المُتْعَةُ لَيْسَتْ مَنْسُوخَةً، وَعُمَرُ مَنْ نَهَى عَنْهَا.

جَلِيلٌ:       القَوْلُ إنَّ قَوْلَ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: "لَمْ يَنْزِلْ قُرْآنٌ يُحَرِّمُ المُتْعَةَ" دَلِيلٌ عَلَى حِلِّيَّتِهَا.      نَقُولُ: إِنَّ هَذَا عَنْ مُتْعَةِ الحَجِّ، وَالحَدِيثُ أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ فِي كِتَابِ التَّفْسِيرِ "تَفْسِيرُ سُورَةِ البَقَرَةِ" بَابُ {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ}. وَأَوْرَدَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا فِي كِتَابِ (الحَج)!! وَأَطْبَقَ شُرَّاحُ صَحِيحِ البُخَارِيِّ كَالعَسْقَلَانِيِّ، وَالعَيْنِيِّ، وَالقَسْطَلَانِيِّ، وَشُرَّاحُ صَحِيحِ مُسْلِمٍ كَالنَّوَوِيِّ وَالمَازرِيِّ وَغَيْرِهِمْ عَلَى تَفْسِيرِ المُتْعَةِ هُنَا "بِمُتْعَةِ الحَجِّ".      القَوْلُ إِنَّ قَوْلَ جَابِرٍ: "حَتَّى نَهَى عُمَرُ عَنْ المُتْعَةِ" دَلِيلٌ عَلَى حِلِّيَّتِهَا.      نَقُولُ: إِنَّ الَّذِي اسْتَمْتَعَ فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ وَشَطْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّسْخُ، وَمِنْهُمْ جَابِرٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ نَفْسُهُ، كَمَا لَيْسَ فِي الحَدِيثِ دِلَالَةٌ عَلَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَرَى حِلَّهَا، إِذْ لَمْ يَذْكُرْ جَابِرٌ اطِّلَاعَ أَبِي بَكْرٍ عَلَى فَاعِلِهَا وَالرِّضَا بِهِ، كَمَا أَنَّ كُتُبَ السُّنَّةِ لَمْ تَذْكُرْ رَأْيَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي المُتْعَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَوقِفَهُ وَهُوَ المُلَازِمُ لِرَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِي جَمِيعِ غَزَوَاتِهِ وَأَغْلَبِ حَالَاتِهِ التَّحْرِيمُ لَهَا، وَالَّذِي نَقْصِدُهُ فِي هَذِهِ السُّطُورِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ البَعْض فَعَلَهَا أَوْ مَارَسَهَا فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَكُونَ مُطَّلِعًا عَلَيْهَا، وَلَوْ اطَّلَعَ الصِّدِّيقُ عَلَى فَاعِلِهَا فِي خِلَافَتِهِ لَوَقَفَ مِنْهَا مَوْقِفَ الفَارُوقِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، لِأَنَّ الفَارُوقَ فُعِلَتْ فِي عَهْدِهِ وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ جَابِرٍ الثَّانِي ثُمَّ اطَّلَعَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَنَهَى عَنْهَا وَقَالَ فِيهَا أَشَدَّ القَوْلِ وَتَوَعَّدَ مَنْ سَيَرْتَكِبُهُ وَيَفْعَلُهُ غَايَةَ التَّوَعُّدِ، وَلَعَلَّ السَّبَبَ فِي عَدَمِ اطِّلَاعِ الصِّدِّيقِ عَلَيْهَا لِكَوْنِهَا "نِكَاحَ سِرٍّ" حَيْثُ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهَا الإشْهَادُ، وَلَمَّا كَانَتْ خَالِيَةً عَنْ الإِعْلَانِ حَقَّ لَهَا أَنْ تَخْفَى عَلَى القَرِيبِ فَضْلًا عَنْ المُضْطَلِعِ بِأَعْبَاءِ الخِلَافَةِ وَأَمْرِ النَّاسِ كَافَّةً كَأَبِي بَكْرٍ.

