بِدْعَةُ الإسْتِمَاتَةِ فِي الدِّفَاعِ عَنْ بَنِي أُمَيَّةَ!

  أبُو مَعَاذٍ:      يَزِيدُ بْنُ أبِي سُفْيَانَ.      فَهُوَ مِمَّنْ يَجِبُ عَلَى الأُمَّةِ مَحَبَّتُهُ وَنُصْرَتُهُ وَالذُّبُّ عَنْ عِرْضِهِ الشَّرِيفِ.       هُوَ يَزِيدُ بْنُ أبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِ الأُمَوِيِّ.      أخُو مُعَاوِيَةَ بْنِ أبِي سُفْيَانَ، وَيُقَالُ لَهُ: يَزِيدُ الخَيْرِ. وَأُمُّهُ هِيَ زَيْنَبُ بِنْتُ نَوْفَلٍ الكِنَانِيَّةُ، وَهُوَ أخُو أُمِّ المُؤْمِنِينَ أُمِّ حَبِيبَةَ. (2)      قَالَ ابْنُ الأثِير (رَحِمَهُ اللهُ): (يُكَنَّى أبَا خَالِدٍ، وَلَمْ يُعَقِّبْ). (3)       قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبِيُّ (رَحِمَهُ اللهُ): (أسْلَمَ يَوْمَ الفَتْحِ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ وَكَانَ جَلِيلَ القَدْرِ شَرِيفًا سَيِّدًا فَاضِلًا). (4)      قَال الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ (رَحِمَهُ اللهُ):  (اسْتَعْمَلَهُ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي فَارِسٍ، وَكَانُوا أخْوَالَهُ). (5)      كَانَ مِنْ العُقَلَاءِ الألِبَّاءِ، وَالشُّجْعَانِ المَذْكُورِينَ، أسْلَمَ يَوْمَ الفَتْحِ، وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، وَشَهِدَ حُنَيْنًا، فَقِيلَ: إنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أعْطَاهُ مِنْ غَنَائِمِ حُنَيْنٍ مِئَةً مِنْ الإِبِلِ وَأرْبَعِينَ أوْقِيَةَ فِضَّةٍ، وَهُوَ أَحَدُ الأُمَرَاءِ الأَرْبَعَةِ الَّذِينَ نَدَبَهُمْ أبُو بَكْرٍ لِغَزْوِ الرُّومِ، عَقَدَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَمَشَى مَعَهُ تَحْتَ رِكَابِهِ يُسَايِرُهُ، وَيُوَدِّعُهُ، ويُوصِيهِ، وَمَا ذَلِكَ إِلَّا لِشَرَفِهِ وَكَمَالِ دِينِهِ. وَلَمَّا فُتِحَتْ دِمَشْقُ، أمَّرَهُ عُمَرُ عَلَيْهَا.(6)      وَعَلَى يَدَيْهِ كَانَ فَتْحُ قَيْسَارِيَّةَ الَّتِي بِالشَّامِ. (7)       قَالَ الإِمَامُ ابْنُ الجَوْزِيِّ (رَحِمَهُ اللهُ): (فَكَانَ أوَّلَ الأُمَرَاءِ الَّذِينَ خَرَجُوا إِلَى الشَّامِ). (8)      فَتَوْلِيَةُ الخُلَفَاءِ لَهُ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) دَلِيلٌ قَاطِعٌ عَلَى فَضْلِهِ وَمَنْزِلَتِهِ العَالِيَةِ.      قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ (رَحِمَهُ اللهُ): (وَعُمَرُ مِنْ أعْلَمِ النَّاسِ بِأحْوَالِ الرِّجَالِ، وأحْذَقِهِمْ فِي السِّيَاسَةِ، وَأبْعَدِ النَّاسِ عَنْ الهَوَى، لَمْ يُوَلِّ فِي خِلَافَتِهِ أحَدًا مِنْ أَقَارِبِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ يَخْتَارُ لِلوِلَايَةِ مَنْ يَرَاهُ أصْلَحَ لَهَا). (9)      كَانَ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) مِنْ المُحَدِّثِينَ الَّذِينَ بَلَغُوا حَدِيثَ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَأكْرِمْ بِهِ وَأنْعِمْ مِنْ شَرَفٍ وَفَضْلٍ.       