مُوسَى وَالخِضْرُ بَيْنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَالتَّورَاةِ.
سرود/: افعال الخضر العجيبة مع موسى في سورة الكهف .. أولًا : كيف يكون الخضر بهذه العظمة ، حتى يذهب موسي ليتعلم منه ويتوسل له أن يأخذه معه ، و موسى مذكور في التوراة و التاريخ أما الخضر معلم موسى لم يسمع عنه أحد. ثانيًا : أسباب إغراق المركب واهية و عجيبة كيف يغرق مركب بالصيادين الفقراء ! حتى لا يأخذ أحد أسماكهم. ثالثًا : سبب قتل الصبي البريء شديد الغرابة وهو أنه سيُفسد إذا كبر ، تتنافى مع عدالة الله ، وأيضًا تتنافي مع إعطاءه فرصة كاملة لكل شخص ليختار مصيره ، و ما ذنب الصبي الذي لم يُفسد بعد ! وأين حرية الإرادة ثم الحساب بعد ذلك! ونقارن ذلك بالكتاب المقدس فنقرأ في أيوب 34 : 11 11لأَنَّهُ يُجَازِي الإِنْسَانَ عَلَى فِعْلِهِ، وَيُنِيلُ الرَّجُلَ كَطَرِيقِهِ. وأيضًا نقرأ قي رومية 2 : 6. 6 الَّذِي سَيُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ أَعْمَالِهِ فلا يمكن أن يكون الحساب قبل الخطأ نفسه فهل ممكن قاضي يحكم على شخص لأنه يومًا ما سوف يسرق وعندما يقف هذا الطفل المسكين أمام الله كيف سيكون حسابه وهو لم يفعل أي خطأ بعد ! رابعًا : إصلاح جدار ، لأن تحته يوجد كنز ليتيمين لو وقع الجدار لاكتشف الناس الكنز و أخذوه.
الأَخُ / الأُختُ سُرود ، تَحيّةً طَيبّةً:
الإجابةُ علىٰ ما ذَكَرتُم تَتِمُّ مِن خِلال َعِدَّةِ نُقاط:
النُقطَةُ الأُولىٰ – تَكَلِّمْنا سابِقاً وَقُلنْا مِراراً وَتِكراراً إنَّ التَوراةَ الّتِي بأَيديكُم لَيسَ هِيَ التَّوراةَ الّتِي أَنزَلَها اللهُ علىٰ موسىٰ عَليهِ السَّلامُ فإِنَّ التَّوراةَ الّتِي كَتَبَها كَتَبَة ُالأَسفارِ المُقَدّسَةِ الّتِي كانَت بإِملاءِ مُوسىٰ عَليهِ السّلامُ لا يَدَّعي أَحَد ٌمِنَ اليَهودِ وَغَيرِهِم أنَّها مَوجودَةٌ الآنَ وإِنّما يُصَرِّحونَ أَنّها فُقِدَت بَل وَيصَرّحونَ أَنَّ أَقدَم َنُسخَةٍ مِنَ التَّوراةِ تَمَّ العُثورُ عَليها في القَرْنِ الرّابِعِ الميلادي أَي أنَّ هُنالِكَ فاصِلَةً زَمَنيّةً بَينَ أَقدَمِ نُسخَةٍ وَبَينَ ما كَتَبَهُ كَتَبَةُ الأَسفارِ المُقَدَّسَةِ ِهِيَ 2000 سَنَة ٍوَالفاصِلُ بَينَ هذهِ ِالنُّسخَةِ وَبَينَ آخِرِ أنبياءِ العَهدِ القَديمِ هِيَ 800 