أحداثُ بلادِ الشّامِ قبلَ خروجِ السفياني

نقل احد الاخوة ان هناك رواية تحدثت عن هنالك فتنة تحدث في فلسطين تسبق ظهور السفياني فما صحة هذه الرواية؟وهل هنالك علامات تحدث في فلسطين قبل الظهور الشريف؟ وفقكم الله تعالى لكل خير

: السيد رعد المرسومي

السلامُ عليكُم ورحمة الله: 

نذكرُ لكم الأحداثَ المشهورةَ التي وقَفنا عليها مِن خلالِ تتبّعِنا في الكتبِ التي عرضَت لهذهِ القضيّة: 

1-فتنةُ بلادِ الشّام 

ذكرَت الأحاديثُ الشّريفةُ فتنةً تكونُ ببلادِ الشّامِ قبلَ السّفياني. 

فعنِ النّبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله قالَ : ( يوشكُ أهلُ الشّامِ أن لا يصلَ إليهم دينارٌ ولا مُدٌّ. قُلنا مِن أين؟ قالَ : مِن قِبلِ الرّومِ. ثمَّ سكتَ هُنيهةً ثمَّ قالَ : يكونُ في آخرِ الزّمانِ خليفةٌ يحثي المالَ حثياً لا يعدُّه عدّاً ). ( البحارُ : ٥١/٩٢ ). 

فالسّببُ في هذهِ الضّائقةِ الإقتصاديّةِ الماليّةِ والغذائيّةِ ( منعُ الدّينارِ والمُدِّ ) هُم الرّومُ ، أي الغربيّون. 

وعَن جابرٍ بنِ يزيد الجُعفي عنِ الإمامِ الباقرِ عليهِ السّلام قالَ في قولِه تعالى : ﴿ وَلَنَبلُوَنَّكُم بِشَيءٍ مِّنَ الخَوفِ وَالجُوعِ وَنَقصٍ مِّنَ الأَموَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَ‌اتِ وَبَشِّرِ‌ الصَّابِرِ‌ينَ ﴾ فقالَ : الجوعُ عامٌّ وخاصٌّ. فأمّا الخاصُّ منَ الجوعِ فبالكوفةِ، يخصُّ اللهُ بهِ أعداءَ آلِ محمّدٍ فيهلكُهم. وأمّا العامُّ فبالشّامِ، يصيبُهم خوفٌ وجوعٌ ما أصابَهم قطُّ. أمّا الجوعُ فقبلَ قيامِ القائمِ، وأمّا الخوفُ فبعدَ قيامِ القائم ). ( البحارُ : ٥٢/٢٢٩ ). 

وعنِ الإمامِ الصّادقِ عليه السّلام قالَ : (لابدَّ أن يكونَ قدّامَ القائمِ سنةٌ يجوعُ فيها النّاسُ ، ويصيبُهم خوفٌ شديدٌ منَ القتلِ ، ونقصٌ منَ الأموالِ والأنفسِ والثّمراتِ ، فإنَّ ذلكَ في كتابٍ مبينٍ ، ثمَّ تلا هذهِ الآيةَ : ﴿ وَلَنَبلُوَنَّكُم بِشَيءٍ مِّنَ الخَوفِ وَالجُوعِ وَنَقصٍ مِّنَ الأَموَالِ وَالأَنفُسِ والثمرات وَبَشِّرِ‌ الصَّابِرِ‌ينَ ﴾ ( البحار : ٥٢/٢٢٩ ). ووجودُ هذهِ الضّائقةِ في سنةِ الظّهورِ لا يمنعُ أن تكونَ موجودةً قبلَها بمدّةٍ ، ثمَّ تكونُ في سنةِ الظّهورِ أشدَّ ممّا سبقَها ، ثمَّ يكونُ الفرج. 

