أينَ علمُ وتراثُ عليٍّ بنِ أبي طالب (ع) ؟! 

لماذا يروى الحديث عَن أكثر الصّحابةِ وبكثرة ولا يُروى عنِ الإمامِ عليٍّ عليهِ السّلام ؟   نجدُ أكثرَ الأحاديثِ قالَ فلانٌ صحابيٌّ عَن رسولِ اللهِ قالَ آخرُ الصّحابيُّ عِن رسولِ الله .  السّؤالُ : ألم يكُن عليٌّ عليهِ السّلام متواجداً معَ الرّسولِ الأكرمِ (ص) ولَم ينقُل عنِ الرّسولِ حديثاً ؟؟؟؟ ووفقتُم لكلِّ خير . 

: سيد حسن العلوي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته  :  

بمقارنةٍ سريعةٍ بينَ رواياتِ الإمامِ عليٍّ بنِ أبي طالب (ع) في كتبِ الشّيعةِ الإماميّةِ وكتبِ أبناءِ العامّةِ يظهرُ جليّاً إعراضُ القومِ عنِ الرّوايةِ عنهُ إلّا نادراً . 

فقد نقلَ إبنُ حزمٍ أنّ عددَ الرّواياتِ عنِ الإمامِ عليٍّ بنِ أبي طالب (ع) في تراثِ أبناءِ العامّةِ يبلغُ 537 ، خمسمائةً وسبعاً وثلاثينَ حديثاً . (أسماءُ الصّحابةِ الرّواةِ لابنِ حزمٍ ص33 رقم 10) . 

ونقلَ بشّار عوّاد معروف 492 روايةً عَن أميرِ المؤمنينَ (ع) . (مسندُ أصحابِ الكساء : 2 / 321) . 

يقولُ إبنُ حزمٍ وإبنِ تيميّةَ أنّه صحّ منها خمسونَ حديثاً فقط !! قالَ : ولَم يرِد عَن عليّ إلّا خمسَ مائةً وستّاً وثمانينَ حديثاً مُسنداً ، يصحُّ منها نحو خمسين! (الفصلُ في المللِ والأهواءِ والنّحلِ لابنِ حزم : 4 / 213 ، دارُ الجيلِ ، منهاجُ السّنّةِ لإبنِ تيميّة : 7 / 519 ، ت: محمّد رشاد سالم) . 

بينما نجدُ عددَ رواياتِ أبي هُريرةَ 5374 ، خمسةَ آلافٍ وثلاثمائةً وأربعةً وسبعين حديثاً ! (أسماءُ الصّحابةِ الرّواةِ لابنِ حزمٍ ص31 رقم 1 ) .  

 

بينَما نجدُ لأميرِ المؤمنينَ (ع) في تراثِ الشّيعةِ الإماميّةِ أكثرَ مِن 11451 حديثاً ، أكثرَ مِن إحدى عشرَ ألف حديث ! كما جمعَهُ السّيّدُ حسن القبانجي في موسوعتِه مُسندُ الإمامِ عليّ (ع) الواقعةِ في عشرة مُجلّدات . 

ونحنُ نعتقدُ أنّ العددَ أكبرُ بكثيرٍ ، فجميعُ رواياتِ الباقرِ والصّادقِ والأئمّةِ كلِّهم عَن أميرِ المؤمنينَ (ع) عَن رسولِ الله (ص) ، كما رويَ ذلكَ عنهُم مُستفيضاً . 

عَن هشامٍ بنِ سالم وحمّادٍ بنِ عثمان وغيرِه قالوا : سمِعنا أبا عبدِ الله عليه السّلام يقولُ : حديثي حديثُ أبي ، وحديثُ أبي حديثُ جدّي ، وحديثُ جدّي حديثُ الحُسينِ ، وحديثُ الحُسينِ حديثُ الحسنِ ، وحديثُ الحسنِ حديثُ أميرِ المؤمنينَ عليهِ السّلام وحديثُ أميرِ المؤمنينَ حديثُ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله وحديثُ رسولِ اللهِ قولُ اللهِ عزّ وجل . (الكافي للكُلينيّ : 1 / 53) . 