سَنَةٍ فَلا يوجَدُ ما يُؤَيِّدُ أَنَّ التَّورَاةَ أَلَّتِي بأَيّديكُم هِيَ نَفْسُها الَّتِي أَنّزَلَها الله ُعَلىٰ مُوسىٰ وَكَتَبَها كَتَبَةُ الأَسفارِ المُقَدَّسَةِ بَلِّ الأَسفارُ الخَمّسَةُ الَّتِي تُسَمونَها أَسفارَ مُوسىٰ كَسِفْرِ التَّكوينِ وَسِفْرِ التَّثنِيةِ وَسِفْرِ العَدَدِ وَسِفْرِ الخُروجِ وَسِفْرِ اللاّويينَ لا يوجَدُ قَطْعٌ وَجَزْم ٌعِنْدَ عُلَماءِ اليَهودِ أَنّ كَاتِبَها مُوسىٰ عَليهِ السَّلامُ فَما بالُكَ بالأَسفارِ الأُخرىٰ الَّتِي نَصَّ عُلَماءُ اليَهودِ عَلىٰ أَنَّ كَتَبَتَها مَجهولونَ وَلِذا صَرَّحَ مُؤَلِّفو قامِوسِ الِكتابِ المُقَدَّس ِبأنَّهُ لا توجدُ لَدينا المَخطوطاتُ الأصليَّة للتّوراةِ ولا للإنجيلِ الّتي كَتَبَها ودَوَّنها كَتبَةُ الأسفارِ المُقدَّسةِ.
ويُؤكِّدُ نولدكه في كِتابهِ "اللُّغاتُ السّاميّة": " جُمِعَتْ التّوراةُ بَعدَ موسى بِتسعمائةِ سَنَة، وإستغرقَ تأليفُها وجَمعُها زَمَناً مُتطاوِلاً تَعرَّضَتْ حِيالَهُ للزّيادَةِ والنَّقص، وأنَّه مِنَ العَسيرِ أنْ نَجِدَ كَلِمَةً مُتكامِلَةً في التَّوراةِ مِمّا جاءَ بهِ موسى" نَقلاً عن كتابِ الكُتبِ المُقدَّسَةِ بَينَ الصِّحّةِ والتَّحريف - يحيى ربيع –
ويَقولُ القَسّ نورتن: "التّوراةُ جَعليّةٌ يَقينًا، لَيستْ مِنْ تَصنيف موسى".
فاذا إتّضَحَ ما قُلناهُ يَتِّضِحُ أنّهُ لا يوجدُ عِندَكُم دَليلٌ قاطِعٌ أنَّ قِصَّةَ موسى والخِضر لَمْ تُذكَرْ في التَّوراة لأنَّه لا توجدُ التَّوراةُ الحَقيقيّةُ عِندَكُم .
النُّقطَةُ الثّانِيَة – يَقولُ الشَّيخ ناصِر مَكارِم الشّيرازي في تَفسيرهِ الأمثَل ج9 ص336:
بَعضُ كُتبِ عُلماءِ اليَهود الّتي تَمَّ تَدوينُها في القَرنِ الحادي عشر الميلادي، ففيها قِصّةُ تَشبَهُ إِلى حَدٍّ كَبيرٍ حادِثَةَ موسى (عليهِ السّلام) وعالِمُ زَمانهِ، بالرَّغم مِنْ أنّها تَذكُرُ أنَّ أبطالَ تِلكَ القِصّة هما (إِلياس) و (يوشع بن لاوي) وهُما مِنْ مُفسّري (التلمود) في القَرنِ الثّالثِ الميلادي، وتَختلِفُ مِنْ خِلالِ عِدّةِ أُمورٍ عَن قِصّة موسى والخِضر، والقِصَّةُ هذه هي:
«وهوَ (أي يوشع) يَطلُبُ مِنَ اللهِ أنْ يَلقىٰ إلياس، وبِمُجرّدِ أنْ يُستجابَ دُعاؤهُ ويَحظىٰ بِلقاءِ إلياس فإِنَّه يَرجوهُ أنْ يُطلِعَهُ على بَعضِ الأسرار.