حَيْثُ ذَكَرُهُ الإِمَامُ ابْنُ حَبَّانَ (رَحِمَهُ اللهُ) فِي كِتَابِهِ "تَارِيخِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ رَوَى عَنْهُمْ الأخْبَارَ"(1)      وَلَهُ حَدِيثٌ فِي الوُضُوءِ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه، وَلَهُ عَنْ أبِي بَكْرٍ، حَدَّثَ عَنْهُ أبُوعَبْدِ اللهِ الأشْعَرِيُّ، وَجَنَادَةُ بْنُ أبِي أُمَامَةَ. (11)      وَمِنْ عُلُوِّ قَدْرِهِ وَعَظِيمِ فَضْلِهِ أنَّهُ كَانَ يُفَضَّلُ عَلَى أَخِيهِ كَاتِبِ الوَحْيِ مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ يُفَضَّلُ عَلَى أَبِيهِ أيْضًا (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ).       قَالَ ابْنُ الأثِيرِ (رَحِمَهُ اللهُ): (كَانَ أفْضَلَ بَنِي أبِي سُفْيَانَ). (12)      قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ (رَحِمَهُ اللهُ): (وَكَانَ يَزِيدُ أكْبَرَ وَأفْضَلَ). (13)       قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ (رَحِمَهُ اللهُ): (كَانَ مِنْ خِيَارِ الصَّحَابَةِ رَجُلًا صَالِحًا، أفْضَلَ مِنْ أخِيهِ وَأبِيهِ). (14)      وَقَدْ شَهِدَ لَهُ الخَلِيفَةُ الرَّاشِدُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) بِالصَّلَاحِ وَالتَّقْوَى.      فَعَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ جَدِّهِ: أنَّ عُمَرَ دَعَا أبَا سُفْيَانَ يُعَزِّيهِ بِابْنِهِ يَزِيدَ بْنِ أبِي سُفْيَانَ، فَقَالَ لَهُ أبُو سُفْيَانَ: مَنْ جَعَلْتَ عَلَى عَمَلِهِ يَا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: جَعَلْتُ أخَاهُ مُعَاوِيَةَ، وَابْنَاكَ مُصْلِحَانِ، وَلَا يَحِلُّ لَنَا أنْ نَنْزِعَ مُصْلِحِينَ. (15)      وَمِنَ الأهَمِّيَّةِ بِمَكَانٍ التَّذْكِيرُ بِفَضِيلَةٍ عَظِيمَةٍ قَدْ نَالَ خَيْرَهَا كُلُّ مَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ولَوْ لَمْ تَثْبُتْ فِي حَقِّهِ فَضَائِلُ خَاصَّةٌ هِيَ فَضِيلَةُ رُؤْيَةِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).      قَالَ الإِمَامُ أحْمَدُ (رَحِمَهُ اللهُ): (فَأدْنَاهُمْ صُحْبَةٌ هُوَ أفْضَلُ مِنْ القَرْنِ الَّذِينَ لَمْ يَرَوْهُ وَلَوْ لَقُوا اللهَ بِجَمِيعِ الأعْمَالِ... وَمَنْ رَآهُ بِعَيْنِهِ وَآمَنَ بِهِ ولَوْ سَاعَةً أفَضَلَ بِصُحْبَتِهِ مِنْ التَّابِعِينَ وَلَوْ عَمِلُوا كُلَّ أعْمَالِ الخَيْرِ). (16)       قَالَ تَعَالَى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قِبَلِ الفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ الَّذِينَ أنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الحُسْنَى}.      قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ (رَحِمَهُ اللهُ) فِي "تَفْسِيرِهِ 6 / 552": ({وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الحُسْنَى} وَإِنَّمَا نَبَّهَ بِهَذَا لِئَلَّا يُهْدَرَ جَانِبُ الآخَرِ بِمَدْحِ الأَوَّلِ دُونَ الآخَرِ فَيُتَوَّهَمَ عِنْدَهُمْ ذَمُّهُ، فَلِهَذَا عَطَفَ بِمَدْحِ الآخَرِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ مَعَ تَفْضِيلِ الأَوَّلِ عَلَيْهِ).      تُوُفِّيَ يَزِيدُ فِي الطَّاعُونِ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ، وَلَمَّا احْتُضِرَ اسْتَعْمَلَ أخَاهُ مُعَاوِيَةَ عَلَى عَمَلِهِ، فَأقَرَّهُ عُمَرُ عَلَى ذَلِكَ احْتِرَامًا لِيَزِيدَ وَتَنْفِيذًا لَتَوْلِيَتِهِ. (17)      تَنْبِيهٌ مُهِمٌّ:       مِمَّا يَقَعُ فِيهِ الكَثِيرُ مِنْ الجَهَلَةِ فِي هَذَا البَابِ خَلْطُهُمْ بَيْنَ هَذَا الصَّحَابِيِّ الجَلِيلِ وَبَيْنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ.       يَقُولُ شَيْخُ الإِسْلَامِ (رَحِمَهُ الله): (لَيْسَ هَذَا هُوَ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ الَّذِي تَوَلَّى بَعْدَ مُعَاوِيَةَ الخِلَافَةَ، فَإِنَّ ذَلِكَ وُلِدَ فِي خِلَافَةِ عُثمَانَ لَمْ يَكُنْ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَكِنْ سُمِّيَ بِاسْمِ عَمِّهِ، فَطَائِفَةٌ مِنْ الجُهَّالِ يَظُنُّونَ يَزِيدَ هَذَا مِنْ الصَّحَابَةِ). (18)      وَفِي الأخِيرِ لاَبُدَّ مِنْ التَّذْكِيرِ بِأنَّ الذَّبَّ عَنْ كُلِّ الصَّحَابَةِ مِنْ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ مِنْ عَظِيمِ القُرْبِ الَّتِي يَسْعَدُ بِهَا أغَلَبُ السُّنَّةِ يَوْمَ القِيَامَةِ.      قَالَ الإِمَامُ الصَّابُونِي (رَحِمَهُ اللهُ): (فَمَنْ أحَبَّهُمْ، وَتَوَلَّاهُمْ، وَدَعَا لَهُمْ، وَرَعَى حَقَّهُمْ، وَعَرَفَ فَضْلَهُمْ، فَازَ فِي الفَائِزِينَ). (19)        وَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: (خُصْلَتَانِ مَنْ كَانَتَا فِيهِ" الصِّدْقُ وَحُبُّ أصْحَابِ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)" أرْجُو أنْ يَنْجُوَ وَيَسْلَمَ). (2)      وَقَالَ الإِمَامُ أحْمَدُ: أرْجُو لِمَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ أصْحَابُ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) الفَوْزَ غَدًا لِمَنْ أحَبَّهُمْ). (21)      وَهَذَا آخِرُ مَا أرَدْتُ بَيَانَهُ، نَفَعَنِي اللهُ بِمَا كَتَبْتُهُ يَوْمَ تَشِيبُ الوِلْدَانِ.       وَالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.      أبُو مَعَاذٍ مُحَمَّدٌ مُرَابِطٌ الجَزَائِرِيُّ