أمّا مدّةُ الفتنةِ على بلادِ الشّامِ ، فتذكرُ الأحاديثُ أنّها طويلةٌ مُتماديةٌ ، كلّما قالوا إنقضَت تمادَت وأنّهم ( يطلبونَ منها المخرجَ فلا يجدونَه ) ( البحارُ : ٥٢/٢٩٨ ) ، وتصفُها بأنّها تدخلُ كلَّ بيتٍ مِن بيوتِ العربِ ، وكلَّ بيتٍ مِن بيوتِ المُسلمينَ ، وبأنّها : ( كلّما رتقوها مِن جانبٍ إنفتقَت مِن جانبٍ آخر ، أو جاشَت مِن جانبٍ آخر ) كما في ص ٩ و ١۰ من مخطوطةِ إبنِ حمّاد ، وغيرِها. 

بل تسمّيها بعضُ الأحاديثِ صراحةً باسمِ : ( فتنة فلسطين)! كما تقدّمَ عَن مخطوطةِ إبنِ حمّاد ص ٦٣. 

2-هزّةٌ أرضيّةٌ في بلادِ الشّام 

وتحدّدُ رواياتُها بعضَ أماكنِها ، ووقتَها بأنّهُ عندَ إختلافِ فئتينِ على السّلطةِ ، وتسمّيها أيضاً (الرّجفةَ والخسفَ والزّلزلةَ ) كالحديثِ المرويّ عَن أميرِ المؤمنينَ عليهِ السّلام ، قال : 

( إذا إختلفَ الرّمحانِ بالشّام ، لم تنجلِ إلّا عَن آيةٍ مِن آياتِ اللهِ. قيلَ : وما هيَ يا أميرَ المؤمنين؟ قالَ : رجفةٌ تكونُ بالشّامِ ، يهلكُ فيها أكثرُ مِن مائةِ ألفٍ ، يجعلها اللهُ رحمةً للمؤمنينَ وعذاباً على الكافرينَ. فإذا كانَ ذلكَ ، فانظروا إلى أصحابِ البراذينِ الشّهبِ المحذوفةِ ، والرّاياتِ الصّفرِ ، تقبلُ منَ المغربِ حتّى تحلَّ بالشّامِ ، وذلكَ عندَ الجزعِ الأكبرِ والموتِ الأحمر. فإذا كانَ ذلكَ فانظروا خسفَ قريةٍ مِن دمشقَ يقالُ لها حرستا. فإذا كانَ ذلكَ خرجَ إبنُ آكلةِ الأكبادِ منَ الوادي اليابسِ ، حتّى يستوي على منبرِ دمشق. فإذا كانَ ذلكَ فانتظروا خروجَ المهديّ ) ( غيبةُ النّعماني : ‍ ٣۰٥ ). 

والبراذينُ الشّهبُ المحذوفةُ : وصفٌ لوسائلِ ركوبِ المغاربةِ أو الغربيّينَ بأنّها شهباءُ الألوانِ ، ومقطّعةُ الآذان! 

وإبنُ آكلةِ الأكبادِ : أي إبنُ هندٍ زوجةِ أبي سفيان ، لأنَّ السّفيانيَّ مِن أولادِ معاويةَ ، و ( الوادي اليابسُ ) يقعُ في منطقةِ حورانَ عندَ أذرعات ( درعا ) ، في منطقةِ الحدودِ السّوريّةِ الأردنيّة. 

3-الصّراعُ على السّلطةِ بينَ الأصهبِ والأبقعِ 

عنِ الإمامِ الباقرِ عليه السّلام قالَ : ( فتلكَ السّنةُ فيها إختلافٌ كثيرٌ في كلِّ أرضٍ مِن ناحيةِ المغربِ ، فأوّلُ أرضٍ تخربُ الشّام ، يختلفونَ على ثلاثِ راياتٍ : رايةُ الأصهبِ ، ورايةُ الأبقعِ ، ورايةُ السّفياني ). ( البحارُ : ٥٢/٢١٢ ). 

