الفهمُ العامُّ لمناجاةِ المُطيعينَ في خصوصِ قولِ الإمامِ السّجّادِ (ع): اللهمَّ إقشَع عَن بصائرِنا سحابَ الإرتيابِ... فإنَّ الشّكوكَ والظّنونَ لواقحُ الفتن

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ما هو الفهم العام لمناجات المطيعين لله للامام علي بن الحسين السجاد عليه السلام... خصوصا مقطع الذي يقول .... اللهم اقشع عن بصائرنا سحاب الارتياب اللهم اثبت الحق في سرائرنا اللهم انا نعوذ بك من الشكوك والظنون فانها لواقح الفتن ومكدرة لصفو المنائح والمنن..... البعض عندما يطرح أسئلة تشكيكي يحاجج بها او بقضية ايمان النبي ابراهيم الخليل عندما نظر الى الشمس والقمر والقصة معروفه ...وكذلك يقولون ان رسول الله صلى الله عليه واله شكك اهل مكة باصنامهم ...في حين نحن في دعاء الندبة نقول لصاحب الزمان عجل الله فرجه يبن الدلائل الواضحات والبراهين الساطعات..... ودمتم سالمين ببركة صاحب الزمان عجل الله فرجه

: السيد رعد المرسومي

 

السّلامُ عليكُم ورحمة الله وبركاته: 

يظهرُ مِن كلماتِ كثيرٍ مِن أهلِ العلمِ أنّ العنصرَ البشريّ الذي أوجدَهُ اللهُ سبحانَه وتعالى ميّالٌ بطبعِه البشريّ إلى أن يكونَ إجتماعيّاً معَ أبناءِ جنسِه قائِماً على التّعارفِ والإنسجامِ والتوائمِ فيما بينَهم، وهذا ما أكّدَه القرآنُ العظيمُ في قولِه تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقنَاكُم مِن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلنَاكُم شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجراتُ : 13]. وطابعُ التّعارفِ يولّدُ المؤانسةَ والمواشجةَ والتّحاببَ بينَ النّاسِ ...، ولكن ما يُهدّدُ هذا الكيانَ المُتراصَّ ويفتّتُ لحُمتَه هوَ عاملُ الرّيبِ والشكِّ أو الظنّ . وقد نبّهَ على ذلكَ سبحانَه وتعالى وذمّ صفةَ الظنِّ والشكّ، وأمرَ باجتنابِه: قالَ تعالى: {يا أيّها الذينَ آمَنُوا اجتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعضَ الظَّنِّ إِثمٌ} [الحجراتُ: 12] . وقالَ أميرُ المؤمنينَ عليهِ السّلام: دَع ما يريبُك إلى ما لا يريبك. فالرّيبُ والشكُّ أو الظنُّ بالأصلِ منَ الأمورِ العارضةِ على فطرةِ الإنسانِ، فإذا هيمنَت عليهِ ، أصبحَت خطراً حقيقيّاً ، يُهدّدُ المفهومَ الأوّلَ بينَ البشريّةِ، إذ تزيلُ كلَّ مودّةٍ وتزرعُ الأحقادَ والأضغانَ بينَ النّاس. أضِف إلى ذلكَ أنّها تُعَـدُّ عاملاً أساسيّاً لفقدانِ الرّاحةِ وجلبِ الهمِّ والغمِّ للمرءِ، وهذا ما بيّنَه الإمامُ زينُ العابدين عليه السّلام في مناجاتِه : (فَإنَّ الشُّكُوكَ وَالظُّنُونَ لَواقِحُ الفِتَنِ، وَمُكَدِّرَةٌ لِصَفوِ المَنآئِحِ وَالمِنَنِ). فعندَما تكونُ الأمورُ مُلقّحةً بالشكِّ ويكونُ غطاءً لها، تُحجبُ كلُّ حسنةٍ ويظهرُ كلُّ قبيحٍ ويُفضحُ كلُّ مستور. 

