هل المهدي موجود أم أنه يعود إلى الحياة بعد موته؟!!

وديع/الأردن/: هنالك رواية تؤكد موت المهدي المنتظر في مصادركم وأنه يعود إلى الحياة بعد موته، والرواية هي: عن أبي سعيد الخراساني قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): المهدي والقائم واحد؟ فقال: نعم. قلت: لأي شيء سمي المهدي؟ قال: لأنه يهدي إلى كل أمر خفي، وسمي القائم لأنه يقوم بعد ما يموت، إنه يقوم بأمر عظيم.(كتاب الغيبة لأبي جعفر الطوسي، ص282). ويؤيد هذا الكلام الإمام الذهبي حيث قال: "وفيها مات إبراهيم بن الحارث البغدادي، وابراهيم بن هانئ النيسابوري، وسعدان بن نصر المخرمي، وصالح بن أحمد بن حنبل، وعلي بن حرب، وعبد الله بن محمد بن أيوب المخرمي، والقدوة أبو حفص النيسابوري، وهارون بن سليمان، والمنتظر محمد بن الحسن، والرافضة تقول: لم يمت، بل اختفى في السرداب".(سير أعلام النبلاء: ج 12 ص 391).

: اللجنة العلمية

  الأخ وديع.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

   ما ذكرتموه من هذه الرواية يجيبك عليه الشيخ الطوسي (قدس سره) من علمائنا الكبار الذي قال في كتابه "الغيبة" ص 422 عن هذه الرواية وما شاكلها ما نصه : "الوجه في هذه الأخبار وما شاكلها أن نقول: يموت ذكره، ويعتقد أكثر الناس أنه بلي عظامه، ثم يظهره الله كما أظهر صاحب الحمار بعد موته الحقيقي.

   وهذا وجه قريب في تأويل الأخبار، على أنه لا يرجع بأخبار آحاد لا توجب علماً عما دلت العقول عليه، وساق الإعتبار الصحيح إليه، وعضده الأخبار المتواترة التي قدمناها، بل الواجب التوقف في هذه والتمسك بما هو معلوم، وإنما تأولناها بعد التسليم بصحتها على ما يفعل من نظائرها ويعارض هذه الأخبار ما ينافيها". انتهى.

   على أن سند الرواية المتقدمة ضعيف، ففيه عبدالله بن القاسم الحضرمي، وهو من الغلاة ومعروف بالكذب، راجع معجم رجال الحديث للسيد الخوئي (رقم 7076).

   وأما ما ذكرتموه عن الذهبي فهو بالإضافة لمناهضته لما ثبت من عدم افتراق القرآن والعترة إلى يوم القيامة -كما جاء في الأحاديث الصحيحة عند أهل السنة أنفسهم، راجع السلسلة الصحيحة للألباني ج4 ص 356 -، والقول بموت الإمام المهدي معناه حصول افتراق بين القرآن والعترة، وهو مخالف للحديث الصحيح من عدم الإفتراق.

   قال ابن حجر الهيتمي في "الصواعق المحرقة" ج2 ص 442: (وفي أحاديث التمسك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع مستأهل فيهم للتمسك به إلى يوم القيامة، كما أن الكتاب العزيز كذلك). انتهى.

   نقول: بالإضافة لذلك، فقد ذكر جملة من علماء أهل السنة أن الإمام المهدي (عليه السلام) موجود وغائب، فقد صرح العلامة الأوحد -كما يصفه الذهبي نفسه في سير أعلام النبلاء ج3 ص 239- محمد بن طلحة الشافعي في كتابه "مطالب السؤول في مناقب آل الرسول"، ما نصه:

   (وأما عمره فإنه ولد في أيام المعتمد على الله، خاف فاختفى وإلى الآن، فلم يمكن ذكر ذلك، إذ من غاب وإن انقطع خبره لا توجب غيبته وانقطاع خبره الحكم بمقدار عمره ولا بانقضاء حياته، وقدرة الله واسعة، وحكمه وألطافه بعباده عظيمة عامة، ولوازم عظماء العلماء أن يدركوا حقائق مقدوراته وكنه قدرته لم يجدوا إِلى ذلك سبيلاً، ولا نقل طرف تطلعهم إليه حسيراً وحده كليلاً، وأملى عليهم لسان عجزهم عن الإحاطة به وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً.