: اللجنة العلمية

     1- أَمَّا جَوَابُنَا عَلَى سُؤَالِكُمْ الأَوَّلِ بِخُصُوصِ قَوْلِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: "لَمْ يَنْزِلْ قُرْآنٌ يُحَرِّمُ المُتْعَةَ". وَأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ عَنْ مُتْعَةِ الحَجِّ لَا النِّسَاءِ فَنَقُولُ:

      أ- نَصَّ حَدِيثُ عِمْرَانَ فِي البُخَارِيِّ (5 / 158) الَّذِي ذَكَرَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ) إِيحَاءً مِنْهُ بِأَنَّ الحَدِيثَ يَخُصُّ مُتْعَةَ الحَجِّ فَقَالَ: عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: نَزَلَتْ آيَةُ المُتْعَةِ فِي كِتَابِ اللهِ فَفَعَلْنَاهَا مَعَ رَسُولِ اللهِ (صَلّى اللهُ عليهِ وآلهِ) وَلَمْ يَنْزِلْ قُرْآنٌ يُحَرِّمُهَا وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا حَتَّى مَاتَ قَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ إِنَّهُ عُمَرُ.

     أَمَّا مُسْلِمٌ فَرَوَاهَا (4/48) بِعِدَّةِ طُرُقٍ وَأَلْفَاظٍ، وَمِنْهَا: قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: نَزَلَتْ آيَةُ المُتْعَةِ فِي كِتَابِ اللهِ وَأَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللهِ (ص) ثُمَّ لَمْ تَنْزِلْ آيَةٌ تَنْسَخُ (آيَةَ مُتْعَةِ الحَجِّ) وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا رَسُولُ اللهِ (ص) حَتَّى مَاتَ، قَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ بَعْدُ مَا شَاءَ.

     فَهَذَا الطَّرِيقُ فَقَطْ تَلَاعَبَ وَذَكَرَ أَنَّ الآيَةَ الَّتِي يَتَكَلَّمُ عَنْهَا عِمْرَانُ هِيَ آيَةُ مُتْعَةِ الحَجِّ.

     أَمَّا رِوَايَاتُ مُسْلِمٍ الكَثِيرَةُ الأُخْرَى، وَكَذَا رِوَايَتَيْ البُخَارِيِّ فَهِيَ كُلُّهَا خَالِيَةٌ مِنْ نِسْبَةِ الآيَةِ إِلَى مُتْعَةِ الحَجِّ.

      وَعِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ (ص) وَلَمْ يَنْزِلْ فِيهِ القُرْآنُ قَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ.

     وَقَالَ مُسْلِمٌ: وَقَالَ ابْنُ حَاتِمٍ فِي رِوَايَتِهِ: ارْتَأَى رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ يَعْنِي عُمَرَ.

     فَمِنْ العَجَبِ العُجَابِ أَنْ يَأْتِيَ هَؤُلَاءِ القَوْمُ وَيَسْتَدِلُّونَ بِالمُتَشَابَهِ وَيَتْرُكُونَ الْمُحْكَمَ مُصَوِّرِينَ لِلمُسْلِمِينَ عَدَمَ وُجُودِ دَلِيلٍ مِنْ آيَةٍ أَوْ رِوَايَةٍ أَوْ فِعْلٍ لِلسَّلَفِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ مُتْعَةِ النِّسَاءِ إِلَّا مِثْلَ هَذَا الحَدِيثِ المُخْتَلَفِ فِي أَلْفَاظِهِ بَيْنَ رِوَايَةٍ وَأُخْرَى، حَيْثُ إِنَّهُ رُوِيَ عِنْدَ البُخَارِيِّ وَأَكْثَرِ أَلْفَاظِ مُسْلِمٍ مِنْ دُونِ لَفْظِ مُتْعَةِ الحَجِّ، وَطَرِيقٌ وَاحِدٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ يَذْكُرُ فِيهِ أَنَّ مَقْصُودَهُ هُوَ مُتْعَةُ الحَجِّ، فَلَا نَدْرِي أَيَّةَ رِوَايَةٍ نُصَدِّقُ وَبِأَيِّهَا نَأْخُذُ?! مَعَ أَنَّ نَفْسَ قَوَاعِدِهِمْ العِلْمِيَّةِ وَتَعْرِيفِهِمْ لِلحَدِيثِ الصَّحِيحِ يَنُصُّونَ عَلَى صِحَّةِ وَقُبُولِ الحَدِيثِ الَّذِي يَرْوِيهِ الثِّقَاتُ بِشَرْطِ عَدَمِ شُذُوذِهِ، وَطَرِيقُ ذِكْرِ مُتْعَةِ الحَجِّ يُعْتَبَرُ شَاذًّا لِمُخَالَفَتِهِ لِرِوَايَةِ الثِّقَاتِ.

