هَلْ تَكْرَارُ الآيَاتِ فِي القُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بَشَرِيٌّ؟!!

رَقِيبٌ/ المَغْرِبُ/: تَكْرَارُ هَذِهِ الآيَاتِ ألَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ القُرْآنَ بَشَرِيٌّ وَلَيْسَ سَمَاوِيًّا؟      الطَّوْرُ 41. أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ.      القَلَمُ 47. أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ.      الزُّخْرُفُ 83. فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ.       المَعَارِجُ 42. فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ.       الوَاقِعَةُ 67. بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ.      القَلَمُ 27. بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ.      الحَدِيدُ 1. سَبَّحَ لِلهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.      الحَشْرُ 1. سَبَّحَ لِلهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.       الصَّفُّ 1. سَبَّحَ لِلهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.      يُونُسُ 48. وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ.      الأَنْبِيَاءُ 38. وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ.      النَّمْلُ 71. وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ.      سَبَأ 29. وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ.       يس 48. وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ.       المُلْكُ 25. وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ.

: اللجنة العلمية

     تَحِيَّةً طَيِّبَةً.

     لَمْ نَعْرِفْ وَجْهَ هَذِهِ الدَّعْوَى وَاقِعًا بِأَنَّ التَّكْرَارَ فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ يَجْعَلُهُ كَلَامًا بَشَرِيًّا وَلَيْسَ كَلَامًا مُنْزَلًا مِنْ اللهِ (عَزَّ وَجَلَّ).. هَلْ لِأَنَّ التَّكْرَارَ مُخِلٌّ بِالبَلَاغَةِ مَثَلًا، أَوْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَأْتِيَ فِي الكَلَامِ عِبَارَاتٌ مُكَرَّرَةٌ لِأَيِّ هَدَفٍ أَوْ غَرَضٍ كَانَ؟!!

     وَكِلَا الأَمْرَيْنِ بَاطِلَانِ.. فَالتَّكْرَارُ جُزْءٌ لَا يَتَجَزَّأُ مِنْ بَلَاغَةِ العَرَبِ، وَالإِتْيَانُ بِهِ لِأَهْدَافٍ وَأَغْرَاضٍ بَيَانِيَّةٍ جَائِزٌ جِدًّا بَلْ يَجِبُ فِي بَعْضِ الأَحْيَانِ، وَإِلَيْكَ البَيَانُ:

     قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ عَلَيْنَا أَنْ نُعَرِّفَ التَّكْرَارَ فِي الإصْطِلَاحِ مَا هُوَ:

     يَقُولُ الرَّاغِبُ فِي "التَّعْرِيفَاتِ" بِأَنَّهُ: (عِبَارَةٌ عَنْ الإِتْيَانِ بِشَيْءٍ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى) [التَّعْرِيفَاتُ 1: 113].

     وَعَنْ ابْنِ الأثِيرِ فِي "المَثَلِ السَّائِرِ": (هُوَ دِلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى المَعْنَى مُرَدَّدًا، كَقَوْلِكَ لِمَنْ تَسْتَدْعِيهِ: أَسْرِعْ أَسْرِعْ. فَإِنَّ المَعْنَى مُرَدَّدٌ، وَاللَّفْظُ وَاحِدٌ) [المَثَلُ السَّائِرُ فِي أَدَبِ الكَاتِبِ وَالشَّاعِرِ 2: 159].

     إِذَا عَرَفْنَا ذَلِكَ نَسْأَلُ الآنَ: هَلْ جَاءَ التَّكْرَارُ بِهَذَا الشَكْلِ فِي لُغَةِ العَرَبِ، وَهِيَ اللُّغَةُ الَّتِي نَزَلَ بِبَيَانِهَا القُرْآنُ الكَرِيمُ، قَالَ تَعَالَى: (إنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا) يُوسُفُ: 2؟!!

     يَقُولُ السُّيُوطِيُّ فِي "المُزْهِرِ فِي عُلُومِ اللُّغَةِ وَأَنْوَاعِهَا": (مِنْ سُنَنِ العَرَبِ: التَّكْرِيرُ وَالإِعَادَةُ إِرَادَةَ الإِبْلَاغِ بِحَسَبِ العِنَايَةِ بِالأَمْرِ. قَالَ الحَارِثُ بْنُ عَبَّادٍ:

     قَرِّبَا مَرْبَطَ النَّعَامَةِ مَنِّي ** لَقَحَتْ حَرْبُ وَائِلٍ عَنْ حِيَال.

     فَكَرَّرَ قَوْلَهُ: "قَرِّبَا مَرْبَطَ النَّعَامَةِ مِنِّي" فِي رُؤُوسِ أَبْيَاتٍ كَثِيرَةٍ عِنَايَةً بِالأَمْرِ، وَإِرَادَةَ الإِبْلَاغِ فِي التَّنْبِيهِ والتَّحذِيرِ). انْتَهَى. [المُزْهِرُ فِي عُلُومِ اللُّغَةِ 1: 332]. 

     وَجَاءَ عَنْ ابْنِ فَارِسٍ فِي "الصَّاحِبي فِي فِقْهِ اللُّغَةِ" قَوْلُهُ: (وَمِنْ سُنَنِ العَرَبِ: التَّكْرَارُ وَالإِعَادَةُ إِرَادَةَ الإِبْلَاغِ بِحَسَبِ العِنَايَةِ بِالأَمْرِ وَالمَوْقِفِ الخِطَابِي). انْتَهَى [الصَّاحِبي فِي فِقْهِ اللُّغَةِ 1: 127].

      وَجَاءَ عَنْ ابْنِ جِنِّي فِي كِتَابِهِ "الخَصَائِصِ": (اعْلَمْ أَنَّ العَرَبَ إِذَا أَرَادَتْ المَعْنَى مَكَّنَتْهُ، وَاحْتَاطَتْ لَهُ، فَمِنْ ذَلِكَ التَّوْكِيدُ، وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

     أَحَدُهُمَا: تَكْرِيرُ الأَوَّلِ بِلَفْظِهِ، وَهُوَ نَحْوُ: قَامَ زَيْدٌ قَامَ زَيْدٌ، وَضَرَبْتُ زَيْدًا ضَرَبْتُ، وَقَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ.

     والثَّاني: تَكْرِيرُ الأَوَّلِ بمَعنَاهُ، وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا لِلإِحَاطَةِ وَالعُمُومِ، وَالآخَرُ لِلتَّثْبِيتِ والتَّمكِينِ). انْتَهَى. [الخَصَائِصُ: 90].

     إِذَنْ تَبَيَّنَ لَنَا مِنْ كَلِمَاتِ أَهْلِ الإخْتِصَاصِ فِي اللُّغَةِ وَالبَلَاغَةِ أَنَّ التَّكْرَارَ لَيْسَ مُخِلًّا بِالبَلَاغَةِ مُطْلَقًا، بَلْ هُوَ مِنْ سُنَنِ العَرَبِ وَعَادَاتِهِمْ فِي الكَلَامِ إِذَا أَرَادُوا تَمْكِينَ المَعْنَى وَالعِنَايَةَ بِالأَمْرِ.. وَبِهَذِهِ اللُّغَةِ وَطُرُقِهَا البَلَاغِيَّةِ وَسُنَنِهَا جَاءَ القُرْآنُ الكَرِيمُ، فَتَسْقُطُ بِذَلِكَ هَذِهِ الشُّبْهَةُ الَّتِي أَرَادُوا بِهَا الطَّعْنَ بِسَمَاوِيَّةِ القُرْآنِ الكَرِيمِ.

       وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.