في زيارةِ عاشوراءَ(اللهمَّ اجعلني عندَك وجيهاً بالحُسين (ع)) ما هيَ الوجاهةُ المطلوبةُ هُنا؟

1237ـ وردَ في زيارةِ عاشوراءَ العظيمة: « اللهمَّ اجعلني عندَك وجيهاً بالحُسين (عليهِ السلام) في الدّنيا والآخرة »، نتساءلُ ما هيَ الوجاهةُ المطلوبةُ هُنا؟ ولماذا تفرّدَ الإمامُ الحُسين (عليهِ السلام) بها، فإذا أرادَ الإنسانُ الوجاهةَ يتوجّهُ إليه فقط (صلواتُ اللهِ عليه)؟ لماذا لم يكُن رسولُ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) أو أميرُ المؤمنينَ أو فاطمة أو أحدُ الأئمّةِ الآخرين (عليهم السلام)؟

: السيد عبدالهادي العلوي

السلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاته،   قالَ اللهُ تباركَ وتعالى: {إِذ قَالَتِ المَلَائِكَةُ يَا مَريَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنهُ اسمُهُ المَسِيحُ عِيسَى ابنُ مَريَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنيَا وَالآَخِرَةِ وَمِنَ المُقَرَّبِينَ} [سورةُ آل عمران: 45]، وقالَ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا} [سورةُ الأحزاب: 69].  وقد تطرّقَ المُفسّرونَ واللغويّونَ إلى معنى الوجاهةِ، ففي موضعينِ مِن [تفسيرِ القميّ ج1 ص102، وج2 ص197]: « أي ذا وجهٍ وجاه »، وقالَ الشيخُ الطوسيّ في [التبيانِ في تفسيرِ القرآن ج2 ص462]: « معنى الوجيهِ الكريمُ على مَن يسأله؛ لأنه لا يردّه لكرمِ وجهِه عندَه، خلافَ مَن يبذلُ وجهَه للمسألةِ فيُردّ، يُقالُ منه: وَجُه الرجلِ يوجه وجاهة، ولهُ جاهٌ عندَ الناسِ وجاهة، أي: منزلةٌ رفيعة »، وقالَ العلّامةُ الطريحيّ في [مجمعِ البحرينِ ج4 ص473]: « قوله تعالى: {وَجِيهًا فِي الدُّنيَا وَالآَخِرَةِ} أي: ذا وجهٍ وجاهٍ في النبوّة في الدنيا والآخرةِ بالمنزلةِ عندَ الله، والوجهُ والجاه: القدرُ والمنزلة، وقد وَجُهَ الرجل ـ بالضمّ ـ، أي: صارَ وجيهاً ذا جاهٍ وقَدرٍ، وقد أوجهَهُ اللهُ، أي: صيّرَه وجيهاً ». إذا عرفتَ هذا، نقولُ: إنّ الفقرةَ الواردةَ في زيارةِ عاشوراء: « اللهمَّ اجعلني عندَك وجيهاً بالحُسين (عليهِ السلام) في الدّنيا والآخرة » يعني صيّرني عندَك ذا جاهٍ ومنزلةٍ وقدرٍ عندَك بالحُسينِ (عليهِ السلام)، أي: بولايةِ الإمامِ الحُسين (عليهِ السلام) ومحبّتِه والبكاءِ عليه ـ كما أفادَ الشيخُ مُفيد الشيرازيّ في [شرحِ زيارةِ عاشوراء ج1 ص494ـ495] ـ. فهذهِ الفقرةُ تتضمّنُ دعاءً وطلباً للمنزلةِ والكرامةِ عندَ اللهِ بواسطةِ سيّدِ الشهداءِ (عليه السلام).  وهاهُنا كلامٌ لطيفٌ للشيخِ أبو الفضلِ الطهرانيّ في [شفاءِ الصدورِ في شرحِ زيارةِ العاشور ج2 ص30ـ31] يستحسنُ نقله، فإنّه قالَ: « وجملةُ القولِ: إنّ ما يجبُ معرفتُه في هذا المجالِ هو: كيفَ تحصلُ الوجاهةُ عندَ اللهِ في دارِ الدنيا؟ الآيةُ الكريمة: {إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ اللهِ أَتقَاكُم} تحكمُ بأنّ الكرامةَ والوجاهة تُناطُ بالتقوى عندَ اللهِ تعالى، وللتقوى ثلاثُ مراتب:  الأولى: التقوى في العقائدِ، ومعناها: استقامةُ الدينِ وإحكامُ الإيمان.  الثانية: التقوى في الأعمالِ، وهيَ عبارةٌ عن الورعِ عن المحارم، واجتنابُ المآثم، وملازمةُ الواجبات، وإدامةُ الطاعات، وهذهِ المرتبةُ يجبُ تحصيلُها بعدَ المرتبةِ الأولى.  الثالثةُ: التقوى في الأخلاقِ والملكات، وذلكَ أن يقرأ المرءُ في مصحفِ قلبِه فإن عثرَ على رذيلةٍ فيه فهيَ بمنزلةِ آيةِ العذاب، فعليهِ أن يمحوها مِن قلبِه بالبكاءِ والقرعِ والاستعاذة، وإن عثرَ على خصلةٍ حميدةٍ فهيَ بمنزلةِ آيةِ الرحمةِ يشكرُ اللهَ عليها ويسأله ثباتَها ودوامَها، وأن يرزقَه نظائرَها وأمثالَها، لكي يستطيعَ بالجهادِ التامّ والمشقّةِ الكاملةِ دفعَ الرذائلِ وجلبَ المحامِد وتحصيلَ المحاسن.  وهذهِ المراتبُ بأجمعِها متوقّفةٌ على العلمِ؛ لأنَّ الجهلَ عجزٌ، ومِن هُنا يُعلَم بأنّ الكرامةَ عندَ اللهِ تعالى مشروطةٌ ومنوطةٌ بالعلم، كما قالَ سبحانه: {يَرفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُم وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلمَ دَرَجَاتٍ}، وقالَ في آيةٍ أخرى: {قُل هَل يَستَوِي الَّذِينَ يَعلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعلَمُونَ}، ويقولُ في آيةٍ ثالثة: {أَم هَل تَستَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ}. وليسَ مقصودُنا منَ العلمِ هو الفاقدُ للعمل..  وحاصلُ الحديث: أنّ الزائرَ يطلبُ مِن ربِّه في هذهِ الزيارةِ أن يسدّدَه للعروجِ في مدارجِ العلمِ والعملِ بواسطةِ الاعتصامِ بالعُروة الوثقى ومحبّةِ الحُسينِ والتمسّكِ بالحبلِ المتين، لكَي يشملَه رِضى اللهِ في الدّنيا ويصلَ في الآخرةِ إلى مقامِ القُربِ ودرجةِ الأولياء، اللهمَّ اجعلني عندَك وجيهاً بالحُسين (عليهِ السلام) في الدّنيا والآخرة بجاهِ محمّدٍ وعترتِه الطاهرة »، انتهى كلامُه.  وقد وردَ في جملةٍ منَ الأدعيةِ طلبُ الوجاهةِ عندَ الله تعالى بأهلِ البيتِ (عليهم السلام)..مِنها: ما وردَ في [الصحيفةِ السجّاديّة ص270] ضمنَ دعاءِ اليومِ الرابعِ والعشرينَ مِن شهرِ رمضان: « أتوجّهُ إليكَ بمحمّدٍ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) أمامي، وأئمّتي عن يميني وشمالي، أتقرّبُ بهم إليكَ زُلفى... اللهمَّ احشُرني في زمرتِهم، وأدخِلني في شفاعتِهم، واجعلني بهِم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومنَ المُقرّبينَ برحمتِك يا أرحمَ الراحمين ».