مُلْحِدٌ يَنْصَحُ وَهُوَ نُصْحٌ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ.
حِكْمَتْ / مِصْرُ /: أَخِي المُؤْمِنُ، إنَّ عَقْلَكَ الشَّخْصِيَّ لَيْسَ مِقْيَاسًا عِلْمِيًّا يُقَاسُ عَلَيْهِ لِتَفْسِيرِ الظَّوَاهِرِ الطَّبِيعِيَّةِ، فَعَقْلُ الإِنْسَانِ مُعَرَّضٌ لِلهَلَاوسِ، مَثَلًا لَوْ أَقْسَمْتَ بِأَغْلَظِ مَا تُؤْمِنُ بِهِ أَنَّكَ رَأَيْتَ جِنِّيًا، لَا يُعْتَبَرُ دَلِيلًا عَلَى وُجُودِ الْجِنِّ، إِنْ كَانَ عَقْلُكَ مَثَلًا يُصَدِّقُ أَنَّ مُحَمَّدًا طَارَ إِلَى الأَقْصَى عَلَى بَغْلٍ، كَيْفَ يَثِقُ مُخَالِفُكَ بِقِصَّةِ الْجِنِّ؟
أَوَّلًا: هَذِهِ الضَّابِطَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الأَخُ (العَقْلُ الشَّخْصِيُّ لَيْسَ مِقْيَاسًا عِلْمِيًّا) تَنْطَبِقُ عَلَى قَائِلِها، فَبِالبَدَاهَةِ أَنَّ عَقْلَ المُتَكَلِّمِ شَخْصِيٌّ، فَمَا ذَكَرَهُ مِنْ كَلَامٍ بَعْدَهُ مَرْدُودٌ بِهَذِهِ الضَّابِطَةِ.
وَثَانِيًا: أنَّ العَقْلَ وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا يَنْقَسِمُ بِحَسَبِ الإِدْرَاكِ، وَالمُخْتَصُّونَ إِنَّمَا قَسَّمُوا العَقْلَ - بِحَسَبِ مُدْرَكَاتِهِ - إِلَى قِسْمَيْنِ بلِحَاظَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ:
الأَوَّلُ: بلِحَاظِ مَا يَلْزَمُ مِنْ الإِنْسَانِ عَمَلُهُ وَمَا يَلْزَمُ مَعْرِفَتُهُ قُسِّمَ العَقْلُ إِلَى عَمَلِيٍّ وَنَظَرَيٍّ.
الثَّانِي: بلِحَاظِ النَّتِيجَةِ المَوْصَلِ إِلَيْهَا، قُسِّمَ العَقْلُ إِلَى قِطْعِيٍّ وَظَنِّيٍّ.
وَمَا ذُكِرَ مِنْ "عَقْلٍ شَخْصِيٍّ" لَيْسَ بِصَحِيحٍ، بَلْ هُوَ تَعْبِيرٌ آخَرُ عَنْ التَّصَوُّرَاتِ.
وَاللَّازِمُ فِي كُلِّ عِلْمٍ وَفَنٍّ اسْتِخْدَامُ الإصْطِلَاحَاتِ المُقَرَّرَةِ فِي ذَلِكَ العِلْمِ وَالفَنِّ.
فَاسْتِخْدَامُ مُفْرَدَاتٍ غَيْرِ عِلْمِيَّةٍ يَكْشِفُ إنًّا عَنْ عَدَمٍ مَعْرِفَةِ المُتَكَلِّمِ بِالمَجَالِ الَّذِي يَخُوضُ فِيهِ.
وَثَالِثًا: قَوْلُ المُتَكَلِّمِ (فَعَقْلُ الإِنْسَانِ مُعَرَّضٌ لِلهَلَاوسِ) يُلَاحَظُ عَلَيْهِ بِأَمْرَيْنِ:
الأَوَّلُ: أنَّ المُتَكَلِّمَ بِلَا شَكٍّ لَهُ عَقْلٌ، لِأَنَّهُ بِالظَّاهِرِ إِنْسَانٌ، وَمَا يُمَيِّزُ الإِنْسَانَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الحَيَوَانَاتِ هُوَ عَقْلُهُ، لِأَنَّ الجَمِيعَ مُشْتَرِكٌ فِي الغَرَائِزِ.