      وَبِالتَّالِي ،مِنَ المَعِيبِ التَّدْلِيسُ بِتَصْوِيرِ اقْتِصَارِ الإسْتِدْلَالِ عَلَى جَوَازِ مُتْعَةِ النِّسَاءِ بِرِوَايَةِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ مَعَ كَوْنِهَا تَقْبَلُ ذَلِكَ الإِسْتِدْلَالَ وَلَا تَأْبَاهُ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهَا; حَيْثُ لَا يُقَالُ مَعَ وُرُودِ آيَةٍ صَرِيحَةٍ بِجَوَازِ التَّمَتُّعِ إِلَى الحَجِّ بِعَدَمِ نُزُولِ آيَةٍ تَنْسَخُ حُكْمَهَا لِكَوْنِهَا هِيَ مُشَرَّعَةً عَنْ طَرِيقِ القُرْآنِ، وَلَكِنْ يَصِحُّ قَوْلُ ذَلِكَ عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ، هَذَا أَوَّلًا، وَكَذَلِكَ فَإِنَّ قَوْلَ عِمْرَانَ: (وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا رَسُولُ اللهِ (ص) حَتَّى مَاتَ) دَلِيلٌ ثَانٍ عَلَى قَصْدِهِ بِكَلَامِهِ مُتْعَةَ النِّسَاءِ، لِأَنَّ مُتْعَةَ الحَجِّ كَانَتْ فِي آخِرِ أَيَّامِ حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ (ص) فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: لَمْ يَنْزِلْ قُرْآنٌ يُحَرِّمُهُ بَعْدَ أَنْ نَزَلَ قُرْآنٌ يُشَرِّعُهُ أَصْلًا قَبْلَ ذَلِكَ بِأَيَّامٍ قَلِيلَةٍ فَقَطْ. وَهَذَا القَوْلُ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ إِلَّا فِي المُتْعَةِ الَّتِي فَعَلَهَا الصَّحَابَةُ لِسَنَوَاتٍ طَوِيلَةٍ حَيْثُ رَوَوْا فِي صِحَاحِهِمْ أَنَّهَا أُبِيحَتْ وَنُهِيَ عَنْهَا فِي سَبْعَةِ مَوَاضِعَ وَمُنَاسَبَاتٍ!!  وَثَالِثًا: إسْتِنْكَارُ عِمْرَانَ لِقَوْلِ عُمَرَ بِرَأْيِهِ بِخِلَافِ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِجْمَاعِ، وَمَعَ ذَلِكَ خَوْفُهُ مِنْ التَّصْرِيحِ بِإِنْكَارِهِ فِعْلَ عُمَرَ حَتَّى صَرَّحَ بِتَحَفُّظِهِ عَلَى قَوْلِهِ لِلرَّاوِي عَنْهُ وَهُوَ فِي أَيَّامِهِ الأَخِيرَةِ وَفِي مَرَضِ مَوْتِهِ! فَلَوْ كَانَ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ عَنْ مُتْعَةِ الحَجِّ وَلَيْسَ النِّسَاءِ لَمَا كَتَمَ هَذَا الأَمْرَ وَهَذَا التَّبْلِيغُ الوَاضِحُ البَيِّنُ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِاعْتِرَافِ الجَمِيعِ حَتَّى أَنَّهُمْ ذَكَرُوا فِي اعْتِذَارِهِمْ لِمُخَالَفَةِ عُمَرَ بِأَنَّهُ كَانَ يُرَجِّحُ عَدَمَ التَّمَتُّعِ فِي الحَجِّ تَرْغِيبًا مِنْهُ لِلنَّاسِ بِعَدَمِ الإِكْتِفَاءِ بِزِيَارَةِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ مَرَّةً فِي العَامِ، بَلْ حِرْصًا مِنْهُ عَلَى إفْرَادِ العُمْرَةِ بِالزِّيَارَةِ، وَهَذَا كُلُّهُ يُنَافِي مَنْطُوقَ حَدِيثِ عِمْرَانَ الَّذِي كَانَ يَسْتَنْكِرُ النَّهْيَ وَالتَّحْرِيمَ عَنْ المُتْعَةِ مَعَ عَدَمِ صُدُورِ رَادِعٍ أَوْ مُحَرَّمٍ لَهَا بَعْدَ إِبَاحَتِهَا!

