً للذي فضّلهُ اللهُ بهِ ولكنّا كنَّا نرى لنَا في هذا الأمرِ نصيباً فاستبدَّ علينَا فوجدنَا في أنفسنَا فسُرَّ بذلكَ المسلمونَ وقالوا: أصبتَ وكانَ المسلمونَ إلى عليٍّ قريباً حينَ راجعَ الأمرَ بالمعروفِ.

ومعَ الثّانِي وخلافتهِ سجّلَ (عليهِ السّلامُ) موقفاً آخرَ لهُ تجاههمَا حيثُ أخرجَ الألبانيُّ أثراً فِي إرواءِ الغليلِ (6/ 80) بقولهِ: لمّا حضرَتْ أبا بكرٍ الوفاةُ، إستخلفَ عمرَ، فدخلَ عليهِ عليٌّ وطلحةُ، فقالا: منِ استخلفتَ؟ قالَ: عمرُ، قالا: فماذا أنتَ قائلٌ لربّكَ؟ قالَ: أباللهِ تفرقانِي؟! لأنا أعلمُ باللهِ وبعمرَ منكمَا، أقولُ: استخلفتُ عليهِم خيرَ أهلِك.

وكذا وقفَ أميرُ المؤمنينَ (عليهِ السّلامُ) وسجّلَ موقفهُ منَ الإعتراضِ على تخليفِ عثمانَ كمَا روى ذلكَ عمرُ بنُ شبّةَ فِي تاريخِ المدينةِ (3/ 930) والطّبريُّ في تاريخهِ (3/ 930) مِن قولهِ (عليهِ السّلامُ) لابنِ عوفٍ بعدَ بيعتهِ لعثمانَ في مؤامرةِ شورى السّتّةِ وخُدعتهِم فيهَا: "حبوتهُ حبوَ دهرٍ" ليسَ هذا أوّلَ يومٍ تظاهرتُم فيهِ علينَا "فصبرٌ جميلٌ واللهُ المستعانُ على ما تصفونَ" واللهِ ما وليتَ عثمانَ إلّا ليردَّ الأمرَ إليكَ، واللهُ "كلَّ يومٍ هوَ في شأنٍ" فقالَ عبدُ الرّحمنِ: يا عليُّ، لا تجعَلْ على نفسكَ سبيلاً، فإنّي قَد نظرتُ وشاورتُ النّاسَ فإذا هُم لا يعدلونَ بعثمانَ. فخرجَ عليٌّ وهوَ يقولُ: سيبلغُ الكتابُ أجلَه. 

وقدِ اختلفَتْ منهجيّةُ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السّلامُ) معهمَا مِن عدّةِ جهاتٍ:

منهَا: عدمُ اجتهادهِ في مقابلِ النّصِّ بخلافِهِمَا كما فعلا حينمَا امتنعَا مِن قتلِ خارجيٍّ أمرَهُم (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ) بقتلهِ.

ومنهَا: عدمُ فرارهِ يوماً مَا عَن رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ) في الحروبِ ولذلكَ وصفهُ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ) بالكرّارِ.

ومنهَا: عدمُ مجاملتهِ لأحدٍ في دينِ اللهِ تعالى أو حدٍّ مِن حدودِ اللهِ أو حقٍّ لمظلومٍ عندَ ظالمٍ.

ومنهَا: عدمُ تمييزهِ بينَ المسلمينَ على أساسٍ نسبيّ أو سببيّ أو سابقةٍ أو جهادٍ بخلافهمَا.

ومنهَا: خروجهُ في جهادهِ على رأسِ جيشهِ بخلافهِمَا عندَ توليهِم أمورَ المسلمينَ.

ومنهَا: نقلهُ لعاصمةِ الخلافةِ إلى الكوفةِ حيثُ وجودُ شيعتهِ ومحبّيهِ ومواليهِ.

ومنهَا: عبادتهُ العظيمةُ وزهدهُ في الدّنيَا وتطليقِها ثلاثاً حتَّى استحيى (عليهِ السّلامُ) مِن كثرةِ رقعِ ثوبهِ.

ومنهَا: بثُّهُ لروحِ الدّيمقراطيّةِ والحريّةِ والعدالةِ دونَ أن يُعاديَ أحداً لموقفٍ شخصيٍّ أو تمرّدٍ على بيعتهِ أو على القتالِ معهُ ونصرتِه.

ومنهَا: حبُّهُ للعلمِ ونشرهُ بينَ النّاسِ وعرضهُ نفسَهُ الشّريفةَ للنّاسِ ليسألوهُ عمَّا يشاؤونَ بخلافهمَا.

ومنهَا: خطبُهُ البليغةُ وحكَمُهُ التي نشرَهَا بينَ النّاسِ المتضمّنةُ لعقيدتهِ ومعرفتهُ التّامةُ باللهِ وصفاتهِ وأفعالهِ وبالمبدأِ والمعادِ وجميعِ معارفِ المنظومةِ الإسلاميّةِ دونَ غيرهِ.

وبذلكَ يتبيّنُ تفرُّدُ وتميّزُ واختلافُ أميرِ المؤمنينَ عَن جميعِ مَن يُقارَنُ بهِ دونَ منافسٍ أو منازعٍ في كلِّ شيءٍ لهُ علاقةٌ بالدّينِ والتّديّنِ والعلمِ والإمامةِ والقيادةِ والخلافةِ والأسوةِ والقدوةِ.

ومنهُ يتبيّنُ مخالفتهُ للشّيخينِ واختلافهُ معهمَا في جُلِّ أمورِ الدّينِ والشّريعةِ ونذكرُ بعضَ الأمثلةِ لذلكَ الاختلافِ: 

إخْتلافهُ (عليهِ السّلامُ) عنهُم في متعتيّ الحجِّ والنّساءِ.

إخْتلافهُ (عليهِ السّلامُ) عنهُم في بدعةِ عمرَ لصلاةِ التّراويحِ جماعةً.

إخْتلافهُ (عليهِ السّلامُ) في الطّلاقِ البدعيّ بالثّلاثِ الذي أمضاهُ عمرُ.

إختلافُهُ معهمَا في إرثِ الزّهراءِ (عليهَا السّلامُ) وكونهمَا ظلماهَا وكذبا بنسبةِ المنعِ لرسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ) حيثُ روى مسلمٌ فِي صحيحهِ (5/ 152): ... فجئتمَا تطلبُ ميراثكَ مِن ابنِ أخيكَ ويطلبُ هذا ميراثَ امرأتهِ مِن أبيهَا فقالَ أبو بكرٍ: قالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ: ما نورّثُ مَا تركنَا صدقة. فرأيتماهُ كاذباً آثماً غادراً خائناً واللهُ يعلمُ أنّهُ لصادقٌ بارٌّ راشدٌ تابعٌ للحقِّ ثمَّ توفِّيَ أبو بكرٍ وأنا وليُّ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ ووليُّ أبي بكرٍ فرأيتمانِي كاذباً آثماً غادراً خائناً واللهُ يعلمُ أنِّي لصادقٌ بارٌّ راشدٌ تابعٌ للحقِّ.