هل الرؤى في المنام ( الأحلام) حجه أو دليل على الحق؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إنّ منامات ورؤى الأنبياء والأئمة المعصومين حق وحجة قاطعة كاشفة عن الواقع ، وذلك لعصمتهم، إذْ لا يمكن للشيطان أن يضلهم لا في اليقظة ولا في المنام ، وكذلك لا يخطؤون في فهم المنام ، ولا في تفسيره ، كل ذلك لمكان عصمتهم ، وسيأتي مزيد بيان في النقطة السابعة .
وأما منامات البشر العاديين والذين ليسوا من الحجج الإلهيين ، فنذكر عدة نقاط لتبيان حقيقة الحال :
1 - إنّ المنامات والرؤى منشؤها إما رحماني ، أو شيطاني ، أو نفساني ، أو مختلَط .
فالرحماني : هو أن تصعد الروح الى الملأ الأعلى ، وترى الحقائق هناك .
والشيطاني : هو ما يكون من صنع الشيطان وإراءاته وتلبيساته ، إذ له القدرة على ذلك .
والنفساني : هو ما يكون من صنع النفس وتحكم الخيال .
والقسمان الأخيران ( الشيطاني والنفساني ) لا تصيب الواقع ولا تكشف الحقيقة ، وهي باطلة .
والقسم الأول ( الرحماني ) لا إشكال فيه ، ولكنه مبتلى بمشاكل كثيرة جداً ، واحدة من أهم مشاكلها ، أن الروح عند نزولها من السماء وأثناء رجوعها الى البدن كثيراً ما يعترضها الشياطين في الطريق ، فيرونها أمور غير صحيحة ، فيختلط الرحماني بالشيطاني ، كما ورد ذلك في الأحاديث .
فيتولد عندنا قسم رابع وهو :
منامات مختلطة : جزء منها رحماني وجزؤها الآخر شيطاني أو نفساني .
روى الكليني بسنده عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي خَلَفٍ : عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، قَالَ : الرُّؤْيَا عَلى ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ : بِشَارَةٍ مِنَ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِ ، وَتَحْذِيرٍ مِنَ الشَّيْطَانِ ، وَأَضْغَاثِ أَحْلَامٍ . الكافي للكليني ج 15 ص ٢٢٤ .
قال العلامة المجلسي : " وتحذير من الشيطان " أي يحذر ويخوف من الأعمال الصالحة ، ويحتمل أن يكون المراد الرؤيا الهائلة المخوفة . ويحتمل أن يكون " تحزين من الشيطان " بالنون ، فصحف ، لقوله تعالى : { إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا } . مرآة العقول للعلامة المجلسي ج ٢٥ ص ٢٠٥ .
ويؤيده : ما نقله العلامة المجلسي عن كتاب التبصرة لعلي بن بابويه بإسناده عن الامام الكاظم (ع) : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : الرؤيا ثلاثة : بشرى من الله ، وتحزين من الشيطان ، والذي يحدث به الانسان نفسه فيراه في منامه . وقال صلى الله عليه وآله : الرؤيا من الله والحلم من الشيطان . بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج ٥٨ ص ١٩٣ .
وروى الصدوق بسنده عن محمد بن القاسم النوفلي ، قال : قلت لأبي عبد الله الصادق ( عليه السلام ) : المؤمن يرى الرؤيا فتكون كما رآها ، وربما رأى الرؤيا فلا تكون شيئا ؟ فقال : إن المؤمن إذا نام خرجت من روحه حركة ممدودة صاعدة إلى السماء ، فكل ما رآه روح المؤمن في ملكوت السماء في موضع التقدير والتدبير فهو الحق ، وكل ما رآه في الأرض فهو أضغاث أحلام . الأمالي للصدوق ص ٢٠٩ .