فَمِنْ أَيْنَ نَعْرِفُ يَا أَخِي أَنَّ هَذِهِ الهَلْوَسَةَ لَمْ يُوصَفْ بِهَا عَقْلُكُمْ حَتَّى نَطْمَئِنَّ بِمَا تَفَضَّلْتُمْ بِهِ.. لِأَنَّكَ تَقُولُ: عَقْلُ الإِنْسَانِ يُصَابُ بِالهَلْوَسَةِ. وَأَنْتَ إِنْسَانٌ، إِذَنْ: يُمْكِنُ أَنْ يُصَابَ عَقْلُكَ بِالهَلْوَسَةِ.
فَإِلَى أَنْ تُقَدِّمُوا لنَا الإِثْبَاتَ عَلَى عَدَمٍ اتِّصَافِ عَقْلِكُمْ بِالهَلْوَسَةِ، نَضَعُ كَلَامَكُمْ فِي سَاحَةِ الإِمْكَانِ.
الثَّانِي: أنَّ الهَلْوَسَةَ يَا أَخِي مِنْ الأَوْصَافِ الَّتِي تُوصَفُ بِهَا النَّفْسُ، وَالعَقْلُ غَيْرُ النَّفْسِ.
وَرَابِعًا: جَاءَ فِي المُعْجَمِ الطِّبِّيِّ المُوَحَّدِ
1. الطَّبْعَةُ الثَّالِثَةُ: 1983، ميدليفانت سُوِيسْرَا إِنْكِلِيزِيٌّ - عَرَبِيٌّ - فَرَنْسِيٌّ. مَا نَصُّهُ:
(يُمْكِنُ تَعْرِيفُ الهَلْوَسَةِ بِأَنَّهَا الإِحْسَاسُ فِي حَالَةِ اليَقْظَةِ، وَالوَعْيُ بمَحْسُوسٍ غَيْرِ مَوْجُودٍ يَتَمَيَّزُ بِخَوَاصِّ المَحْسُوسَاتِ المَوْجُودَةِ كَالحَيَاةِ وَالمَادِّيَّةِ وَالتَّحَقُّقِ فِي الخَارِجِ (وُجُودُ مِصْدَاقٍ خَارِجِيٍّ للمَحْسُوسِ)، وَبِالتَّالِي وَمِنْ خِلَالِ هَذِهِ الخَصَائِصِ يُمْكِنُنَا تَمْيِيزُ الهَلْوَسَةِ مِنْ الحُلُمِ الَّذِي لَا يَحْصُلُ فِي حَالَةِ الوَعْيِ، كَمَا يُمْكِنُنَا تَمْيِيزُ الهَلْوَسَةِ مِنْ التَّوَهُّمِ (Illusion) وَالَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ إِحْسَاسٍ مُشَوَّهٍ أَوْ مُفَسَّرٍ تَفْسِيرًا خَاطِئًا، كَمَا يَتَمَيَّزُ مِنْ خِلَالِ ذَلِكَ الحُلُمُ عَنْ التَّخَيُّلِ وَالَّذِي يَتَحَقَّقُ بِإِرَادَةِ الإِنْسَانِ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ تَصَرُّفٍ فِي صُوَرِ المَحْسُوسَاتِ الوَاقِعِيَّةِ، كَمَا يُمْكِنُنَا مِنْ خِلَالِ التَّعْرِيفِ المَذْكُورِ أَنْ نُمَيِّزَ مَا بَيْنَ الهَلْوَسَةِ وَالهَلْوَسَةِ الكَاذِبَةِ (pseodohallucination) وَالَّتِي لَا تُحَاكِي المَحْسُوسَاتِ الوَاقِعِيَّةَ، وَلَكِنَّهَا تَتُمُّ دُونَ إِرَادَةِ الإِنْسَانِ، وَتَخْتَلِفُ الهَلْوَسَةُ أَيْضًا عَنْ "الإِحْسَاسَاتِ الوَهْمِيَّةِ" الَّتِي يَقُومُ المَرِيضُ المُصَابُ بِهَا بِتَحَسُّسِ مَحْسُوسَاتٍ وَاقِعِيَّةٍ بِشِكْلٍ صَحِيحٍ وَتَفْسِيرٍ سَلِيمٍ، إِلَّا أَنَّهُ يُعْطِي هَذِهِ المَحْسُوسَاتِ مَغْزًى إِضَافِيًّا غَرِيبًا، تَتَنَوَّعُ أَشْكَالُ الهَلْوَسَةِ مَا بَينَ بَصَرِيَّةٍ وَسَمْعِيَّةٍ وَشَمِيَّةٍ وذَوْقِيَّةٍ وَلَمْسِيَّةٍ......).