   وليس ببدع ولا مستغرب تعمير بعض عباد الله المخلصين، ولا امتداد عمره إِلى حين، فقد مد الله (سبحانه وتعالى) أعمار جمع كثير من خلقه من أصفيائه وأوليائه ومن مطروديه وأعدائه، فمن الأصفياء: عيسى (عليه السلام)، ومنهم الخضر، وخلق آخرون من الأنبياء طالت أعمارهم، حتّى جاز كل واحد منهم ألف سنة أَو قاربها كنوح (عليه السلام).. وغيره.

   وأما من الأعداء المطرودين: فإبليس، وكذلك الدجال، ومن غيرهم: كعاد الأولى، كان فيهم من عمره ما يقارب الألف، وكذلك لقمان صاحب لبد.

   وكل هذه لبيان اتساع القدرة الربانية في تعمير بعض خلقه، فأيّ مانع يمنع من امتداد عمر الصالح الخلف الناصح إِلى أن يظهر فيعمل ما حكم الله له به؟))(1). انتهى.

   وهذا المعنى من البيان الذي صدع به العلامة محمد بن طلحة الشافعي هنا هو الموافق عملياً لما صرّح به علماء الأنساب في حقّ الإمام محمد بن الحسن العسكري (عليه السلام)..، فها هو النسابة العمري المشهور من أعلام القرن الخامس الهجري يصرّح في كتابه "المجدي في أنساب الطالبيين" ويقول ما نصّه: ((ومات أبو محمد (عليه السلام) وولده من نرجس معلوم عند خاصة أصحابه وثقات أهله، وسنذكر حال ولادته والأخبار التي سمعناها بذلك، وامتُحن المؤمنون بل كافة الناس بغيبته، وشره جعفر بن علي إِلى مال أخيه وحاله، فدفع أنْ يكون له ولد، وأعانه بعض الفراعنة على قبض جواري أخيه))(2). انتهى.

   وها هو الفخر الرازي الذي نجده بعد أن يثبت وجود أبناء وبنات للإمام الحسن العسكري ينصّ على وفاتهم في حياة أبيهم واحداً واحداً يترك التعرض لذكر وفاة الإمام محمد بن الحسن بالمرة. ولا يشير إِلى شيء من ذلك البتة، قال في كتابه "الشجرة المباركة في أنساب الطالبية" تحت عنوان: أولاد الإمام العسكري (عليه السلام) ما نصّه: ((أمّا الحسن العسكري الإمام (عليه السلام) فله ابنان وبنتان: أما الإبنان، فأحدهما: صاحب الزمان (عليه السلام)، والثاني موسى درج في حياة أبيه. وأَمّا البنتان: ففاطمة درجت في حياة أبيها، وأم موسى درجت أيضاً))(3). انتهى.

   وها هو نسابة المدينة الشريف أنس بن يعقوب الكتبي يقول في كتابه "الأصول في ذرية البضعة البتول": ((ومن الثابت عند أهل العلم من متقدمين ومتأخرين انقطاع خبره، وعدم معرفة قبره ولا مكانه.. إلى أن يقول: ومن التحاليل السابقة والتي استقصيناها من الكتب المعتمدة التي تؤكد لنا صحّة اختفاء الإمام المهدي في سنّ مبكر وعدم ظهوره، فلم يكن له عقب بالإجماع، وهذا ما أثبتته كتب الأنساب والمشجرات المتقدمة المعتمدة، بأن ليس له عقب بإجماع كبار النسابين، وبذلك لم يعرف مكانه ولا ذراريه))(4). انتهى.

   ودمتم سالمين.

_____________

(1) مطالب السؤول: 489.

(2) المجدي في انساب الطالبيين: 130.

(3) الشجرة المباركة في أنساب الطالبيةــ الفخر الرازي ــ: 78ــ79.

(4) الأصول في ذرية البضعة البتول: 99ــ100.