ويبدو أنَّ هذا الزّعيمَ الأبقعَ أي المُبقّعَ الوجهِ يكونُ في العاصمةِ ، لأنَّ الروايةَ تذكرُ أنَّ ثورةَ الأصهبِ تكونُ مِن خارجِ العاصمةِ أو المركزِ ، فيثورُ عليهِ الأصهبُ فلا يستطيعُ أحدُهما أن يُحقّقَ نصراً حاسِماً على الآخر ، فيستغلُّ السّفيانيُّ هذهِ الفرصةَ ويقومُ بثورتِه مِن خارجِ العاصمةِ أيضاً فيكتسحُهما معاً. 

ومنَ المُحتملِ أن يكونَ الأصهبُ غيرَ مسلمٍ ، لأنَّ بعضَ الأحاديثِ وصفَته بالعلجِ ، وهوَ وصفٌ للكفّارِ عادةً.

كما يبدو أنَّ المروانيَّ الذي وردَ ذكرُه في مصادرِ الدّرجةِ الأولى ، مثلَ غيبةِ النّعماني ، هوَ الأبقعُ نفسُه ، وليسَ زعيماً منافِساً للسفياني. 

أمّا الإتّجاهُ السّياسيُّ للأبقعِ والأصهبِ فيظهرُ مِن أحاديثِ ذمِّها أنّهما معاديانِ للإسلامِ ومواليانِ لأعدائِه منَ القُوى الكافرة.

وعلى هذا، يكونُ معنى إختلافِ رُمحينِ في بلادِ الشّامِ الواردَ في الأحاديثِ هو إختلافُ زعيمينِ يُمثّلانِ إتّجاهينِ مُتنازعينِ ، فقد جاءَ في الحديثِ المُتقدّمِ عنِ الإمامِ الباقرِ عليه السّلام أنّهُ قالَ لجابرٍ الجُعفي رحمَه اللهُ: (إلزمِ الأرضَ ولا تُحرِّك يداً ولا رِجلاً حتّى ترى علاماتٍ أذكرُها لكَ: إختلافُ بني فلانٍ ، ومنادٍ يُنادي في السّماءِ، ويجيؤكم الصّوتُ مِن ناحيةِ دمشقَ بالفرجِ، وخسفُ قريةٍ مِن قُرى الشّامِ تُسمّى الجابية. وستقبلُ إخوانُ التّركِ حتّى ينزلوا الجزيرة. وستقبلُ مارقةُ الرّومِ حتّى ينزلوا الرّملة. فتلكَ السّنةُ فيها إختلافٌ كثيرٌ في كلِّ أرضٍ مِن ناحيةِ المغربِ ، فأوّلُ أرضٍ تخربُ الشّامُ، يختلفونَ عندَ ذلكَ على ثلاثِ راياتٍ : رايةُ الأصهبِ ، ورايةُ الأبقعِ ، ورايةُ السّفياني ). 

والمقصودُ بإختلافِ بني فلانٍ كما ستعرفُ في حركةِ الظّهورِ ، إختلافُ أسرةٍ حاكمةٍ في الحجازِ أو غيرِه ، يظهرُ على إثرِه المهدي عليهِ السّلام. 

والصّوتُ الذي يجيئُ مِن ناحيةِ دمشقَ لا بدَّ أن يكونَ صوتَ الفتنةِ وبدايةَ الأحداثِ ، وليسَ النّداءُ السّماويُّ الموعودُ في شهرِ رمضان. 

وفي روايةٍ أخرى ( ومارقةٌ تمرقُ مِن ناحيةِ التّركِ ، ويتبعُها هرجُ الرّومِ ). 

( البحارُ : ٥٢/٢٣٧ ) ، فقد عبّرَ عنهُم مِن ناحيةِ التّركِ ، فيُحتملُ أن يكونوا أتراكاً ويُحتملُ أن يكونوا أقواماً أخرى كالرّوسِ يجيئونَ مِن جهةِ التّرك. 

