ماهي قيمة أحاديث تفسير القمي؟

هل تفسير القمّي كل احاديثه ضعيفة او دخلت فيه احاديث كعب الاحبار اليهودي ؟

: السيد رعد المرسومي

السلام عليكم ورحمة الله

يُعَـدّ الشّيخ الجليلُ الثّقة عليّ بنُ إبراهيمَ بنِ هاشمٍ القُمّيّ المُتوفّى سنةَ ٢١٧ ه‍. مِن أعظمِ أصحابِنا الذينَ يُعتمَدُ عليهم في نقلِ الرّواياتِ والأخبارِ عنِ المعصومينَ عليهم السّلام . ولهُ عدّةُ كتبٍ مِنها كتابُ التّفسيرِ وكتابُ النّاسخِ والمَنسوخِ وغيرِهما طِبقاً لِما ذكرَهُ الطّوسيّ قدّسَ سرُّه في ترجمتِه في الفهرست برقمِ 380, والنّجاشيّ في رجالِه برقمِ 678. فهوَ - إذَن - لهُ كتابٌ في التّفسيرِ ولا إشكالَ في ذلكَ , وإنّما الإشكالُ وقعَ بينَ عُلمائِنا المُتأخّرينَ والمُعاصرينَ في أنّ هذا الكتابَ الذي وصلَ إلى شيخِ الطائفةِ الطوسيّ وغيرِه مِن عُلمائِنا المُتقدّمينَ هَل هوَ نفسُه الكتابُ المَطبوعُ الآنَ في النّجفِ الأشرفِ وفي قمّ المُقدّسة وفي غيرِهما ؟ فالذي يظهرُ مِن كلماتِ أعلامِنا المُحقّقينَ أنَّ الأمرَ ليسَ كذلكَ, إذ إنّ في الكتابِ المطبوعِ الآنَ مُقدّمةٌ طويلةٌ صارَت محلّ خلافٍ بينَ عُلمائِنا فيما يُستفادُ مِنها, ونصُّ العبارةِ ما يلي : «ونحنُ ذاكرونَ ومُخبرونَ بما ينتهي إلينا ، ورواهُ مشايخُنا وثِقاتُنا عنِ الذينَ فرضَ اللهُ طاعتَهُم وأوجبَ ولايتَهم ...». 

فقَد إستفادَ الشّيخُ الحُرّ العامليّ (رحمهُ اللهُ) منَ العبارةِ المَذكورةِ توثيقَ القُمّيّ لجميعِ مَن وردَ في التّفسيرِ المَذكورِ بشرطِ إنتهاءِ السّندِ إلى المعصومِ عليهِ ‌السّلام, إذ قالَ في كتابِه (وسائلُ الشّيعةِ) [ج ٢٠ ص ٦٨ ]: «وقَد شهدَ عليّ بنُ إبراهيمَ أيضاً بثبوتِ أحاديثِ تفسيرِه وأنّها مرويّة عنِ الثّقاتِ عنِ الأئمّةِ عليهم ‌السّلام». وقَد إختارَ ذلكَ أيضاً السّيّدُ الخُوئيّ (قدّسَ سرّه) في كتابِه مُعجمُ رجالِ الحديثِ (ج ١ ص ٤٩). 

وهناكَ إحتمال آخر في العبارةِ المُتقدّمةِ، وهوَ أن يكونَ القُمّيُّ بصددِ توثيقِ خصوصِ مشايخِه المُباشرينَ دونَ كلِّ مَن وردَ في سندِ الرّواياتِ كما يذهبُ إليهِ النّوريّ (رحمهُ الله) صاحبُ مُستدركِ الوسائلِ وغيرُه. 

وردَّ السّيّدُ الخُوئيّ هذا الإحتمالَ بأنَ القُمّيّ بصددِ إثباتِ صِحّةِ تفسيرِه وهوَ يتوقّفُ على توثيقِ كلِّ مَن وردَ فيهِ لا خصوصَ مَن يروي عنهُ بالمُباشرةِ. وقَد نُوقشَت هذهِ الإحتمالاتُ بما يلي:  

١ ـ أنّ الرّاوي للتّفسيرِ المَذكورِ هوَ أبو الفضلِ العبّاسُ بنُ محمّد بنِ القاسمِ بنِ حمزةَ بنِ الإمامِ موسى بنِ جعفرٍ سلامُ اللهِ عليه كما يتّضحُ ذلكَ مِن خلالِ مُراجعةِ التّفسيرِ نفسِه. والشّخصُ المَذكورُ مجهولُ الحالِ ولا يُعرَفُ عنهُ شيءٌ. 

ومعهُ فيسقطُ الكتابُ عنِ الإعتبارِ لجهالةِ الرّاوي له. 

٢ ـ أنّ مُقدّمةَ الكتابِ المذكورِ التي هيَ مُقدّمة طويلة لَم يثبُت كونُها منَ القُمّيّ نفسِه، فإنّهُ بعدَ الإستمرارِ في سردِ المُقدّمةِ وردَ في أثنائِها ما نصُّه : قالَ أبو الحسنِ عليّ بنُ إبراهيمَ القمّيّ: فالقرآنُ منهُ ناسخٌ ومنهُ مَنسوخٌ ..., وهذا يولدُ إحتمالَ أنّ المُقدّمةَ لَم تكُن مِن بدايتِها للقُمّيّ؛ وإنّما يبتدأ كلامُ القُمّيّ مِن جُملةِ : فالقُرآنُ منهُ ناسخٌ ... , والعبارةُ السّابقةُ التي يُرادُ الإستشهادُ بها ـ ونحنُ ذاكرونَ ومُخبرونَ بمَا ينتهي ... ـ مذكورةٌ قبلَ ذلكَ ، أي قبلَ جُملةِ : قالَ أبو الحسنِ ..., ومعهُ فلا يمكنُ الإستشهادُ بها , لعدمِ الجزمِ بكونِها مِن كلامِ القُمّيّ. 