: اللجنة العلمية

     نَقُولُ فِي الجَوَابِ عَمَّا أوْرَدَهُ أبُو مَعَاذٍ:

     1-  الوُجُوبُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَأنْتَ أوْجَبْتَ عَلَى الأُمَّةِ المَحَبَّةَ وَالنُّصْرَةَ وَالذَّبَّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أبِي سُفْيَانَ عَلَى نَحْوِ الخُصُوصِ! فَهَلْ لَدَيْكَ يَا أبَا مَعَاذٍ نَصًّا خَاصًّا فِي ذَلِكَ حَتَّى نُصَدِّقَ مُدَّعَاكَ؟

    2- إِنْ كُنْتُمْ تُدْخِلُونَ دِفَاعَكُمْ المُسْتَمِيتَ عَنْ أزْلَامِ بَنِي أُمَيَّةَ ضِمْنَ حِرْصِكُمْ عَلَى كَرَامَةِ الصَّحَابَةِ وَالدِّفَاعِ عَنْهُمْ، فَلِمَاذَا لَا نَرَى غِيْرَتَكُمْ بِنَفْسِ هَذِهِ الوَتِيرَةِ فَتُوجِبُونَ عَلَى الأُمَّةِ البَرَاءَةَ مِنْ النَّوَاصِبِ وَتُخَطِّئُونَ مَنْ يَتَوَلَّى النَّوَاصِبَ الَّذِينَ يُبْغِضُونَ وَيَسُبُّونَ وَيَلْعَنُونَ عَلِيَّ بْنَ أبِي طَالِبٍ (عَ) مَعَ كَوْنِهِ صَحَابِيًّا، بَلْ مِنْ كِبَارِهِمْ، وَمِنْ أَهْلِ البَيْتِ الطَّاهِرِينَ، وَمِنْ السَّابِقِينَ الأَوَّلِينَ مِنْ المُهَاجِرِينَ، وَزَوْجِ البَتُولِ، وَأخِي الرَّسُولِ، وَأبِي السِّبْطَيْنِ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ!

     3- لَوْ كَانَ كَلَامُكَ صَحِيحًا وَإِيجَابُكَ شَرْعِيًّا لَمَا خَصَّ رَسُولُ اللهِ (ص) بِالذِّكْرِ وَمَيَّزَ بَعْضَ أَصْحَابِهِ دُونَ بَعْضٍ، مَعَ كَوْنِهِ هُوَ مَنْ يَفْهَمُ الدِّينَ وَالقُرْآنَ وَيُفَسِّرُهُ لَنَا وَيُبَيِّنُهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ). فَهَا هُوَ (ص) يَقُولُ لِخَالِدٍ - وَخَالِدٌ فِي مُصْطَلَحِكُمْ صِحَابِيٌّ - حِينَمَا آذَى عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: "دَعُوا لِي أصْحَابِي، فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ".

      4- لِمَاذَا لَمْ تَعْمَلُوا مِثْلَ هَذِهِ الحَمْلَةِ الحَرِيصَةِ عَلَى الصَّحَابَةِ مَعَ عَلِيٍّ (عَ)، مَعَ أنَّ رَسُولَ اللهِ (ص) خَصَّهُ بِالمُوَالَاةِ، وَالمَحَبَّةِ، وَالطَّاعَةِ، وَعَدَمِ السَّبِّ، وَعَدَمِ الأذَى، وَعَدَمِ عِصْيَانِهِ... إلَخ، بَلْ نَصَّ (ص) عَلَى أنَّهُ "لَا يُحِبُّهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَا يُبْغِضُهُ إلَّا مُنَافِقٌ". وَمَعَ ذَلِكَ تَتَوَلَّوْنَ مَنْ يُبْغِضُونَهُ، وَتَأخُذُونَ عَنْهُمْ دِينَكُمْ، وَتَجْعَلُونَهُمْ فِي أعْلَى دَرَجَاتِ الوَثَاقَةِ وَالصِّدْقِ، مَعَ أنَّ المُنَافِقَ قَدْ وَصَفَهُ النَّبِيُّ الأَعْظَمُ بِقَوْلِهِ: "إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذًا وَعَدَ أخْلَفَ، وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ" فَكَيْفَ نُصَدِّقُ غِيْرَتَكُمْ وَنُصْرَتَكُمْ للصَّحَابَةِ!!