ومِنها: ما وردَ في [الصحيفةِ السجّاديّة ص459] ضمنَ المُناجاةِ المعروفةِ بالإنجيليّةِ الطويلة: « اللهمَّ فصلِّ على محمّدٍ وأهلِ بيتِه الطاهرينَ، واجعلني بحبّهم يومَ العرضِ عليكَ نبيهاً، ومنَ الأنجاسِ والأرجاسِ نزيهاً، وبالتوسّلِ بهم إليكَ مُقرَّباً وجيهاً ».  ومنها: ما رواهُ الشيخُ الكلينيّ في [الكافي ج2 ص544، ونحوه في: ج3 ص309] عن أبي عبدِ الله (عليهِ السلام) قالَ: « كانَ أميرُ المؤمنينَ (عليهِ السلام) يقولُ: مَن قالَ هذا القولَ كانَ معَ محمّدٍ وآلِ محمّد، إذ قامَ قبلَ أن يستفتحَ الصلاة: اللهمَّ إنّي أتوجّهُ إليكَ بمحمّدٍ وآلِ محمّد، وأقدّمُهم بينَ يدي صلاتي، وأتقرّبُ بهم إليك، فاجعلني بهِم وجيهاً في الدّنيا والآخرةِ ومنَ المُقرّبين... إلى آخرِه ». ونقلَه الصدوقُ في [الفقيهِ ج1 ص302].  ومنها: ما نقلَه الشيخُ الصدوقُ في [الفقيهِ ج1 ص483]: قالَ الصادقُ (عليهِ السلام): « إذا أردتَ أن تقومَ إلى صلاةِ الليلِ فقُل: اللهمّ إنّي أتوجّه إليك بنبيّكَ نبيّ الرحمةِ وآله، وأقدّمُهم بينَ يدي حوائجي، فاجعَلني بهم وجيهاً في الدّنيا والآخرةِ ومنَ المُقرّبين.. إلى آخره ». وقد وردَ طلبُ الوجاهةِ عندَ اللهِ تعالى بسيّدِ الشهداء (عليهِ السلام) في غيرِ واحدٍ منَ الزيارات، منها: زيارةُ عاشوراء المشهورة، ومِنها: ما نقلَه الشيخُ المُفيد في [المزار ص114]: «  اللهمَّ وقد رجوتُ كريمَ عفوِك، وواسعَ مغفرتِك، فلا تردّني خائباً، فإليكَ قصدتُ، وما عندَك أردتُ، وقبرَ إمامي الذي أوجبتَ عليَّ طاعتَه زرتُ، فاجعَلني به عندَك وجيهاً في الدّنيا والآخرة، وأعطِني بهِ جميعَ سؤلي.. إلخ »، وغيرَها. فما وردَ في زيارةِ عاشوراء وغيره مِن طلبِ الوجاهةِ بسيّدِ الشهداءِ (عليه السلام) هو باعتبارِ أنّ الزائرَ يزورُه (عليهِ السلام) ويجعله وسيلتَه إلى اللهِ تعالى لتحقيقِ سؤله كما هوَ ظاهرٌ مِن سياقها، فالواردُ في زيارةِ عاشوراء الشريفة: « اللّهُمَّ اجعَلنِي عِندَكَ وَجِيهاً بِالحُسَينِ عَلَيهِ السَّلامُ فِي الدُّنيا وَالآخِرةِ، يا أبا عَبدِ الله إِنِّي أَتَقَرَّبُ إِلى الله وَإِلى رَسُولِهِ وَإِلى أَمِيرِ المُؤمِنِينَ وَإِلى فاطِمَةَ وَإِلى الحَسَنِ وَإِلَيكَ بِمُوالاتِكَ وَبِالبَراءةِ مِمَّن قاتَلَكَ وَنَصَبَ لَكَ الحَربَ وَبِالبَراءةِ مِمَّن أَسَّسَ أَساسَ الظُّلمِ وَالجَورِ عَلَيكُم »، فالزائرُ يطلبُ منَ اللهِ تعالى بالحُسين (عليهِ السلام) الوجاهةَ في الدّنيا والآخرة ، ويتقرّبُ إلى اللهِ وأوليائِه بموالاةِ الحُسين والبراءةِ مِن أعدائه.  اللّهُمَّ اجعَلنِي عِندَكَ وَجِيهاً بِالحُسَينِ عَلَيهِ السَّلامُ فِي الدُّنيا وَالآخِرة.