يبقى أن نُشيرَ إلى روايةٍ وصفَت الرّاياتِ الثّلاثَ التي تختلفُ في بلادِ الشّامِ بأنّها رايةٌ حسنيّةٌ ورايةٌ أمويّةٌ ورايةٌ قيسيّةٌ ، وأنَّ السّفيانيَّ يأتي فيقضي عليها. فقد رواها في البحارِ عنِ الإمامِ الصّادقِ عليه السّلام قالَ : ( يا سدير إلزم بيتَك وكُن حِلساً مِن أحلاسِه ، واسكُن ما سكنَ اللّيلُ والنّهار ، فإذا بلغكَ أنَّ السّفيانيَّ قد خرجَ فارحَل إلينا ولو على رجلِك. قلتُ : جُعلتُ فداكَ ، هل قبلَ ذلكَ شيءٌ ؟ قالَ : نعم ، وأشارَ بيدِه بثلاثِ أصابعِه إلى الشّامِ وقالَ : ثلاثُ راياتٍ ، رايةٌ حسنيّةٌ ، ورايةٌ أمويّةٌ ، ورايةٌ قيسيّةٌ. فبينَما هُم على ذلكَ إذ قد خرجَ السّفيانيُّ فيحصدُهم حصدَ الزّرعِ ، ما رأيتَ مثلَه قط ). 

ويُشكِلُ قبولُ هذهِ الرّوايةِ لأنّها تعارضُ الأحاديثَ الكثيرةَ التي تحدّدُ الرّاياتِ الثلاث بأنّها رايةُ الأبقعِ والأصهبِ والسّفياني ، ولأنَّ الكلينيَّ رحمَه اللهُ رواها في الكافي : ٨/٢٦٤ ، إلى قولِه عليهِ السّلام : ( ولو على رجلِك ) فقط ، فيحتملُ أن يكونَ آخرُها إضافةً أو تفسيراً لبعضِ الرّواةِ إختلطَ بالأصلِ. 

4-حركةُ السّفياني 

السّفيانيّ منَ الشّخصيّاتِ البارزةِ في حركةِ ظهورِ المهدي عليه السّلام. 

فهوَ العدوّ اللدودُ المُباشرُ للإمامِ المهدي عليه السّلام ، وإن كانَ بالحقيقةِ واجهةً للقوى المُعاديةِ التي تقفُ وراءَه كما ستعرف. 

وقد نصَّت الأحاديثُ الشريفةُ على أنَّ خروجَه منَ الوعدِ الإلهيّ المحتومِ ، فعنِ الإمامِ زينِ العابدينَ عليه السّلام : ( إنَّ أمرَ القائمِ حتمٌ منَ اللهِ ، وأمرَ السّفيانيّ حتمٌ منَ اللهِ ، ولا يكونُ قائمٌ إلّا بسفياني ). ( البحارُ : ٥٣/١٨٢ ). 

وأحاديثُ السّفياني متواترةٌ بالمعنى ، وقد يكونُ بعضُها متواتراً بلفظِه. وفيما يلي جملةٌ مِن ملامحِ شخصيّتِه وحركتِه وأخباره: 

إسمُه ونسبُه:

المُتّفقُ عليه بينَ العلماءِ أنَّ تسميتَه بالسّفياني نسبةٌ إلى أبي سفيان لأنّهُ مِن ذرّيّتِه. كما يُسمّى إبنَ آكلةِ الأكبادِ نسبةً إلى جدّتِه هند زوجةِ أبي سفيان التي سُمّيَت بذلكَ لأنّها حاولَت أن تأكلَ كبدَ الحمزةِ سيّدِ الشّهداءِ رضيَ اللهُ عنه بعد شهادتِه في أحد. فعَن أميرِ المؤمنينَ عليٍّ عليهِ السّلام قالَ : ( يخرجُ إبنُ آكلةِ الأكبادِ منَ الوادي اليابسِ. وهوَ رجلٌ ربعةٌ ( أي مربوعٌ ) وحشُ الوجهِ ، ضخمُ الهامةِ ، بوجهِه أثرُ الجُدري ، إذا رأيتَه حسبتَه أعور. إسمُه عثمان وأبوه عيينةُ ( عنبسة ) ، وهوَ مِن ولدِ أبي سفيان ، حتّى يأتي أرضَ قرارٍ ومعينٍ فيستوي على منبرِها ) ( البحارُ : ٥٢/٢۰٥ ). 