٣ ـ أنّ بعضَ مَن وردَ في تفسيرِ القُمّيّ ما دامَ قَد ضُعّفَ مِن قبلِ النّجاشيّ أو الشّيخِ فذلكَ يدلّ على أنّ القُمّيّ لا يقصدُ توثيقَ جميعِ مَن وردَ في تفسيرِه. 

4- أن مِـمّا يؤيّد أنّ هذهِ المُقدّمة ليسَت لعليٍّ بنِ إبراهيمَ القُمّيّ هوَ وجودُ العباراتِ الآتيةِ في أصلِ الكتابِ التي مِنها: «رجعَ إلى تفسيرِ عليٍّ بنِ إبراهيم» أو «رجعَ إلى روايةِ عليٍّ بنِ إبراهيم» أو «رجعَ الحديثُ إلى عليٍّ بنِ إبراهيم» أو «في روايةِ عليٍّ بنِ إبراهيم». ويمكنُ مراجعةُ ذلكَ في ج ١ ص ٢٧١ ، ٢٧٢ ، ٣٨٩ ، ٢٩٩ ، ٣١٣ ، ٣٨٩ ، ٢٩٢ ، ٢٩٤ ... 

5- وردَ في هذا التّفسيرِ إسمُ مَن لا يمكنُ أن يكونَ منَ الثّقاتِ مُطلَقاً كيحيى بنِ أكثمَ القاضي وغيرِه كما في ج ١ ص ٣٥٦. 

6- من يدقّق في أصل هذا الكتاب سيرى بأمِّ عينيه أنّ الكتاب ملفّق من تفسيرين وبعض ما جاء في المحكم والمتشابه الذي ينسبُ إلى السيّد المرتضى ( قدّه) أو إلى غيره, ونعني بالتفسيرين أنّ هناك روايات في الكتاب المطبوع تبدأ بعليّ بن إبراهيم بن هاشم القميّ في تفسير آيات الكتاب العزيز, وروايات أخرى هي من تفسير أبي الجارود زياد بن المنذر.(ينظر: كتاب دروس موجزة في علمي الرجال والدراية للشيخ جعفر السبحانيّ, ص95 , وما بعدها, وكتاب دروس تمهيديّة في القواعد الرجاليّة للشيخ الإيروانيّ ص172).

7- الإشكال الذي طُرِحَ مُؤخّراً على وسائل التواصل الاجتماعيّ من قبل بعض الباحثين المعاصرين حين زعم أنّ في الكتاب روايات كعب الأحبار وغيره من اليهود, لا دليل عليه سوى أنّ صاحب هذا الطرح انقدح في ذهنه أنّ التفسير المطبوع مادام يوجد فيه روايات من طرق العامّة, وأنَّ طُرقَ أخبارِ العامّةِ في التّفاسيرِ المَرويّةِ عندَهُم يشوبُها كثيرٌ منَ الإسرائيليّاتِ, فمنَ المُحتمَلِ أنَّ تلكَ الإسرائيليّاتِ قَد تسرّبَت إلى هذا التّفسيرِ كمَا تسرّبَت إلى تفاسيرِ العامّةِ؟

والجوابُ عَن ذلكَ: أنّ تفاسيرَ العامّةِ وإنْ وردَ فيها بعضُ الإسرائيليّاتِ؛ لكِن مِن أينَ لنا أن نجزمَ بأنّ تلكَ الإسرائيليّاتِ قَد تسرّبَت إلى هذا التّفسيرِ؟ وهَل هُناكَ منَ المُحقّقينَ مِن ذوي الإختصاصِ مَن أشارَ إلى ذلكَ ولَو تلميحاً فضلاً عنِ التّصريحِ بهذا الأمرِ الخطيرِ؟ إذ ليسَ مِن دأبِ أهلِ العلمِ والإختصاصِ أنْ يُلقوا الكلامَ على عواهنِه بمُجرّدِ خطورِه في ذهنِهم , وإلّا فبوسعِ كُلِّ أحدٍ أن يحتملَ مَا شاءُ اللهُ تعالى منَ الإحتمالاتِ التي تخطرُ في ذهنِه ما دامَ الأمرُ لا يضبطُه ضابطٌ, ولا يُعايرُ بمعيارِ أهلِ العلمِ ونُقّادِه. وعليهِ لا بُدّ لكُلِّ مَن يحتملُ إحتمالاً مُعيّناً في موضوعٍ مُعيّنٍ أن يُقدّمَ دليلاً ما على ما يذهبُ إليهِ وإن كانَ ضَعيفاً , فحينَها يناقشُ في ذلكَ وإلّا فلا. وفي نهايةِ المَطافِ أُنبّهُ على أنّ الرّواياتِ التي ساقَها عليّ بنُ إبراهيمَ في التّفسيرِ تارةً تكونُ صحيحةَ الإسنادِ وتارةً تكونُ ضعيفةً وتارةً تكونُ مُرسلةً, شأنُها في ذلكَ شأنُ بقيّةِ رواياتِ كُتبِنا التي يتداولُها علماؤنا الأعلامُ, والتي كانَت ولا تزالُ محلَّ أخذٍ وردٍّ فيما بينَهُم سواءٌ أكانوا منَ المُتقدّمينَ أم منَ المُتأخّرينَ أم منَ المُعاصرينَ. ودمتُم سالِمين.