      ب- إِنَّ إِقْرَارَكُمْ بِكَوْنِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ هُوَ مَنْ حَرَّمَ مُتْعَةَ الحَجِّ وَنَهَى عَنْهَا لَمِنْ دَوَاعِي تَصْدِيقِنَا بِمَا نَقُولُ بِأَنَّهُ شَخْصٌ يُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ وَرَسُولُهُ فَلَا تَصِحُّ طَاعَتُهُ وَتَصْدِيقُهُ وَمُتَابَعَتُهُ فِيمَا يَقُولُ وَيَفْعَلُ كَوْنُهُ بِاعْتِرَافِكُمْ نَهَى الصَّحَابَةَ وَالأُمَّةَ عَنْ فِعْلٍ مُبَاحٍ وَجَائِزٍ قَدْ بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ (ص) جَوَازَهُ وَإِبَاحَتَهُ بِأَوْضَحِ وَأَصْرَحِ بَيَانٍ وَبِمَا لَا غُبَارَ عَلَيْهِ، وَكَوْنُ عُمَرَ كَانَ دَيْدَنُهُ أَنْ يَعْمَلَ دَائِمًا بِعَقْلِيَّةِ الجَاهِلِيَّةِ وَإِحْيَاءِ أَحْكَامِهَا الَّتِي كَانَتْ تَسْتَنْكِرُ أَشْيَاءَ جَاءَ بِهَا الإِسْلَامُ فَأَعَادَهَا لِأَصْلِهَا وَلَمْ يَقْبَلْ الحُكْمَ الإِسْلَامِيَّ الجَدِيدَ فِيهَا كَتَغْيِيرِهِ مَكَانَ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَتَحْرِيمِهِ مُتْعَةَ الحَجِّ بِاسْتِنْكَارِهِ أَنْ يُقَارِبَ المُتَمَتِّعُ أَهْلَهُ فِي الأَشْهُرِ الحُرُمِ كَمَا كَانَ أَهْلُ الجَاهِلِيَّةِ يَسْتَنْكِرُونَ ذَلِكَ الفِعْلَ وَيَعْتَبِرُونَهُ مِنْ أَفْجَرِ الفُجُورِ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ قَوْلَهُ : (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الهَدْيِ) وَكَذَا نِكَاحُ المُتْعَةِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ مُتَعَارَفًا فِي الجَاهِلِيَّةِ مَعَ وُجُودِ وَانْتِشَارِ أَنْكِحَةٍ سِفَاحِيَّةٍ وَزِنَاءً وَدَعَارَةٍ.