وفي حديثٍ آخر أنّهُ مِن ولدِ عُتبةَ بنِ أبي سفيان ( البحارُ : ٥٢/٢١٣ ) وأولادُ أبي سفيان خمسةٌ : عتبةُ ومعاويةُ ويزيدُ وعنبسةُ وحنظلة. 

ولكِن وردَ في إحدى رسائلِ أميرِ المؤمنينَ عليه السّلام إلى معاويةَ النّصُّ على أنّهُ مِن أبناءِ معاويةَ ، جاءَ فيها : ( وإنَّ رجلاً مِن ولدِك مشومٌ ملعونٌ ، جلفٌ جافٌ ، منكوسُ القلبِ ، فظٌّ غليظٌ ، قد نزعَ اللهُ مِن قلبِه الرّحمةَ والرّأفةَ ، أخوالُه كلبٌ ، كأنّي أنظرُ إليه ، ولو شئتُ لسمّيتُه ووصفتُه وإبنُ كم هوَ ، يبعثُ جيشاً إلى المدينةِ فيدخلونَها فيسرفونَ في القتلِ والفواحشِ ، ويهربُ منهم رجلٌ زكيٌّ نقي ، الذي يملأ الأرضَ قِسطاً وعدلاً كما مُلئَت ظلماً وجوراً. وإنّي لأعرفُ إسمَه وإبنَ كَم هوَ يومئذٍ وعلامتَه).

وفي مخطوطةِ إبنِ حمّاد ص ٧٥ عنِ الإمامِ الباقرِ عليه السّلام أنّهُ : ( مَن ولدِ خالدٍ بنِ يزيد بنِ أبي سفيان ). 

وقد يكونُ جدُّه الذي ذكرَت رواياتٌ أنّهُ عنبسةُ أو عتبةُ أو عيينةُ أو يزيد ، مِن ذرّيّةِ معاويةَ بنِ أبي سفيان ، فيرتفعُ الإلتباس. 

والمشهورُ عندَ علماءِ السّنّةِ أنَّ إسمَه عبدُ اللهِ ، وفي مخطوطةِ إبنِ حمّاد ص ٧٤ أنَّ إسمَه (عبدَ اللهِ بنَ يزيد ) وقد وردَ أنَّ إسمَه عبدُ اللهِ في روايةٍ في مصادرِنا أيضاً ( البحار : ٥٣/٢۰٨ ) ، ولكنَّ المشهورَ أنَّ إسمَه عثمانُ كما ذكرنا. 

خبثهُ وطغيانهُ وحقدهُ على أهلِ البيتِ وشيعتِهم 

يتّفقُ رواةُ الأحاديثِ على نفاقِه وسوءِ سيرتِه ، ومعاداتِه للهِ تعالى ورسولِه صلّى اللهُ عليهِ وآله وللمهديّ عليهِ السّلام.

والأحاديثُ التي رواها الجميعُ عَن شخصيّتِه وأعمالِه واحدةٌ أو متقاربةٌ. كما في مخطوطةِ إبنِ حمّاد ص ٧٦ عَن أبي قبيلٍ قالَ : ( السّفيانيُّ شرُّ ملكٍ ، يقتلُ العُلماءَ وأهلَ الفضلِ ويفنيهم. يستعينُ بهم ، فمَن أبى عليهِ قتلَه ) ، وفي ص ٨۰ قال : ( يقتلُ السّفيانيُّ مَن عصاهُ ، وينشرُهم بالمناشيرِ ، ويطبخُهم بالقدورِ ، ستّةَ أشهر )! 