وتدبّر قولهُ تعالى: (يا أيّها الذين آمَنُوا اجتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ)، فإنّهُ سبحانَه وتعالى أبهمَ الكثيرَ منَ الظنِّ، ليحتاطَ المُؤمنُ في كلِّ ظنٍّ، ويتأمّلَ فيهِ حتّى يُعلم أنّهُ مِن أيّ القبيلِ، فالقرآنُ العظيمُ يدعونا الى الإجتنابِ عَن أكثر الظنّ كونَ الغالبِ فيهِ نتائجُه السّلبيّةُ وغيرُ المتيقّنةِ، فيكونُ مدعاةً للوقوعِ بالإثم. 

ورُبَّ قائلٍ آخرَ يقولُ : في زمانِنا هذا إختلطَ الحابلُ بالنّابلِ، ولا يُعرفُ الحقُّ منَ الباطلِ كونَ النّفوسِ تلوّثَت وغلبَ عليها طابعُ المصلحةِ، فلِذا يحقُّ لنا إتّهامُ البعضِ، لدرءِ الخطر عنِ النّاسِ ... ، والجوابُ عَن ذلكَ بأن نقولَ: ينبغي ألّا يكونُ هذا الأمرُ مدعاةً للشّكِّ المُفرطِ والإدّعاءاتِ الكاذبةِ، والحملُ السيّءُ على النّاسِ ما لم يبلغِ المرءَ الحجّةُ، وقد عالجَ النّبيُّ الأكرمُ صلّى اللهُ عليهِ وآله والأئمّةُ الأطهارُ هذا الأمرَ بعدّةِ أحاديثَ فمنها: (أحسِنوا ظنونَكم بإخوانِكم تغتنموا بها صفاءَ القلبِ ونماءَ الطّبعِ). وقد خصمَ أميرُ المؤمنينَ النّقاشَ حينَما قالَ : (واقبَل عُذرَ أخيكَ. فإن لم يكُن لهُ عذرٌ فالتمِس لهُ عذراً، ولا تُكثرنّ العتابَ فإنّهُ يورثُ الضّغينةَ ) . 

إذن: فلا يكونُ المرءُ بوابةَ تشويهٍ لسمعةِ أخيهِ ونافذةً إعلاميّةً لتسقيطِ الآخرينَ، نتيجةَ أوهامٍ أو شكوكٍ قد تزرعُ في نهايةِ المطافِ الكراهيةَ والعداوةَ وقد يحصلُ ما لا يُحمدُ عقباه؟؟ ولابدَّ للإنسانِ أن يسيرَ على المنهجِ السّليمِ والتّفكيرِ القويمِ، تاركاً معكّراتِ الصّفوِ ووسوسةَ الشّيطانِ، وما يلوّثُ مِن فطرتِه السّليمةِ، مُتمسّكاً بالمنهجِ الأخلاقيّ السّامي (حسنُ الظّنِّ). فما بينَ الحقِّ والباطلِ أربعُ أصابعَ.. (ما رأتهُ عيناكَ فهوَ الحقُّ وما سمعَتهُ أذناكَ فأكثرُه باطلٌ). 

ولنطلب منَ اللهِ عزّ وجلّ أن يُزيلَ عَن قلوبِنا الشّكَّ والتّرديدَ، فإنَّ إزالتَه يؤدّي بالنّفسِ إلى الإستقرارِ والتوجّهِ لطاعتِه. إذ يُبيّنُ الإمامُ (ع) في مناجاتِه أنَّ الشّكَّ والظّنَّ لا يُنتجُ إلّا فتنةً في الدّينِ فإنَّ أساسَ الفتنِ الشّكوكُ؛ لأنَّ اليقينَ والإيمانَ يكونانِ سبباً في المعرفةِ التي تمنعُ الإنسانَ منَ الخوضِ في الباطل. 

ولا بدّ أن نطلبَ منَ اللهِ جلّ وعلا أن يُوفّقَنا للرّكوبِ في سفنِ النّجاةِ، التي هي سفنُ الهدايةِ والرّحمةِ الإلهيّةِ التي توصلنا إلى مُبتغاهُ وهوَ مرضاتُه تعالى، فإنَّ مَن يركبُ سفينةَ النّجاةِ، ويحصلُ على الرّحمةِ الإلهيّةِ سوفَ يحصلُ على اللّذّةِ والرّاحةِ حيثُ تكونُ المناجاةُ سبباً للمُتعةِ النفسيّةِ التي تؤدّي إلى سكونِ النّفسِ وإطمئنانِها. ودمتُم سالِمين.