فيُجيبهُ إلياس: إِنّكَ لا طاقَةَ لَكَ على تَحَمّل ذلك، إلاَّ أنَّ يوشع يُصِرُّ ويُلحُّ في طَلبِهِ فيَستجيبُ لهُ إلياس مُشترطاً عليهِ أن لا يَسألَ عن أيّ شيءٍ يَراهُ، وإِذا تَخلّفَ يُوشع عن هذا الشَّرط فإنَّ الياسَ حُرٌّ في الإنفصالِ عَنْهُ وتَركِهِ، وعلى أساسِ هذا الاتّفاقِ يَترافَقُ يوشع وإلياسُ في السَّفَر.
وأثناءَ سَفَرِهما يَدخلانِ إِلى بَيتٍ فيَستقبِلُهما صاحِبُ البَيتِ أحرَّ إستقبالٍ ويُكرِمُ وِفادهما. وكانَ لإهلِ ذلكَ البَيتِ بَقرَةٌ هِيَ كُلُّ ما يَملكونَ مِنْ حُطامِ الدُّنيا حَيثُ كانوا يُوفّرونَ لأنفُسِهم لُقمَةَ العَيشِ مِنْ بَيعِ لَبَنِها. فيَأمرُ إلياسُ صاحِبَ البَيتِ أنْ يَذبَحَ تِلكَ البَقرة، ويَستَولي على يُوشَعَ العُجُبُ والإستغرابُ مِنْ هذا التَّصَرِّف ويَدفَعهُ ذلكَ لأنْ يَسألْه عَنِ المُبرّر لهذا الفِعل. فَيُذكّرهُ إلياسُ بما إتّفقا عَليهِ ويُهدّدهُ ِبمُفارَقَتِه لَهُ فَيَصمُتُ يوشع ولا يَنبِسُ بِكَلِمة.
ومِنْ هُناكَ يُواصِلانِ سَفرَهُما إِلى قَريَةٍ أُخرى فَيَدخُلانِ إِلى بَيتِ شَخصٍ ثَريٍّ ويَنهَضُ إلياسُ إِلىٰ جِدارٍ في ذلكَ البَيتِ يُشرِفُ على السُّقوطِ فَيُرَمّمهُ ويُقيمُه. وَفي قَريَةٍ أُخرى يُواجِهانِ عَدَداً مِنْ سُكّانِ تِلكَ القَريَةِ مُجتَمِعِينَ في مَكانٍ مُعيّنٍ ولا يُعيرونَ هٰذينِ الشَّخصَينِ بالاً ولا يُواجِهونَهما بإحترام. فَيَقومُ إلياسُ بالدُّعاءِ لَهُم أنْ يَصِلُوا جميعاً إِلى الرِّئاسةِ. وفي قَريَةٍ رابِعَةٍ يُواجِههُما سُكّانُها بإحترامٍ فائقٍ فيَدعو لَهُم إلياسُ بأنْ يَصِلَ شخصٌ واحِدٌ مِنهُم فَحَسب إِلى الرِّئاسة. وبالتّالي فإِنّ يوشعَ بِن لأوى لا يطيقُ الصَّبرَ فيَسألُ عَنِ الوَقائعِ الأربَع، ويُجيبُهُ إلياس: بأنّهُ في البَيتِ الأوّلِ كانَتْ زَوجَةُ ربِّ الدّارِ مريضةً ولَو أنَّ تِلكَ البَقرَةَ لَم تُذبَحْ بِعنوانِ الصَّدَقةِ فإِنّ تِلكَ المَرأةَ تَموتُ ويُصابُ صاحِبُ الدّارِ بِخَسارَةٍ أفدَحَ مِنَ الخَسارَةِ الّتي تَلحَقُهُ نَتيجَةً لِذَبحِ البَقَرة، وفي البَيتِ الثّاني كانَ هناكَ كنزٌ يَنبغي الإحتفاظُ بهِ لِطِفلٍ يَتيم، وأمّا إِنَّهُ قد دعوتُ لأهلِ القَريَةِ الثّالثةِ بأنْ يَصِلوا إِلى الرِّئاسَةِ جَميعاً فذلِكَ لِكَي تَضطَرِبَ أُمورُهُم ويَختَلُّ النِّظامُ عِندَهُم. على العَكسِ مِنْ أهلِ القَريَةِ الرّابعَةِ فإِنّهم إِذا أسنَدوا زِمامَ أُمورِهِم إِلى شَخصٍ واحدٍ فإِنّ أُمورَهُم سَوفَ تَنتَظِمُ وتَسيرُ على ما يُرام».