وفي ص ٨٤ عن إبنِ عبّاس قالَ : ( يخرجُ السّفيانيُّ فيقاتِل ، حتّى يبقرَ بطونَ النّساءِ ويغلي الأطفالَ في المراجلِ ) أي القدورَ الكبيرة! 

وعنِ الإمامِ الباقرِ عليه السّلام قالَ : ( إنّكَ لو رأيتَ السّفيانيَّ لرأيتَ أخبثَ النّاسِ. أشقرَ أحمرَ أزرق ، لم يعبدِ اللهَ قط ، لم يرَ مكّةَ ولا المدينةَ. يقولُ يا ربِّ ثاري والنّار ) ( البحارُ : ٥٢/٣٥٤). 

ومِن أبرزِ صفاتِه التي تذكرُها أحاديثه ، حقدُه على أهلِ البيتِ عليهم السّلام. بل يظهرُ منها أنَّ دورَه السّياسيَّ هوَ إثارةُ الفتنةِ المذهبيّةِ بينَ المُسلمينَ وتحريكُ السّنّةِ على الشيعةِ تحتَ شعارِ نُصرةِ التّسنّن. في نفسِ الوقتِ الذي يكونُ عميلاً لأئمّةِ الكُفرِ الغربيّينِ واليهود. 

فعنِ الإمامِ الصّادقِ عليه السّلام قالَ : ( إنّا وآلُ أبي سفيان أهلُ بيتينِ تعادينا في اللهِ. قُلنا صدقَ اللهُ وقالوا كذبَ الله. قاتلَ أبو سفيان رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليه وآله وقاتلَ معاويةُ بنُ أبي سفيان علياً بنَ أبي طالب عليه السّلام وقاتلَ يزيدُ بنُ معاوية الحسينَ بنَ عليٍّ عليهِ السّلام والسّفيانيُّ يقاتلُ القائمَ عليه السّلام ) ( البحار : ٥٢/٩۰ ). 

وعنهُ عليه السّلام قال : ( كأنّي بالسّفيانيّ أو بصاحبِ السّفياني قد طرحَ رحلَه في رحبتِكم بالكوفةِ فنادى مُناديه : مَن جاءَ برأسٍ ( من ) شيعةِ عليٍّ فلهُ ألفُ درهم ، فيثبُ الجارُ على جارِه ويقولُ هذا منهُم ، فيضربُ عنقَه ويأخذُ ألفَ درهمٍ! أما إنَّ إمارتَكم يومئذٍ لا تكونُ إلّا لأولادِ البغايا ، وكأنّي أنظرُ إلى صاحبِ البُرقعِ! قلتُ : مَن صاحبُ البرقعِ؟ قالَ : رجلٌ منكم يقولُ بقولِكم ، يلبسُ البرقعَ فيحوشُكم فيعرفُكم ولا تعرفونَه ، فيغمزُ بكُم رجلاً رجلاً أما إنّه لا يكونُ إلّا إبن بغي)! ( البحارُ : ٥٢/٢١٥ ). 

وقد رأينا في عصرنا بعضَ أصحابِ البراقعِ المُقنّعينَ مِن عملاءِ اليهودِ يدخلونَ معهم إلى مناطقِ المُسلمينَ التي يسيطرونَ عليها ، وقد أخفوا وجوهَهم السّوداءَ ببراقعَ سوداء أو غيرِها يدلّونَهم على المؤمنينَ ويحوشونَهم لهم ، فيأخذونَهم إلى السّجنِ أو يقتلونَهم! 

والسّفيانيُّ مِن تلامذةِ هؤلاء ، وملثّموهُ مِن نوعِ مُلثّميهم. 

وفي مخطوطةِ إبنِ حمّاد ص ٨٢ : ( وتقبلُ خيلُ السّفياني في طلبِ أهلِ خراسان ، فيقتلونَ شيعةَ آلِ محمّدٍ بالكوفةِ ، ثمَّ يخرجُ أهلُ خراسان في طلبِ المهدي ). 