 

ولقد إعترفَ الشّيخُ محمّد أبو زهرة بهذهِ الحقيقةِ المُرّةِ قائلاً : وإنّهُ يجبُ علينا أن نُقرّرَ هنا أنَّ فقهَ عليٍّ (ع) وفتاويه وأقضيته لم تروَ في كتبِ السّنّةِ بالقدرِ الذي يتّفقُ معَ مدّةِ خلافتِه، ولا معَ المُدّةِ التي كانَ مُنصرِفاً فيها إلى الدّرسِ والإفتاءِ في مدّةِ الرّاشدينَ قبلَه، وقد كانَت حياتُه كلّها للفقهِ وعلمِ الدّينِ، وكانَ أكثرَ الصّحابةِ إتّصالاً برسولِ اللهِ (ص)، فقد رافقَ الرّسولَ وهو صبيٌّ قبلَ أن يُبعثَ (ص)، واستمرَّ معَه إلى أن قبضَ اللهُ تعالى رسوله إليه، ولذا كانَ يجبُ أن يُذكرَ لهُ في كتبِ السّنّةِ أضعافُ ما هوَ مذكورٌ فيها . (الإمامُ الصّادقُ حياتُه عصرُه آراؤه وفقهُه ص162 رقم 129) . ومنَ المناسبِ الرّجوعُ إلى كلامِه وقراءةُ الفقرةِ المُتقدّمةِ على ما إقتبسناهُ ، وسيأتي بعضُ الإقتباساتِ مِن كلماتِه اللّاحقة . 

 

وأمّا الأسبابُ الكامنةُ وراءَ قلّةِ الرّوايةِ عَن أميرِ المؤمنينَ عليه السّلام فلعلّها تعودُ إلى : 

 

السّببُ الأوّلُ : القرارُ الرّسميُّ الذي صدرَ مِن قياداتِ السّقيفة بمنعِ تدوينِ الحديثِ النّبويّ ، وسرى هذا القرارُ إلى زمانِ عُمر بنِ عبدِ العزيز الخليفةِ الأمويّ ، فأوكلوا مهمّةَ الكتابةِ إلى عالِمِ البلاطِ الأمويّ محمّدٍ بنِ شهاب الزّهري ، فكُتبتِ السّنّةُ والسّيرةُ النّبويّةُ بعنايةٍ بالغةٍ ، تحتَ إشرافِ الأمويّينَ ! 

ولعلَّ أهمَّ سببٍ لهذا القرارِ هوَ إقصاءُ وإبعادُ عليٍّ بنِ أبي طالبٍ (ع) عَن دورهِ الحقيقيّ الذي هيّئهُ الرّسولُ (ص) له ، حتّى قالَ فيه : أنا مدينة العلمِ وعليٌّ بابُها ، أقضى أمّتي عليٌّ بنُ أبي طالبٍ . وغيرُها منَ الأحاديثِ الكثيرةِ التي تشيدُ بعلمِ عليٍّ بنِ أبي طالب (ع) .  

ومِن أهمِّ أسبابِه أن لا تتحدّثَ الأمّةُ ولا تتناقلَ فيما بينَها رواياتِ النّبيّ (ص) في الوصايةِ لعليٍّ بنِ أبي طالب (ع) وأهلِ بيتِه (ع) والتي تعني بطلانَ شرعيّةِ السّقيفة . 

حتّى قالَ قائلهم : جرّدوا (جوّدوا) القرآنَ وأقلّوا الرّوايةَ عَن رسولِ اللهِ (ص) ! (المُستدركُ للحاكم : 1 / 102) 

وخدعوا الأمّةَ بشعارِ : عدمِ إختلاطِ الحديثِ بالقرآن !

السّببُ الثّاني : الخوفُ مِن بني أميّةَ : كانَ كثيرٌ منَ المُسلمينَ يخافونَ الرّوايةَ عَن أميرِ المؤمنينَ (ع) ، وذلكَ بسببِ القرارِ الذي إتّخذَهُ الأمويّونَ بإقصاءِ الخطِّ النّبويّ المُتمثّلِ بأميرِ المؤمنينَ (ع) وأهلِ بيتِ النّبيّ (ص) ، فكانَت المنابرُ في العالمِ الإسلاميّ تسبُّ أميرَ المؤمنين (ع) ، ويأمرونَ المُسلمينَ بسبِّه ، ويلاحقونَ الشّيعةَ في العالمِ الإسلاميّ ، وكانَ العلماءُ يخافونَ منَ التّصريحِ بإسمهِ في الرّوايةِ فكانوا يتركونَ الرّوايةَ عنهُ خوفاً على أنفسِهم مِن بني أميّة . 