     ت- وَيُعَكِّرُ عَلَى قَوْلِكُمْ بِإِطْبَاقِ شُرَّاحِ حَدِيثِ عِمْرَانَ عَلَى تَعَلُّقِهِ بِمُتْعَةِ الحَجِّ أَنَّهُ قَدْ اسْتَدَلَّ الفَخْرُ الرَّازِي فِي تَفْسِيرِهِ الكَبِيرِ (10 / 53) وَأَبُو حَيَّانَ الأَنْدَلُسِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ (3 /218) وَالثَّعْلَبِيُّ المُتَوَفَّى 427 ه فِي تَفْسِيرِهِ الكَشْف وَالبَيَان (3/286) بِرِوَايَةِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَلَى جَعْلِهِ مِمَّنْ يَقُولُونَ بِنُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) فِي مُتْعَةِ النِّسَاءِ.

     وَقَدْ أَكَّدَ القُرْطُبِيُّ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ مِنْ الصَّحَابَةِ القَائِلِينَ بِجَوَازِ مُتْعَةِ النِّسَاءِ، فَنَقَلَ عَنْ الطَّرْسُوسيِّ فِي تَفْسِيرِهِ (5 / 133) قَوْلَهُ: وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي نِكَاحِ المُتْعَةِ إِلَّا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَبَعْضُ الصَّحَابَةِ، وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ البَيْتِ... أه

      وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ احْتِمَالِ كَوْنِ مَقْصُودِ عِمْرَانَ فِي حَدِيثِهِ الكَلَامَ عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ وَلَيْسَ مُتْعَةَ الحَجِّ الَّتِي اسْتَدَلَّ جُمْهُورُ القَوْمِ بِهَا بَعْدَ تَحْرِيفِهَا!

     وَبِذَلِكَ يَتَبَيَّنُ عَدَمُ انْفِرَادِ الشِّيعَةِ بِفَهْمِ رِوَايَةِ عِمْرَانَ عَلَى أَنَّهُ فِي مُتْعَةِ النِّسَاءِ وَلَيْسَ مُتْعَةَ الحَجِّ، وَلَكِنَّ القَوْمَ حَرَّفُوهُ وَتَلَاعَبُوا بِهِ لِيَتَخَلَّصُوا مِنْهُ فَجَعَلُوا الكَلَامَ عَنْهُ وَالإِسْتِشْهَادَ بِهِ فِي أَبْوَابِ الحَجِّ وَلَيْسَ النِّكَاحَ )وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ).

    2- وَأَمَّا جَوَابًا عَلَى سُؤَالِكُمْ الثَّانِي حَوْلَ رِوَايَةِ جَابِرٍ وَقَوْلِهِ فِيهَا: (حَتَّى نَهَى عُمَرُ عَنْ المُتْعَةِ) وَتَعْلِيقُكَ عَلَيْهِ فَنَقُولُ:

     أ- يَفْتَرِضُ جَنَابُ الأَخِ السَّائِلِ أَنَّ عُذْرَ عُمَرَ فِي التَّحْرِيمِ وَالنَّهْيِ عَنْ المُتْعَةِ فِي فَتْرَةٍ مُتَأَخِّرَةٍ مِنْ حُكْمِهِ يَكْشِفُ عَنْ عَدَمِ عِلْمِهِ - وَمِنْ قَبْلِهِ أَبُو بَكْرٍ - بِتَمَتُّعِ الكَثِيرِ مِنْ الصَّحَابَةِ كَوْنُهُ عَقْدًا سِرِّيًّا لَا يَشْتَرِطُ الشُّهُودَ، وَلِذَلِكَ حِينَمَا عَلِمَ عُمَرُ بِتَمَتُّعِ الصَّحَابَةِ أَيْ بَعْدَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِ سَنَوَاتٍ عَلَى وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ (ص) قَامَ بِالمَنْعِ وَالتَّحْرِيمِ لِهَذِهِ المُمَارَسَةِ الَّتِي اعْتَادَهَا الصَّحَابَةُ وَاسْتَشْرَتْ بَيْنَهُمْ، وَيَبْدُو أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَجْهَلُ هَذَا الحُكْمَ إِلَّا الخَلِيفَتَانِ!