وروى الصدوق بإسناده عن أبي بصير ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ، قال : سمعته يقول : إن لإبليس شيطانا يقال له هزع ، يملأ ما بين المشرق والمغرب في كل ليلة ، يأتي الناس في المنام . الأمالي للصدوق ص ٢١٠ .
وروى الصدوق بسنده عن معاوية بن عمار ، عن أبي جعفر ، قال : إن العباد إذا ناموا خرجت أرواحهم إلى السماء ، فما رأت الروح في السماء فهو الحق ، وما رأت في الهواء فهو الأضغاث . الأمالي للصدوق ص ٢٠٩.
2 - منامات غير المعصومين ليست بحجة ، وليست طريقاً من طرق إثبات الأحكام الشرعية ، أو الأمور العقائدية ، أو ما يرتبط بدين الله تعالى .
فلا يصح إختيار الدين أو تبديل الدين ، أو تغيير المذهب بناءً على الرؤى والمنامات .
فالعقيدة واصول الدين لا بدّ من إثباتها بالدليل العقلي والنقلي .
وأما الفروع والأحكام الشرعية فيجب الرجوع فيها الى مصادر التشريع الإسلامي التي هي الكتاب والسنة والإجماع والعقل .
هذا بالنسبة الى المجتهد ، وأما العوام فوظيفتهم التقليد في الفروع ، وذلك بالرجوع إلى المرجع الجامع لشرائط التقليد ، أو الإحتياط إن أمكنه .
وكذلك لا يجوز التعويل على المنامات في كشف السارق والقاتل والساحر والزاني و.. فكل هذه الأمور لها طرق شرعية لإثباتها ، ولا تثبت بالمنامات .
روى الكليني بسند صحيح - حديث تشريع الأذان والصلاة - عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، قَالَ : قَالَ : مَا تَرْوِي هذِهِ النَّاصِبَةُ ؟ فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فِيمَا ذَا ؟ فَقَالَ : فِي أَذَانِهِمْ وَرُكُوعِهِمْ وَسُجُودِهِمْ . فَقُلْتُ : إِنَّهُمْ يَقُولُونَ : إِنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ رَآهُ فِي النَّوْمِ ، فَقَالَ : كَذَبُوا ؛ فَإِنَّ دِينَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - أَعَزُّ مِنْ أَنْ يُرى فِي النَّوْمِ . الكافي للكليني ج ٦ ص ٦٣٦ .
إذن : ما يرتبط بدين الله وتشريعاته لا يمكن إثباته بالمنامات ، هذا فضلاً عن الأمور العقائدية .
3 - تعدّ المنامات الرحمانية تنبيهات ومبشّرات ومنذرات ، فيمكن للإنسان أن يستأنس بها فيما لا يرتبط بالأحكام الشرعية والعقائدية ، وإنما يستأنس بها في بعض الامور المستقبلية أو الماضية ، وذلك مثل منام عزيز مصر ، والذي قام نبي الله يوسف المعصوم بتفسيره له ، وكذلك السجينيْنِ اللذيْنِ كانا مع يوسف في السجن .
أو قامَ شخصٌ بعملٍ خيري - ككفالة يتيم أو مساعدة محتاجين أو تبرع للمشاريع الخيرية - فرأى مناماً جميلاً له ارتباط بذلك العمل ، فتكون الرؤيا بشارة له ، وتشجيعاً على أعمال الخير .
أو قامَ شخص بعمل سيء كغصب حقّ أو إعتداء ، فرأى في المنام ما يكرهه ويخاف منه ، فتكون الرؤيا إنذاراً وزجراً له ، للإبتعاد عن أعمال الشر .
روى في الإختصاص عن الصادق (ع) قال : إذا كان العبد على معصية الله عزو جل وأراد الله به خيرا أراه في منامه رؤيا تروعه فينزجر بها عن تلك المعصية . الاختصاص للمفيد ص ٢٥٣ .