وقد ذكرَت بعضُ الأحاديثِ أنَّ رايتَه حمراء ، وهيَ ترمزُ إلى سياستِه الدّمويّةِ ، كما في البحارِ : ٥٢/٢٧٣ ، عَن أميرِ المؤمنينَ عليه السّلام قالَ : ( ولذلكَ آياتٌ وعلامات .. وخروجُ السّفيانيّ برايةٍ حمراء ، أميرُها رجلٌ مِن بني كلب ). 

ثقافتهُ وولاؤه السّياسي: 

وتدلُّ الأحاديثُ على أنّهُ غربيُّ الثّقافةِ والتّعليم ، وربّما تكونُ نشأتُه هناكَ أيضاً ، ففي غيبةِ الطوسي ص ٢٧٨ عن بشرٍ بنِ غالب مرسلاً قالَ : ( يقبلُ السّفياني من بلادِ الرّومِ مُتنصّراً في عنقِه صليبٌ. وهوَ صاحبُ القوم ) ، أي مسيحيّاً بعدَ أن كانَ أصلهُ مسلماً. وتعبيرُ : ( يقبلُ مِن بلادِ الرّوم ) يعني أنّه يأتي مِن هناكَ إلى بلادِ الشّامِ ثمَّ يقومُ بحركتِه. 

ويدلُّ أيضاً على أنَّ ولاءَه السّياسيَّ للغربيّينَ واليهودِ ، أنّه يقاتلُ المهديَّ عليه السّلام الذي هوَ عدوُّ الرّومِ أي الغربيّينَ ، ويقاتلُ التّركَ أو إخوانَ التّركِ الذينَ يُحتملُ أن يكونوا الرّوس. 

وأنّهُ يلجأ أثناءَ الحربِ أمامَ زحفِ جيشِ المهدي عليه السّلام مِن دمشقَ إلى الرّملةِ بفلسطين التي وردَ أنّهُ تنزلُ فيها مارقةُ الرّوم. 

بل يظهرُ أنّهُ يخوضُ المعركةَ معَ المهدي عليه السّلام باعتبارِه خطَّ الدّفاعِ الأماميَّ عنِ اليهودِ والرّومِ ، لأنَّ الأحاديثَ الشّريفةَ تتحدّثُ عن إنهزامِ اليهودِ بهزيمتِه. 

كما يدلُّ على ولائِه للغربيّينَ أنَّ جماعتَه بعدَ هزيمتِه وقتلِه ، يهربونَ إلى الرّومِ ثمَّ يسترجعُهم أصحابُ المهدي عليه الّسلام ويقتلونَهم.

فعن إبنِ خليلٍ الأزدي قالَ : ( سمعتُ أبا جعفرٍ يقولُ في قولِه تعالى : ﴿ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأسَنَا إِذَا هُم مِّنهَا يَر‌كُضُونَ * لَا تَر‌كُضُوا وَار‌جِعُوا إِلَىٰ مَا أُترِ‌فتُم فِيهِ وَمَسَاكِنِكُم لَعَلَّكُم تُسأَلُونَ ﴾ ( سورةُ الأنبياء : ١٢ ـ ١٣ ) قالَ : إذا قامَ القائمُ وبعثَ إلى بني أميّةَ بالشّامِ هربوا إلى الرّومِ ، فيقولُ لهُم الرّومُ لا ندخلُكم حتّى تنصَّروا ، فيعلّقونَ في أعناقِهم الصّلبانَ ويدخلونَهم. فإذا نزلَ بحضرتِهم أصحابُ القائمِ طلبوا الأمانَ والصّلحَ، فيقولُ أصحابُ القائمِ : لا نفعلُ حتّى تدفعوا إلينا مِن قبلِكم منّا. قالَ فيدفعونَهم إليهم. فذلكَ قولُه تعالى : ﴿  لَا تَر‌كُضُوا وَار‌جِعُوا إِلَىٰ مَا أُترِ‌فتُم فِيهِ وَمَسَاكِنِكُم لَعَلَّكُم تُسأَلُونَ ﴾. قالَ : يسألُهم عنِ الكنوزِ وهوَ أعلمُ بها ، قالَ : فيقولونَ : ﴿ قَالُوا يَا وَيلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَمَا زَالَت تِّلكَ دَعوَاهُم حَتَّىٰ جَعَلنَاهُم حَصِيدًا خَامِدِينَ ﴾. بالسّيفِ ). ( البحارُ : ٥٢/٣٧٧ ).

