هَلْ ضَرَبَ القَوْمُ الزَّهْرَاءَ (ع) وَلَطَمُوا خَدَّهَا؟!!

أُمُّ أَحْمَدَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ. يَدُورُ فِي بَعْضِ مَوَاقِعِ الوَهَّابِيَّةِ أَنَّ العَالِمَ الشِّيعِيَّ آيَةَ اللَّهِ العُظْمَى الشَّيْخَ مُحَمَّد حُسَيْن آلَ كَاشِفِ الغِطَاءِ فِي كِتَابِهِ "جَنَّةِ المَأْوَى" (ص / 135) يَعْتَرِضُ عَلَى لَطْمِ السَّيِّدَةِ الزَّهْرَاءِ عَلَى خَدِّهَا مِنْ قِبَلِ الأَعْدَاءِ، وَذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَلَكِنَّ قَضِيَّةَ ضَرْبِ الزَّهْرَاءِ وَلَطْمَ خَدِّهَا مِمَّا لَا يَكَادُ يَقْبَلُهُ وِجْدَانِي، وَيَتَقَبَّلُهُ عَقْلِي، وَتَقْتَنِعُ بِهِ مَشَاعِرِي، لَا لِأَنَّ القَوْمَ يَتَحَرَّجُونَ وَيَتَوَرَّعُونَ مِنْ هَذِهِ الجُرْأَةِ العَظِيمَةِ، بَلْ لِأَنَّ السَّجَايَا العَرَبِيَّةَ وَالتَّقَالِيدَ الجَاهِلِيَّةَ الَّتِي رَكَّزَتْهَا الشَّرِيعَةُ الإِسْلَامِيَّةُ وَزَادَتْهَا تَأْيِيدًا وَتَأْكِيدًا، تَمْنَعُ بِشِدَّةٍ ضَرْبَ المَرْأَةِ، أَوْ تُمَدُّ إِلَيْهَا يَدُ سُوءٍ، حَتَّى إِنَّ بَعْضَ كَلِمَاتِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ مَا مَعْنَاهُ: أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ فِي الجَاهِلِيَّةِ إِذَا ضَرَبَ المَرْأَةَ يَبْقَى ذَلِكَ عَارًا فِي أَعْقَابِهِ وَنَسْلِهِ... إِلَى آخِرِه} نَرْجُو جَوَابَكُمْ عَلَى هَذِهِ الشُّبْهَةِ؟

: اللجنة العلمية

     الأُخْتُ أُمُّ أَحْمَدَ المُحْتَرَمَةُ.. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

     مَا أفَادَهُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ كَاشِفُ الغِطَاءِ (رَحِمَهُ اللهُ) فِي هَذَا الجَانِبِ يَدْخُلُ فِي بَابِ الظُّنُونِ، وَالظَّنُّ لَا يُغْنِي مِنْ الحَقِّ شَيْئًا إِذَا ثَبَتَ وُقُوعُ المَوْضُوعِ خَارِجًا.

     تَقُولُ: وَهَلْ ثَبَتَ وُقُوعُ هَذَا الأَمْرِ خَارِجًا مِنْ ضَرْبِ الزَّهْرَاءِ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) وَلَطْمِ خَدِّهَا؟!!

     نَقُولُ: لَقَدْ ثَبَتَتْ مَظْلُومِيَّةُ الزَّهْرَاءِ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) فِي أَغْلَبِ تَفَاصِيلِهَا مِنْ حَيْثُ غَصْبُ فَدَكٍ، وَالهُجُومُ عَلَى دَارِهَا، وَحَرْقُهَا، وَكَسْرُ ضِلْعِهَا، وَإِسْقَاطُ جَنَيْنِهَا، بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَمُعْتَبَرَةٍ فِي كُتُبِ الفَرِيقَيْنِ مَعًا (رَاجِعْ مَقَالَةَ "مَظْلُومِيَّةِ الزَّهْرَاءِ (ع) ثَابِتَةٌ فِي مَصَادِرِ الفَرِيقَيْنِ"، عَلَى مَوْقِعِنَا) وَبِالنِّسْبَةِ لِمَوْضُوعِ ضَرْبِهَا وَلَطْمِ خَدِّهَا فَقَدْ وَرَدَ بِأَسَانِيدَ بَعْضُهَا مُعْتَبَرٌ مِنْ طُرُقِنَا، نَذْكُرُ مِنْهَا:

     1 -  مَا جَاءَ فِي "الأمَالِي" لِلشَّيْخِ الصَّدُوقِ ص 197: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الوَلِيدِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى العَطَّارِ، جَمِيعًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى الأَشْعَرِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الرَّازِي، عَنْ الحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ البَطَائِنيِّ، عَنْ ابْنِ عُمَيْرةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عَ) قَالَ:

      بَينا أَنَا، وَفَاطِمَةُ، وَالحَسَنُ، وَالحُسَيْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ (ص) إِذْ الْتَفَتَ إِلَيْنَا فَبَكَى، فَقُلْتُ: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟!

      قَالَ: (أَبْكِي مِنْ ضَرْبَتِكَ عَلَى القَرْنِ، وَلَطْمِ فَاطِمَةَ خَدَّهَا). انْتَهَى.

      وَقَدْ وَصَفَ العَلَّامَةُ المَجْلِسِيُّ (رَحِمَهُ اللهُ) إِسْنَادَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِأَنَّهُ مُعْتَبَرٌ، فَرَاجِعْ "جَلَاءَ العُيُونِ"، ج 1 ص 189.

      2 - مَا رَوَاهُ ابْنُ قَوْلَوَيْهٍ فِي "كَامِل الزِّيَارَاتِ" بِسَنَدِهِ عَنْ حَمَّادَ بْنِ عُثمَانَ عَنْ الإِمَامِ الصَّادِقِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ (فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ): لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) إِلَى السَّمَاءِ قِيلَ لَهُ: إنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَخْتَبِرُكَ فِي ثَلَاثٍ لِيَنْظُرَ كَيْفَ صَبْرُكَ... وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَمَا يُلْقِي أَهْلُ بَيْتِكَ مِنْ بَعْدِكَ مِنْ القَتْلِ، أمَّا أَخُوكَ عَلِيٌّ فَيُلْقِي مِنْ أُمَّتِكَ الشَّتْمَ، وَالتَّعْنِيفَ، وَالتَّوْبِيخَ، وَالحِرْمَانَ، وَالجَحْدَ، وَالظُّلْمَ، وَآخِرُ ذَلِكَ القَتْلُ، فَقَالَ: يَا رَبِّ قَبِلْتُ وَرَضِيتُ وَمِنْكَ التَّوْفِيقُ وَالصَّبْرُ. وَأَمَّا ابْنَتُكَ فَتُظْلَمُ وَتُحْرَمُ وَيُؤْخَذُ حَقُّهَا غَصْبًا الَّذِي تَجْعَلُهُ لَهَا، وَتُضْرَبُ وَهِيَ حَامِلٌ، وَيُدْخَلُ عَلَيْهَا وَعَلَى حَرِيمِهَا وَمَنْزِلِهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ، ثُمَّ يَمَسُّهَا هَوَانٌ وَذِلٌّ ثُمَّ لَا تَجِدُ مَانِعًا، وَتَطْرَحُ مَا فِي بَطْنِهَا مِنْ الضَّرْبِ وَتَمُوتُ مِنْ ذَلِكَ الضَّرْبِ. انْتَهَى.

  3- وَجَاءَ عَنْ السَّيِّدِ ابْنِ طَاوُوسٍ فِي "زَوَائِدِ الفَوَائِدِ"، وَعَنْ كِتَابِ "المُخْتَصَرِ" لِلشَّيْخِ حَسَنِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ خَطِّ عَلِيِّ بْنِ مُظَاهِرٍ الوَاسِطيِّ بِإِسْنَادٍ مُتَّصِلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ العَلَاءِ الهَمَدَانيِّ الوَاسِطِيِّ.

  ثُمَّ نَقَلَهُ عَنْ كِتَابِ "المُخْتَصَرِ"، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: نَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ طَيٍّ، وَفِيهِ:

  إِنَّ ابْنَ أَبِي العَلَاءِ الهَمَدَانيِّ، وَيَحْيَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حويجٍ تَنَازَعَا فِي أَمْرِ ابْنِ الخَطَّابِ، فَتَحَاكَمَا إِلَى أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقُمِّيِّ صَاحِبِ الإِمَامِ الحَسَنِ العَسْكَرِيِّ، فَرَوَى لَهُمْ عَنْ الإِمَامِ العَسْكَرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ (ع): أَنَّ حُذَيْفَةَ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ (ص) حَدِيثًا مُطَوَّلًا يُخْبِرُ النَّبِيُّ (ص) فِيهِ حُذَيْفَةَ بْنَ اليَمَانِ عَنْ أُمُورٍ سَتَجْرِي بَعْدَهُ، ثُمَّ قَالَ حُذَيْفَةُ وَهُوَ يَذْكُرُ أَنَّهُ رَأَى تَصْدِيقَ مَا سَمِعَهُ:

      (.. وَحُرِّفَ القُرْآنُ، وَأُحْرِقَ بَيْتُ الوَحْيِ... إِلَى أَنْ قَالَ: وَلُطِمَ وَجْهُ الزَّكِيَّةِ). انْتَهَى [بِحَارُ الأَنْوَارِ: ج 95 ص 351 وَ 353 وَ 354 وَ ج 31 ص 126، وَعَنْ المُخْتَصَرِ لِلشَّيْخِ حَسَنِ بْنِ سُلَيْمَانَ: ص 44 - 55 (كَمَا فِي هَامِشِ البِحَارِ) وَذَكَرَ فِي الهَامِشِ أَيْضًا: أَنَّ الطَّبَرِيَّ قَدْ رَوَاهُ فِي دَلَائِلِ الإمَامَةِ، فِي الفَصْلِ المُتَعَلِّقِ بِأَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (ع)، وَرَوَاهُ الشَّيْخُ هَاشِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ (مِنْ عُلَمَاءِ القَرْنِ السَّادِسِ) فِي كِتَابِ "مِصْبَاحِ الأَنْوَارِ". وَالجَزَائِرِيُّ فِي الأَنْوَارِ النَّعْمَانِيَّةِ بِإِسْنَادٍ آخَرَ، فَرَاجِعْ مَأْسَاةَ الزَّهْرَاءِ (ع) ج2 ص 73].

      4- وَيَشْهَدُ لِاشْتِهَارِ هَذَا الأَمْرِ مِنْ ضَرْبِ الزَّهْرَاءِ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) مَا أَنْشَدَهُ السَّيِّدُ الحِمَيرِيُّ، وَهُوَ المُعَاصِرُ لِلإِمَامَيْنِ البَاقِرِ وَالصَّادِقِ (عَلَيْهِمَا السَّلَامُ) حَيْثُ قَالَ فِي شِعْرٍ لَهُ: 

  ضُرِبَتْ وَاهْتُضِمَتْ مِنْ حَقِّهَا.. وَأُذِيقَتْ بَعْدَهُ طَعْمَ السّلعِ 

  قَطَعَ اللهُ يَدَيْ ضَارِبِهَا.. وَيَدَ الرَّاضِي بِذَاكَ المتبعِ

  لَا عَفَى اللهُ لَهُ وَلَا.. كَفَّ عَنْهُ هَوْلَ يَوْمِ المُطَّلَعِ

  وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.