4 - الشيطان لا يمكنه أن يتشكل بالصورة الحقيقية للنبيّ أو الإمام لا في اليقظة ولا في المنام ، لما رويَ عن النبي (ص) : من رآني في منامه فقد رآني ، لان الشيطان لا يتمثل في صورتي ، ولا في صورة أحد من أوصيائي ، ولا في صورة أحد من شيعتهم . الأمالي للصدوق ص ١٢١ .
فالذين عاصروا الأنبياء أو الأئمة ، إذا رأوا النبي او الإمام الذي عاصروه وشاهدوا صورته في الواقع الخارجي وفي اليقظة ، فإذا رأوه في المنام بنفس تلك الصورة التي رأوه في اليقظة ، فيكون قد رأى النبي او الامام حقيقةً ، إذ الشيطان لا يتمثل بالصورة الحقيقية للانبياء والأئمة ، مثلاً : الصحابي عبد الله بن عباس رأى النبي (ص) وشاهده في اليقظة وصاحبَهُ ، وبعد وفاة النبي (ص) إذا رآه في المنام بنفس تلك الصورة التي رآه في اليقظة سابقاً ، فيكون حقيقة قد رأى النبي (ص) لأنّ الشيطان لا يتمثل بالنبي (ص) ، وكذلك أم المؤمنين أم سلمة عندما رأت النبي (ص) في المنام وهو أغبر يلتقط دم الحسين (ع) في كربلاء ، وأخبرها بقتل الحسين (ع) ، فعلمت أمّ سلمة بأنّ الإمام قد قتل ، ومما زاد من علمها تحول التربة في القارورة الى دم .
ولكن نحن الذين لم نعاصر الأنبياء ولا الأئمة ولا نعرف صورتهم وأشكالهم الحقيقية ، فيمكن للشيطان أن يغويَنا بأنْ يأتيَ في منامنا ويتشكل على صورة إنسانٍ مقدّس ومهيب ، ويدّعيَ أنه نبيّ أو إمام أو نائب خاص ، لكي يضلنا عن الصراط المستقيم ، أو نظنّ - خطأً واشتباهاً ولسنا بمعصومين - بأنه إمام أو نبيّ ، لمجرد أن رأيناه بصورة جميلة مهيبة ! فالحذر الحذر ، فلو كنت تعتقد بحجية المنامات فمن السهل على الشيطان إغوائك بمنام صغير!
والشيطان كما أنه يمكنه في اليقظة أن يدعيَ أنه نبي أو إمام أو إلاه ، كذلك يمكنه في مناماتنا ، وإدّعاؤه هذا ليس بأكبر من إدعاء فرعون للألوهية أو الربوبية .
قال الشيخ المفيد : إذا جاز من بشر أن يدعي في اليقظة أنه إله كفرعون ومن جرى مجراه مع قلة حيلة البشر وزوال اللبس في اليقظة ، فما المانع أن يدّعي إبليس عند النائم بوسوسة له أنه نبيّ ؟ مع تمكن إبليس مما لا يتمكن منه البشر ، وكثرة اللبس المعترض في المنام . نقله الكراجكي في كنز الفوائد ص ٢١٣ .
5 - إنّ المنامات تحتاج الى تفسير وتأويل ، ولا تُجرى على ظاهرها غالباً ، فالحقيقة الواحدة يمكن أن تتشكل بصورة مختلفة في عالم آخر ، فمثلاً : الحية والكلب في هذا العالم عبارة عن حيوان ، ورؤيته في المنام إشارة الى العدو . وهكذا . والشمس والقمر عبارة عن كوكبين ، وفي منام يوسف عبارة عن أبويه ، وأحدَ عشر كوكباً في منامه عبارة عن إخوته .
فالإنسان قد يرى حقيقة من الحقائق في منامه ، ولكن لا يدرك تفسيرها ومعناها ومآلها ، فيحتاج الى مفسّر يفسرها له ، وفي كثير من الاحيان يعجز حتى المفسر عن تفسيرها بشكل صحيح ، بل في كثير من الأحيان يختلف المفسرون فيما بينهم في تفسير منام واحد !! وذلك لعدم وجود قواعد منضبطة لتفسير الأحلام .
إذن : الإنسان قد يرى مناماً صادقاً ، ولكن قد يخطئ في تفسيرها وفهمها .
والذي لا يخطئُ في تفسير المنام وفهمه بشكل صحيح هو المعصوم الذي عصمة الله عن الخطأ والضلال والإشتباه وهم الانبياء والائمة عليهم السلام .
6 - قد يرى الإنسان مناماً صادقاً ، وبسبب عدم عصمته قد يدخل الشيطان على الخط ويُريَهُ أشياء غير صحيحة ، فيختلط منامه الصادق بالكاذب ، ويشتبه عليه الأمر ، وهو لا يعرف أنّ الشيطان قد دخل على الخط ، فيظن أنّ منامه جزءٌ واحدٌ متصلٌ بعضه ببعض ، ولا يوجد عنده ميزان لتمييز الجزء الصحيح من الكاذب .
7 - الفرق بيننا وبين الأنبياء والأئمة - في كون منامهم حجة ، ومنامنا ليست بحجة - هو العصمة ، فالانبياء والائمة معصومون ولذا لا يُضلون ولا يخطؤون في فهم وتفسير المنام ، وأما نحن البشر فيمكن للشيطان أن يضلنا ويوهمنا ، ويمكن أن نشتبه في فهم المنام وتفسيره .
ولذا لا يعد منامنا حجة ، بخلافه في منامات الأنبياء فهي حجة .
وروى الطوسي بإسناده عن أمير المؤمنين علي (ع) قال : رؤيا الأنبياء وحي . الأمالي للطوسي ص ٣٦٨
ورويَ عن الصادق (ع) أنه قال : فكر يا مفضل في الأحلام كيف دبر الأمر فيها ، فمزج صادقها بكاذبها فإنه لو كانت كلها تصدق لكان الناس كلهم أنبياء ، ولو كانت كلها تكذب لم يكن فيها منفعة ؛ بل كانت فضلا لا معنى له ، فصارت تصدق أحيانا فينتفع بها الناس في مصلحة يهتدي لها أو مضرة تحذر منها ، وتكذب كثيرا لئلا يعتمد عليها كل الاعتماد . بحار الانوار ج 58 ص 397 رقم 49 .
وذكر الأنبياء في الحديث من باب ذكر المصداق الذي يأنس به ويتعرف عليه عموم المسلمين ، وإلا فصدق جميع المنامات لا تختص بالأنبياء ، إذ الإمام الذي يعدّ مقامه أعلى من مقام النبي ، بنصّ القرآن الكريم { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً .. } الناصة على أعلائية مقام الإمامة على مقام النبوة ، تدلّ بالاولوية على كون منامات الأئمة المنصبين من قبل الله تعالى أيضاً حجةٌ لا يحوم حولها الخطأ ولا يخترقها الشيطان .
إذن : المنامات لما كانت على أقسام عديدة (رحمانية - شيطانية - نفسانية - مختلطة) والحال أنه لا يوجد عندنا قاعدة وضابطة لتمييز الرحماني الصحيح عن غيره ، وحتى لو ميّزنا الصحيح ، فمن أين نضمن بصحة تفسيرها ، إذ المنامات تحتاج الى تفسير ، نعم لو أخبَرَنا نبيّ أو إمامٌ بصحة المنام ، ثم قام بتفسيرها ، فيكون صادقاً وحقيقة من جميع الجهات ، وهذه غالباً تكون في الإخبارات المستقبلية التي لا ربط لها بالعقيدة والشريعة ، كمنام ملك مصر والسجينيْن ، حيث قام نبي معصوم بتفسيره لهم ، أو مبشرات ومنذرات كما تقدم بيانه .
اترك تعليق