     ب- ثُمَّ يَفْتَرِضُ الأَخُ المُشْكِلُ بِأَنَّ كُلَّ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ مَارَسُوا هَذَا النِّكَاحَ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ بِالنَّسْخِ لَيْسَ إِلَّا، وَلِذَلِكَ هُمْ تَمَتَّعُوا وَأَبَاحُوا مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ حَتَّى تَنَبَّهَ خَلِيفَتُهُمْ بَعْدَ غَفْلَةٍ أَنَّهُمْ لطَالَمَا ارْتَكَبُوا مُحَرَّمًا مَنْسُوخًا غَيْرَ جَائِزٍ وَيَسْتَحِقُّونَ عَلَيْهِ الرَّجْمَ، وَلَكِنَّهُمْ جَمِيعًا كَانُوا يَرْتَكِبُونَ ذَلِكَ المَحَرَّمَ لِجَهْلِهِمْ بِتَحْرِيمِهِ وَنَسْخِ إِبَاحَتِهِ! مَعَ العِلْمِ أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ رَوَوْا أَنَّ تَحْرِيمَ رَسُولِ اللهِ (ص) لِلمُتْعَةِ حَصَلَ سَبْعَ مَرَّاتٍ عَدًّا وَنَقْدًا!!

     ت- ثُمَّ افْتَرَضَ السَّائِلُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ بِمُمَارَسَةِ (البَعْضِ) لِهَذَا الفِعْلِ القَبِيحِ لِخَفَائِهِ وَلِسِرِّيَّتِهِ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَوْ عَلِمَ بِهِمْ لَوَقَفَ مِنْهُمْ بِنَفْسِ مَوْقِفِ عُمَرَ مِنْهُ! نَاسِيًا أَوْ مُتَنَاسِيًا تَصْرِيحَ الصَّحَابَةِ بِأَنَّهُمْ فَعَلُوهَا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللهِ (ص)، وَأَبِي بَكْرٍ، وَشَطْرًا مِنْ زَمَنِ تَوَلِّي عُمَرَ، ثُمَّ نَهَى عَنْهَا عُمَرُ وَلَمْ يَقُلْ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةُ: كُنَّا نَجْهَلُ حُكْمَ المُتْعَةِ ثُمَّ عَلِمْنَا أَوْ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بِحُكْمِهَا فَانْتَهَيْنَا!!

     ث- قَدْ أَجْمَعَتْ الرِّوَايَاتُ وَكُلُّ مَنْ رَوَى عَمَلَهُ بِالمُتْعَةِ بِأَنَّ مَنْ نَهَى عَنْهَا وَلَيْسَ مَنْ بَلّغَهُمْ النَّهْيَ وَالتَّحْرِيمَ إِنَّمَا هُوَ عُمَرُ وَلَيْسَ اللهُ وَرَسولُهُ!!

     فَهَلِ الصَّحَابَةُ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ تَبْلِيغِهِمْ الحُكْمَ وَإِعْلَامِهِمْ بِهِ وَبَيْنَ إِصْدَارِ الحُكْمِ وَتَشْرِيعِهِ حَتَّى تَقُولُوا مَا قُلْتُمْ تَلْمِيعًا وَاتِّبَاعًا لِلبَاطِلِ!؟ مَعَ مُلَاحَظَةِ رِوَايَتِهِمْ وَقَوْلِهِمْ بِأَنَّ المُتْعَةَ أُبِيحَتْ وَحُرِّمَتْ فِي سَبْعَةِ مَوَاضِعَ وَمُنَاسَبَاتٍ، وَالمُصِيبَةُ الكُبْرَى عَدَمُ وُجُودِ مَوْرِدٍ وَاحِدٍ مِنْهَا يَنْقُلُهُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، فَهُوَ لَيْسَ مِنْ رُوَاةِ رِوَايَاتِ تَحْرِيمِ المُتْعَةِ البَتَّةَ، وَمَا أَكْثَرَهَا وَأَكْثَرَ رُوَاتِهَا عِنْدَهُمْ، فَكَيْفَ مَعَ هَذَا يُقَالُ إِنَّ عُمَرَ كَانَ يَعْلَمُ بِالتَّحْرِيمِ، وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ بِالنَّسْخِ وَالتَّحْرِيمِ، وَكَانُوا يُمَارِسُونَ السِفَاحَ وَهُمْ جَاهِلُونَ حَتَّى إنْتَشَرَ وَاسْتَشْرَى وَظَهَرَ بَعْدَ أَنْ كَانَ خَفِيًّا مَحْدُودًا لِسِرِّيَّتِهِ!؟

