الجَهْلُ بِطَرِيقَةِ اسْتِنْبَاطِ الأَحْكَامِ مِنْ الأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ!!
مِيثَاقٌ /: أَوْلَوِيَّاتُ البَذْلِ تُحَدِّدُهَا القِيَمُ لَا المَذْهَبِيَّاتُ!! يَتَصَوَّرُ بَعْضُهُمْ: أنَّنَا إِذَا جَعَلْنَا أَمْوَالَ تَذْهِيبِ القُبَبِ وَالأَضْرِحَةِ مِنْ تَبَرُّعَاتِ النَّاسِ وَمِنْ أَمْوَالِهِمْ الشَّخْصِيَّةِ فَقَدْ حُلَّتْ المُشْكِلَةُ وَرُفِعَ الإِشْكَالُ عَنْ الحَوْزَةِ وَمَنْ فِيهَا حِينَمَا تُودَعُ مِئَاتُ الكِيلُو غرَامَات مِنْ الذَّهَبِ الخَالِصِ فِي القُبَبِ وَالأَضْرِحَةِ المُرْتَبِطَةِ بِمَرَاقِدِ الأَئِمَّةِ (ع) وَأَقْرِبَائِهِمْ!! لَكِنَّ هَذَا الكَلَامَ خَطَأٌ سَاذَجٌ; وَذَلِكَ: لِأَنَّ مَنْ أَقْنَعَ النَّاسَ بِأَفْضَلِيَّةِ التَّبَرُّعِ لِتَذْهِيبِ القُبَبِ وَالأَضْرِحَةِ وَرَمْيِ الأَمْوَالِ فِي شَبَابِيكِهَا عَلَى إِعَانَةِ المَسَاكِينِ وَالفُقَرَاءِ وَإِعَالَتِهِمْ هُوَ الحَوْزَةُ بِعَرْضِهَا العَرِيضِ وَعُمْقِهَا التَّارِيخِيِّ; وَذَلِكَ انْطِلَاقًا مِنْ عَنَاوِينَ ثَانَوِيَّةٍ وَدَوَافِعَ مَذْهَبِيَّةٍ صِرْفَةٍ، وَبِالتَّالِي فَسَذَاجَةُ مِثْلِ هَذَا التَّبْرِيرِ وَاضِحَةٌ جَلِيَّةٌ لَا تَحْتَاجُ إِلَى بَيَانٍ. وَعَلَى هَذَا الأَسَاسِ نَتَمَنَّى مِنْ الجِيلِ الحَوْزَويِّ الجَدِيدِ وَالوَاعِي أَنْ يُسْهِمَ فِي تَغْيِيرِ ذَائِقَةِ النَّاسِ المَذْهَبِيَّةِ فِي الصَّرْفِ; لِيَتْرُكُوا الصَّرْفَ عَلَى المَذْهَبِيَّاتِ الإفْرَاطِيَّةِ وَيَتَوَجَّهُوا نَحْوَ الأَخْلَاقِيَّاتِ وَالإِنْسَانِيَّاتِ; فَالدِّينُ يَهْدُفُ إِلَى بِنَاءِ الأَخْلَاقِ وَالقِيَمِ لَا الأَحْجَارِ والصَّنَمِ; فَتَأَمَّلْ زَادَكَ اللهُ تَنْوِيرًا، وَهُوَ مِنْ وَرَاءِ القَصْدِ.
تَحِيَّةً طَيِّبَةً.
هَذَا الكَلَامُ فِي الوَاقِعِ - بَعْدَ طَرْحِ الزَّوَائِدِ الخِطَابِيَّةِ مِنْهُ - يَنِمُّ عَنْ جَهْلٍ فَظِيعٍ بِطَبِيعَةِ الإسْتِدْلَالِ الفِقْهِيِّ وَاسْتِنْبَاطِ الأَحْكَامِ مِنْ الأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، فَالإسْتِدْلَالُ بِالأَوْلَوِيَّةِ فِي مَوْرِدٍ مَا يَحْتَاجُ إِلَى أَمْرَيْنِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ عِلْمِ الأُصُولِ:
الأَوَّلُ: ثُبُوتُ الأَوْلَوِيَّةِ فِي المَوْرِدِ.
الثَّانِي: ثُبُوتُهَا بِنَحْوِ الجَزْمِ وَالقَطْعِ - لَا بِنَحْوِ الظَّنِّ - حَتَّى يَصِحَّ تَعْدِيَةُ الحُكْمِ مِنْ مَوْضُوعِهِ إِلَى مَوْضُوعٍ آخَرَ.
وَكِلَا الأَمْرَيْنِ مَفْقُودَانِ فِي المَقَامِ.. فَلَا يُوجَدُ نَصٌّ شَرْعِيٌّ يُثْبِتُ لَنَا أَوْلَوِيَّةَ تَقْدِيمِ الإِنْفَاقِ عَلَى الفُقَرَاءِ وَالمُحْتَاجِينَ عَلَى تَعْظِيمِ الشَّعَائِرِ، وَلَا يُوجَدُ ارْتِكَازٌ مُتَشَرِّعِيٌّ يُفْهَمُ مِنْهُ ذَلِكَ، وَلَا يُوجَدُ عُرْفٌ عُقَلَائِيٌّ مُتَسَالَمٌ يُمْكِنُ الرُّكُونُ إِلَيْهِ بضَمِيمَةِ الإِمْضَاءِ حَتَّى يُفْتِيَ الفَقِيهُ بلِحَاظِهِ. فَلَمْ يَبْقَ لِصَاحِبِ هَذَا القَوْلِ سِوَى التَّمَسُّكِ بِالظَّنِّ، وَالتَّمَسُّكُ بِالظَّنِّ لَا يُغْنِي مِنْ الحَقِّ شَيْئًا، فَلَا حُجَّةَ لِهَذِهِ الدَّعْوَى مُطْلَقًا.
اترك تعليق