ومعنى : ( إذا نزلَ بحضرتِهم أصحابُ القائمِ طلبوا الأمانَ ) : أنَّ أصحابَ المهديّ عليهِ السّلام يحشدونَ قوّاتِهم في مواجهةِ الرّومِ ويهدّدونهم. والمقصودُ ببني أميّةَ أصحابُ السّفياني كما نصَّت على ذلكَ أحاديثُ أخرى. ويبدو أنّهم وزراؤه وقادةُ جيشِه ، وأنَّ لهُم أهميّةً سياسيّةً كبيرةً ، ولذلكَ تصلُ قضيّتُهم إلى حدِّ تهديدِ المهديّ عليهِ السّلام وأصحابِه للرّومِ بالحربِ إذا لم يسلّموهُم إيّاهم. 

محاولتُه إعطاءَ حركتِه الطّابعَ الدّينيَّ، وهوَ أمرٌ طبيعيٌّ بملاحظةِ المدِّ الإسلاميّ الذي يتعاظمُ قربَ ظهورِ المهديّ عليه السّلام. وبملاحظةِ أنَّ حركتَه خُطّةٌ روميّةٌ يهوديّةٌ لمواجهةِ المدِّ الإسلاميّ. والمُتتبّعُ لأخبارِ السّفيانيّ يجدُ الأدلّةَ والإشاراتِ على محاولتِه هذه. 

منها ، ما في مخطوطةِ إبنِ حمّاد ص ٧٥ أنَّ السّفيانيَّ : ( شديدُ الصّفرةِ بهِ أثرُ العبادةِ ) ، ممّا يعني أنّهُ يظهرُ بمظهرِ المُتديّنِ ، ولكنَّ ذلكَ يكونُ أوّلَ أمرِه فقَط كما يذكرُ حديثٌ آخر. 

وقد يستشكلُ في وجهِ الجمعِ بينَ ذلكَ وبينَ كونِه مُتنصّراً يعلّقُ صليباً في عنقِه عندَما يأتي مِن بلادِ الرّومِ ، ولكنَّ ما نراهُ مِن حالةِ السّياسيّينَ العُملاءِ للغربِ يرفعُ الإشكالَ حيثُ يعيشُ بعضُهم معِ النّصارى حتّى لا يكادُ يتميّزُ عنهم ، وقد يتقرّبُ إليهم بلبسِ الصّليبِ الذّهبيّ في عنقِه أو في ساعتِه وحضورِ مراسمِهم في الكنائسِ. حتّى إذا زعَّموهُ على المسلمينَ تظاهرَ بالصّلاةِ والتّديّنِ ، لكي يخدعَ المُسلمينَ بأنّهُ منهم! بل يذكرُ الحديثُ المُتقدّمُ عَن مخطوطةِ إبنِ حمّاد ص ٧٦ : (يقتلُ العُلماءَ وأهلَ الفضلِ ويفنيهم ، ويستعينُ بهم ، فمَن أبى عليهِ قتلَه ) ، على أنّهُ يحرصُ على إعطاءِ الطّابعِ الإسلاميّ لحركتِه والشرعيّةَ لحُكمِه ، ويجبرُ العُلماءَ على ذلكَ. ولعلَّ تعبيرَ يفنيهم مصحّفٌ عَن : ( يفتنَهم ). هذهِ هي الأحداثُ التي وقفنا عليها. ودمتُم سالِمين.