     ج- إِنَّ الرِّوَايَاتِ جَاءَتْ لِتُصَرِّحَ بِأَنَّ عُمَرَ هُوَ مَنْ نَهَى عَنْهَا وَحَرَّمَهَا وَلَيْسَ مَنْ نَقَلَ لَهُمْ حُكْمَ نَسْخِهَا، نَاهِيكَ عَنْ نَقْلِهِمْ السَّبَبَ الَّذِي دَعَا عُمَرَ لِتَحْرِيمِهَا وَهُوَ مَا زَعَمُوهُ مِنْ قِصَّةِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ وَطَرِيقَتِهِ اللَّا أَخْلَاقِيَّةِ فِي التَّمَتُّعِ، وَكَذَا قِصَّةِ الرَّبِيعِ بْنِ عُتْبَةَ الَّذِي أَحْبَلَ أَمَةً مُوَلِّدَةً!

    ح- دَعْوَاكُمْ هَذِهِ مُفْتَقِرَةٌ لِلدَّلِيلِ، بَلْ مُخَالِفَةٌ لِلأَدِلَّةِ الصَّرِيحَةِ، فَكَيْفَ نَتْرُكُ الأَدِلَّةَ وَنَتْبَعُ تَرْقِيعَاتٍ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مَنْ سُلْطَانٍ؟!

     فَهَا هُوَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ يُصَرِّحُ بِضِرْسٍ قَاطِعٍ بَعِيدًا عَنْ تَخَيُّلَاتِكُمْ وَتَأوِيلَاتِكُمْ، فَهُوَ يَقُولُ كَمَا رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ (4 / 131) عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ فَأَتَاهُ آتٍ فَقَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ اخْتَلَفَا فِي المُتْعَتَيْنِ فَقَالَ جَابِرٌ: "فَعَلْنَاهُمَا مَعَ رَسُولِ اللهِ (ص) ثُمَّ نَهَانَا عَنْهُمَا عُمَرُ فَانْتَهَيْنَا".

     فَهَا هُوَ كَلَامُ جَابِرٍ وَاضِحٌ وَهُوَ عَرَبِيٌّ وَمِنْ كِبَارِ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ يُجِيبُ فِي مَوْرِدِ اخْتِلَافٍ فِي حُكْمِ المُتْعَتَيْنِ بَيْنَ صَحَابِيَّيْنِ صَغِيرَيْنِ، فَكَيْفَ لَا يُبَيِّنُ أَنَّهُمَا مُحَرَّمَتَانِ أَوْ إِحْدَاهُمَا حَرَامٌ، بَلْ صَرَّحَ بِكُلِّ وُضُوحٍ بِأَنَّ مَنْ نَهَى عَنْهُمَا هُوَ نَفْسُهُ عُمَرُ وَلَيْسَ غَيْرَهُ، وَأَخْبَرَ بِأَنَّ انْتِهَاءَ النَّاسِ عَنْهُمَا كَانَ خَوْفًا أَوْ طَاعَةً لِنَهْيِّ عُمَرَ وَلَيْسَ طَاعَةً للهِ وَلِرَسُولِهِ أَبَدًا وَهُوَ فِي مَقَامِ البَيَانِ!

     وَأَصْرَحُ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ (3/325) حَيْثُ قَالَ جَابِرٌ فِيهَا: مُتْعَتَانِ كَانَتَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ (ص) فَنَهَانَا عَنْهُمَا عُمَرُ فَانْتَهَيْنَا. وَمِنْ الوَاضِحِ القَطْعِيِّ أَنَّهُ لَا يُشِيرُ إِلَى النَّسْخِ أَوْ الجَهْلِ أَبَدًا.