فَمُتَعَلَّقُ الهَلْوَسَةِ النَّفْسُ والسَّمْعُ وَالبَصَرُ وَنَحْوُهَا قِوًى مِنْ قِوى النَّفْسِ بِوَاسِطَتِهَا تُدْرِكُ النَّفْسُ الأَشْيَاءَ الخَارِجِيَّةَ.
وَخَامِسًا: أنَّ مَا حُمِلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) لَيْسَ بَغْلًا، بَلْ مَخْلُوقٌ آخِرُ اسْمُهُ البُرَاقُ، فَيَلْزَمُ المُتَكَلِّمُ مُرَاعَاةَ الدِّقَّةِ فِي التَّعْبِيرِ، فَإِنَّ مَنْ لَا يُرَاعِي الدِّقَّةَ فِي تَعْبِيرَاتِهِ وَنَقْلِهِ لَا يُوثَقُ بِهِ، وَقَدِيمًا قَالَ المَثَلُ :يَفُوتُكَ مِنْ الكَذَّابِ صِدْقٌ كَثِيرٌ. ففَوَاتُ صِدْقِهِ لِأَجْلِ إِخْبَارِهِ المُتَكَرِّرِ عَلَى خِلَافِ الوَاقِعِ.
وَسَادِسًا: أنَّ الإِسْرَاءَ - وَلَيْسَ الطَّيَرَانَ - قَدْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ البَرَاهِينُ القَاطِعَةُ مِنْ قِبَلِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) فَيَكْفِي مُجَرَّدُ مُطَالَعَةِ التَّأْرِيخِ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ - عَقْلٌ - أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ.
وَسَابِعًا: أنَّ كَثِيرًا مِنْ الأُمُورِ العَقْلُ إِلَى اليَوْمِ لَمْ يُدْرِكْ حَقِيقَتَهَا، كَالجَاذِبِيَّةِ، وَالكَهْرَبَاءِ، فَلَوْ لَمْ يُدْرِكْ العَقْلُ مَعْنَى الكَهْرَبَاءِ وَمَاهِيَّتَهَا فَهَلْ مَعْنَى هَذَا أَنَّهَا غَيْرُ مَوْجُودَةٍ؟
وَأَخِيرًا نَكْتَفِي بِهَذَا القَدْرِ وَإِنْ كَانَ لَدَيْنَا بِالإِضَافَةِ إِلَى مَا ذُكِرَ عَشَرَةُ نُقُوضٍ أُخْرَى عَلَى مَا ذَكَرَهُ المُتَكَلِّمُ، لَكِنْ أَحْجَمَتُ لِأَمْرَيْنِ:
الأَوَّلُ: خَوْفُ المَلَلِ أَنْ يَدُبَّ إِلَى نَفْسِ القَارِىءِ.
الثَّانِي: قَوْلُهُ تَعَالَى (وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ (58)).
اترك تعليق