وهذا أمرٌ بديهيٌّ وواضحٌ ، يعلمُه كلُّ مَن لهُ أدنى إطّلاعٍ على التّاريخِ الإسلاميّ .

قالَ الشّيخُ مُحمّد أبو زهرة : وإذا كانَ لنا أن نتعرّفَ السّببَ الذي مِن أجلِه إختفى عَن جمهور المُسلمينَ بعضُ مرويّاتِ عليّ (ع) وفقهُه – فإنّا نقولُ أنّه لابدَّ أن يكونَ للحُكمِ الأمويّ أثرٌ في إختفاءِ كثيرٍ مِن آثار عليّ في القضاءِ والإفتاءِ ، لأنّهُ ليسَ منَ المعقولِ أن يلعنوا عليّاً فوقَ المنابر ، وأن يتركوا العلماءَ يتحدّثونَ بعلمِه ، وينقلونَ فتاويه وأقوالَه للنّاسِ ، وخصوصاً ما كانَ يتّصلُ مِنها بأساسِ الحُكمِ الإسلاميّ . 

والعراقُ الذي عاشَ فيهِ عليٌّ رضيَ اللهُ عنه وكرّمَ اللهُ وجهَه ، وفيهِ إنبثقَ علمُه – كانَ يحكمُه في صدرِ الدّولةِ الأمويّةِ ووسطِها حكامٌ غلاظٌ شِداد ، لا يمكنُ أن يتركوا آراءَ عليٍّ تسري في وسطِ الجماهيرِ الإسلاميّةِ وهُم الذينَ يخلقونَ الرّيبَ والشّكوكَ حولَه ، حتّى أنّهم يتّخذونَ مِن تكنيةِ النّبيّ (ص) لهُ بأبي ترابٍ ، ذريعةً لتنقيصِه ، وهوَ رضيَ اللهُ عنهُ كانَ يطربُ لهذهِ الكنيةِ ، ويستريحُ لسماعِها ، لأنّ النّبيّ (ص) قالَها في محبّةٍ ، كمحبّةِ الوالدِ لولدِه . (الإمامُ الصّادقُ حياتُه عصرُه آراؤه وفقهُه ص162 رقم 129) . 

 

السّببُ الثّالث : إختلافُ الطّريقةِ والمنهجِ والمذهبِ ، فإنّ مذهبَ أهلِ البيتِ (ع) وعلى رأسِهم سيّدهم وإمامهم عليّ بن أبي طالب (ع) يختلفُ عَن مذهبِ السّقيفةِ ومذهبِ السّلاطين ، وما سُمّيَ لاحقاً بمذهبِ أهلِ السّنّةِ والجماعة . 

فإنّ تراثَ وعلمَ أميرِ المؤمنينَ (ع) حملَه أبناؤه الأئمّةُ الحسنُ والحسينُ وهكذا إنتقلَ إلى الأئمّةِ زينِ العابدينَ والباقرِ والصّادقِ والكاظمِ والرّضا والجوادِ والهادي والعسكريّ والمهديّ (صلواتُ اللهِ عليهم أجمعين) . 

قالَ الشّيخُ أبو زهرة مُعترفاً بأنّ علمَ عليٍّ (ع) قد إنتقلَ إلى أبنائه ، قالَ : ولكِن هَل كانَ إختفاءُ أكثرِ آثارِ عليٍّ رضيَ اللهُ عنه ، وعدمُ شهرتِها بينَ جماهيرِ المُسلمينَ – سبيلاً لإندثارها ، وذهابِها في لُجّةِ التّاريخِ إلى حيثُ لا يعلمُ بها أحدٌ ... !! إنّ عليّاً رضيَ اللهُ عنهُ قد إستشهدَ وقَد تركَ وراءَه مِن ذُرّيّتِه أبراراً أطهاراً كانوا أئمّةً في علمِ الإسلامِ ، وكانوا ممَّن يُقتدى بهم ، تركَ ولديهِ مِن فاطمةَ الحسنَ والحسينَ ، وتركَ روّادَ الفكرِ محمّدَ بنَ الحنفيّةِ ، فأودعَهُم رضيَ اللهُ عنه ذلكَ العلم ، وقد قالَ إبنُ عبّاس : أنّهُ ما إنتُفعَ بكلامٍ بعدَ كلامِ رسولِ الله (ص) ، كما إنتُفعَ بكلامِ عليٍّ بنِ أبي طالب كرّمَ اللهُ وجهه . 