     5- ثُمَّ إنَّنَا لَيْسَ لَدَيْنَا عَدَاءٌ شَخْصِيٌّ مَعَ أيِّ صَحَابِيٍّ، وَإِنَّمَا نَفْهَمُ مَوَاقِفَهُمْ وَنُقَيِّمُهُمْ بِأنْصَافٍ بَعِيدًا عَنْ الْغُلُوِّ وَعَنْ التَّعَصُّبِ لَهُمْ غَيْرِ المُبَرَّرِ، فَنُحَاوِلُ أنْ نُعْطِيَ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَبِالتَّالِي فَمِثْلُ يَزِيدَ الَّذِي أسْلَمَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، أيْ أنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الطُّلَقَاءِ لَا يُقَاسُونَ أبَدًا وَلَا يُدَانُونَ مَنْ آمَنَ قَبْلَ الفَتْحِ أوْ كَانَ مِنْ السَّابِقِينَ الأوَّلِينَ فَيُنْظَرُ إِلَى أعْمَالِهِ وَمَوَاقِفِهِ فَيُقَيَّمُ وِفْقَهَا عِلْمًا أنَّهُ مَاتَ مُبَكِّرًا، وَهَذَا مَا قَدْ يَجْعَلُهُ مِنْ غَيْرِ المُشَارِكِينَ بِالخُرُوجِ عَلَى خِلَافَةِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ وَسَبِّهِ وَبُغْضِهِ وَقِتَالِهِ، فَلَوْ لَمْ يَنْصُرْ البَاطِلَ وَأهْلَهُ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَوْقِفٌ سَلْبِيٌّ مَعَ أهْلِ البَيْتِ (عَ) فَنَحْنُ لَمْ وَلَنْ نَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ وَلَا نَذْكُرَهُ بِسُوءٍ أَصْلًا، فَمَنْ كَانَ حَسَنَ السِّيرَةِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمُتَّقِيًا لِلهِ تَعَالَى فَإِنَّنَا نَتَوَلَّاهُ وَنَجْعَلُهُ عَلَى العَيْنِ وَالرَّأسِ.

     6- وَلَوْ رَاجَعْتُمْ القُرْآنَ وَالسُّنَّةَ وَكَذَا لَوْ اطَّلَعْتُمْ عَلَى سِيرَتِهِ وَمَوَاقِفِهِ يَتَحَصَّلُ لَدَيْكُمْ أَنَّهُ كَانَ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ المَنْبُوذَةِ وَالمُتَّهَمَةِ حَتَّى يَتَثَبَّتَ العَكْسُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْهُمْ: (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أرَيْنَاكَ إلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ المَلْعُونَةَ فِي القُرْانِ). وَقَدْ وَرَدَ عَنْ رَسُولِ اللهِ (ص) فِي خُصُوصِهِمْ: "أنَّ جُبَيْرَ بْنَ مطعم قَالَ: مَشَيْتُ أنَا وَعُثمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَقُلْنَا: أعْطَيْتَ بَنِي المُطَّلِبِ مِنْ خُمْسِ خَيْبَرَ وَتَرَكْتَنَا وَنَحْنُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْكَ. فَقَالَ: إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو المُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ. قَالَ جُبَيْرٌ: وَلَمْ يُقَسِّمْ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَبَنِي نَوْفَلٍ شَيْئًا". رَوَاهُ البُخَارِيُّ (5 / 79).

      7- إِضَافَةً إِلَى وُرُودِ ذَمٍّ مُبَاشِرٍ فِي حَقِّهِ مِنْ قِبَلِ رَسُولِ اللهِ (ص) حِينَمَا أقْبَلَ أبُو سُفْيَانَ رَاكِبًا عَلَى بَعِيرٍ وَمَعَهُ وَلَدَاهُ مُعَاوِيَةُ وَيَزِيدُ أحَدُهُمَا يَقُودُهُ وَالآخَرُ يَسُوقُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (ص) لَمَّا رَآهُمْ: "لَعَنَ اللهُ الرَّاكِبَ وَالسَّائِقَ وَالقَائِدَ". أخْرَجَهُ الهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ زَوَائِدِهِ (1 / 113) وَقَالَ: رَوْاهُ البَزَّارُ وَرِجَالُهُ ثُقَاتٌ.

     فَلَا نَدْرِي بَعْدَ كُلِّ هَذِهِ الأدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ اللهِ وَرَسُولِهِ نُصَدِّقُهَا أمْ نُصَدِّقُ أُمَوِيًّا يَدْعُو لِإعْلَاءِ ذِكْرِ بَنِي أُمَيَّةَ فَيَخُصُّ بِالذِّكْرِ، وَيَدْعُو لِحَمْلَةٍ دِفَاعِيَّةٍ لِنُصْرَةِ أحَدِ أزْلَامِ النِّظَامِ الأُمَوِيِّ المَقِيتِ؟! إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ!