عِلْمُ اللهِ بِعَوَاقِبِ الأُمُورِ لَا يَعْنِي أَنَّهُ شَرِيكٌ فِي جَرَائِمِ النَّاسِ.

لِمَاذَا اللهُ لَمْ يُدْرِكْ أَنَّ النَّاسَ سَتُسِيءُ فَهْمَ كِتَابِهِ وَدِينِهِ؟ أَلَا يَعْرِفُ كُلَّ شَيْءٍ؟ أَلَيْسَ هُوَ عَالِمًا عَلِيمًا؟ أَلَا يَعْنِي ذَلِكَ أَنَّهُ مُشْتَرِكٌ فِي الجَرَائِمِ الَّتِي تَحْدُثُ بِمَا أَنَّهُ يَعْرِفُ أَنَّهُ سَيَتمُّ إسَائةُ اسْتِخْدَامِ كِتَابِهِ أَوْ دِينِهِ؟

: اللجنة العلمية

     لَقَدْ أَقَامَ اللهُ (عَزَّ وَجَلَّ) الحُجَجَ الكَامِلَةَ عَلَى عِبَادِهِ، فَقَدْ أَرْسَلَ الأَنْبِيَاءَ وَالرُّسُلَ، وَبَعَثَ لَهُمْ الكُتُبَ السَّمَاوِيَّةَ، وَسَخَّرَ لَهُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَنْتَفِعُونَ بِهِ، وَهَيَّأَ لَهُمْ العُقُولَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ، وَلَمْ يَتْرُكْ خَيْرًا يَنْفَعُهُمْ إِلَّا أَرْشَدَهُمْ إِلَيْهِ وَحَثَّهُمْ عَلَيْهِ، فَإِذَا اخْتَارَ بَعْضُ عِبَادِهِ العِنَادَ وَالإنْحِرَافَ وَاتِّبَاعَ الشَّهَوَاتِ وَظُلْمَ الآخَرِينَ وَالقَتْلَ وَالفَسَادَ فَلَا يَعْنِي هَذَا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ شَرِيكٌ فِي جَرَائِمِهِمْ، بَلْ هُمْ مَنْ يَتَحَمَّلُونَ أَوْزَارَ أَعْمَالِهِمْ كَامِلَةً لَا غَيْرُهُمْ.

      تَقُولُ: وَلَكِنَّ اللهَ يَعْلَمُ بِعَوَاقِبِهِمْ وَيَعْلَمُ بِأَفْعَالِهِمْ؟!!

      نَقُولُ: عِلْمُهُ سُبْحَانَهُ بِأَفْعَالِهِمْ وَسُوءِ اخْتِيَارِهِمْ لَا مَدخَلِيَّةَ لَهُ فِي حُصُولِ هَذِهِ الأَفْعَالِ مِنْهُمْ; لِأَنَّهُ إِنْ مَنَعَهُمْ مِنْهَا كَانَ ذَلِكَ نَقْضًا لِلحُرِّيَّةِ الَّتِي مَنَحَهُمْ إِيَّاهَا، وَأَخْبَرَنَا عَنْهَا فِي كِتَابِهِ.

      يَقُولُ تَعَالَى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3))، وَيَقُولُ جَلَّ وَعَلَا: (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ).

      وَأَيْضًا يَكُونُ هَذَا التَّصَرُّفُ مِنْهُ سُبْحَانَهُ جَبْرًا فِي أَفْعَالِهِمْ، وَالجَبْرُ خِلَافُ التَّكْلِيفِ، فَلَا مَنَاصَ مِنْ القَوْلِ بِأَنَّ الإِنْسَانَ كَائِنٌ مُخْتَارٌ فِي أَفْعَالِهِ وَهُوَ مَنْ يَتَحَمَّلُ وِزْرَ أَعْمَالِهِ.