لقد قامَ أولئكَ الأبناءُ بالمحافظةِ على تراثِ أبيهم الفكريّ ، وهو إمامُ الهدى ، فحفظوهُ منَ الضّياعِ ، وقد إنتقلَ معهُم إلى المدينةِ لمّا إنتقلوا إليها بعدَ إستشهادِه رضيَ اللهُ عنه . 

130- وبذلكَ ننتهي إلى أنّ البيتَ العلويَّ فيهِ علمُ الرّوايةِ كاملةً عَن عليّ رضيَ اللهُ عنه ، رووا عنهُ ما رواهُ عنِ الرّسولِ كاملاً ، أو قريباً منَ الكمالِ ، ورووا عنهُ فتاويه كاملةً وفقهَهُ كاملاً أو قريباً منَ الكمالِ ، واستكنوا بهذا العلمِ المُشرقِ مِن ركنٍ منَ البيتِ الكريم . إلخ كلامِه (الإمامُ الصّادقُ حياتُه عصرُه آراؤه وفقهُه ص163 رقم 129 - 130) . 

 

ومنَ المعلومِ أنّ تراثَ وعلومَ البيتِ العلويّ والأئمّة الإثني عشر ، قد حملَه شيعتُهم وأتباعُهم وتلامذتُهم في كلِّ زمانٍ ونقلوهُ إلى غيرِهم جيلاً بعدَ جيل ، وهوَ ما يُعرفُ بمذهبِ الشّيعةِ الإماميّةِ الإثني عشريّة . 

وليسَ لمذاهبِ أبناءِ العامّةِ أيّ نصيبٍ مِن علومِ آلِ البيتِ (ع) بَل أوسعوها بالإنكارِ والرّدِّ ، قالَ إبنُ خلدون : وشذّ أهلُ البيتِ بمذاهبَ إبتدعوها !! وفقهٍ إنفردوا بهِ وبنوهُ على مذهبِهم في تناولِ بعضِ الصّحابةِ بالقدحِ وعلى قولِهم بعصمةِ الأئمّةِ ورفعِ الخلافِ عَن أقوالِهم وهيَ كلُّها أصولٌ واهيةٌ وشذَّ بمثلِ ذلكَ الخوارجُ ولم يحتفِل الجمهورُ بمذاهبِهم بَل أوسعوها جانبَ الإنكار والقدحِ فلا نعرفُ شيئاً مِن مذاهبِهم ولا نروي كتبَهم ولا أثرَ لشيءٍ منها إلّا في مواطنِهم فكتبُ الشّيعةِ في بلادِهم وحيثُ كانَت دولتُهم قائمةً في المغربِ والمشرقِ واليمنِ والخوارجِ كذلكَ ولكلٍّ منهُم كتباً وتآليفَ وآراءً في الفقهِ غريبةً . (مقدّمةُ إبنِ خلدون ص446) . 

وهذا نصٌّ صريحٌ مِن إبنِ خلدون أنّ مذهبَ أهلَ البيتِ (ع) – الذي هوَ مذهبُ أميرِ المؤمنينَ (ع) – يخالفُ مذاهبَ أبناءِ العامّةِ ، ولذا أعرضوا عنه ، وأنكروا عليهم ! 

وقالَ الوهّابي عبدُ الرّحمنِ المُعلّمي : وكانَ بنو فاطمةَ في عصرِ تأسيسِ المذاهبِ مُضّطهدينَ مُروّعينَ لا يكادُ أحدٌ يتّصلُ بهم إلّا وهوَ خائفٌ على نفسِه ، فلم يتمكّنوا مِن نشرِ علومِهم كما ينبغي . (التّنكيلُ بما في تأنيبِ الكوثري مِن أباطيل ص677 ، دار عالم الفوائد) . 

وهذا نصٌّ صريحٌ أنّ مذهبَ أهلِ البيتِ (ع) غيرُ موجودٍ – كمذهبٍ – في تراثِ أبناءِ العامّة .

ولكنّهُ – بحمدِ اللهِ – حملَه شيعتُهم في كلِّ عصرٍ وزمانٍ إلى أن وصلنا متواتراً عَن أئمّتنا (ع) جيلاً بعدَ جيل ، ويداً بيدٍ ، رغمَ ظلمِ الظّالمينَ ، وجورِ الجائرينَ ، واللهُ غالبٌ على أمره . 

والحمدُ للهِ على هذهِ النّعمة .