ويَجِبُ عَدَمُ التَّوَهُّمِ أنّنا نَرى بأنَّ القِصَّتَينِ هُما قِصَّةٌ واحدةٌ، بَلْ إِنَّ غَرَضَنا الإِشارَةُ إِلى أنَّ القِصّةَ الّتي يَذكُرُها عُلماءُ اليَهودِ يُمكِنُ أنْ تَكونَ قِصَّةً مُشابِهَةً أو مُحَرّفةً لمِا حَصَلَ أصلاً لموسى (عليهِ السَّلام) والخِضر، وَقَد تَغيَّرَتْ بِسَبَبِ طولِ الزَّمانِ وأصبَحَتْ على هذا الشَّكل.
النُّقطَةُ الثّالِثَةُ – قُلتُم في سُؤالِكُم سَبَبَ قَتلِ الصَّبيّ البَريء شَديدُ الغَرابَةِ وهوَ أنَّه سَيُفسُدُ إذا كَبِر ، تَتنافى مَعَ عَدالَةَ اللهِ ، وأيضًا تَتنافى مع إعطائِهِ فُرصَةً كامِلَةً لِكُلّ شَخصٍ لِيختارَ مَصيرَهُ ، و ما ذَنبُ الصَّبيّ الّذي لَمْ يُفسدْ بَعدُ!
إنَّ الآيةَ قالَتْ (فَانطَلَقَا حتى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا (74))
ولَفظُ الغُلامِ يُطلَقُ على الطِّفلِ مُنذُ لَحظةِ وِلادَتهِ إلى أنْ يَشّبّ ولهذا قالَ الشَّيخُ ناصِر مَكارِم الشّيرازيّ في تَفسيرِهِ الأمثَل (وفيما يتعَلَّقُ بالغُلامِ فَقَد أصَرَّ المُفسّرونَ مِمَّنْ سَلَكَ هذا الطَّريق، على أنَّ الفتى كانَ بالِغاً وأنَّهُ كانَ مُرتَدَّاً أو مُفسِداً، وبِسَببِ أعمالهِ الفِعليّة فإِنَّهُ مِن الجائز أن يُقتل.)
ولكِنَّكم لو راجَعتُم الِكتابَ المُقدَّسَ لَوَجَدتُم فيهِ مُستوى الظُّلمِ الّذي تَنسبونَهُ للهِ تَعالى وأنَّ الذَّنبَ يُورَثُ ويُعاقَبُ الأبناءُ بِذنوبِ الآباء، وهذا ما وَردَ في سِفرِ الخُروج الإصحاح 20
5 -أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ الآبَاءِ فِي الأَبْنَاءِ فِي الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابعِ مِنْ مُبْغِضِيَّ،
وفي سفر التثنية الاصحاح 5
9 -، أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ الآبَاءِ فِي الأَبْنَاءِ وَفِي الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ مِنَ الَّذِينَ يُبْغِضُونَنِي،
وفي سفر اللاويين 26
39 وَالْبَاقُونَ مِنْكُمْ يَفْنَوْنَ بِذُنُوبِهِمْ فِي أَرَاضِي أَعْدَائِكُمْ. وَأَيْضًا بِذُنُوبِ آبَائِهِمْ مَعَهُمْ يَفْنَوْنَ.
هذا تَمامُ الكَلامِ ودُمتُم سالمين.
اترك تعليق