     وَأَصْرَحُ مِنْهُمَا مَا رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ الكُبْرَى (7 / 206) بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ (أَبُو نَضْرَةُ): قُلْتُ: إِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَنْهَى عَنْ المُتْعَةِ وَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَأْمُرُ بِهَا!؟ قَالَ (جَابِرٌ): عَلَى يَدَيْ جَرَى الحَدِيثُ تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ (ص) وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ، فَلِمَا وَلَّى عُمَرُ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ (ص) هَذَا الرَّسُولُ، وَإِنَّ هَذَا القُرْآنَ هَذَا القُرْآنُ، وَإِنَّهُمَا كَانَتَا مُتْعَتَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ (ص) وَأَنَا أَنْهَى عَنْهُمَا وَأُعَاقِبُ عَلَيْهِمَا، إِحْدَاهُمَا: مُتْعَةُ النِّسَاءِ وَلَا أَقْدِرُ عَلَى رَجُلِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً إِلَى أَجَلٍ إِلَّا غَيَّبْتُهُ بِالحِجَارَةِ، وَالأُخْرَى: مُتْعَةُ الحَجِّ، إفْصِلُوا حَجَّكُمْ مِنْ عُمْرَتِكُمْ فَإِنَّهُ أَتَمُّ لِحَجِّكُمْ وَأَتَمُّ لِعُمْرَتِكُمْ - أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ همامٍ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بِعَيْنِهِ وَلَكِنَّهُ اقْتَطَعَ مِنْهُ.

     خ- وَجَابِرٌ (جَزَاهُ اللهُ خَيْرًا) يَأْتِي مَرَّةً أُخْرَى لِيُسَجِّلَ لَنَا وَلِلتَّأْرِيخِ مَوْقِفَهُ المُشَرِّفَ فَيُصَرِّحُ بِسَبَبِ نَهْيِ عُمَرَ عَنْ المُتْعَةِ فَقَالَ كَمَا يَرْوِيهِ عَنْهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ (4 / 131): "كُنَّا نَسْتَمْتِعُ بِالقَبْضَةِ مِنْ التَّمْرِ وَالدَّقِيقِ الأَيَّامَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ (ص) وَأَبِي بَكْرٍ، حَتَّى نَهَى عَنْهُ عُمَرُ فِي شَأْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ.

     وَلَمْ يَقُلْ جَابِرٌ لِافْتِضَاحِ أَمْرِنَا أَوْ لِكَوْنِنَا نَجْهَلُ نَسْخَهَا... إلَخ، وَإِنَّمَا قَالَ: نَهَى عَنْهَا عُمَرُ فِي شَأْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ! فَلْنَرَى مَاذَا فَعَلَ الصَّحَابِيُّ ابْنُ حُرَيْثٍ لِيَلْجَأَ عُمَرُ إلى تَحْرِيمِهَا!؟

     أَمَّا قِصَّةُ ابْنِ حُرَيْثٍ فَهِيَ كَمَا يَرْوِيهَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ (7/497) عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: لَأَوَّلُ مَنْ سَمِعْتُ مِنْهُ المُتْعَةَ صَفْوَانُ بْنُ يَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَنْ يَعْلَى أَنَّ مُعَاوِيَةَ اسْتَمْتَعَ بِامْرَأَةٍ بِالطَّائِفِ، فَأَنْكَرْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَدَخَلْنَا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَذَكَرَ لَهُ بَعْضُنَا، فَقَالَ لَهُ: نَعَمْ (يَعْنِي هِيَ حَلَالٌ). فَلَمْ يُقِرَّ فِي نَفْسِي، حَتَّى قَدِمَ جَابِرُ ابْنُ عَبْدِ اللهِ، فَجِئْنَاهُ فِي مَنْزِلِهِ، فَسَأَلَهُ القَوْمُ عَنْ أَشْيَاءَ، ثُمَّ ذَكَرُوا لَهُ المُتْعَةَ، فَقَالَ: نَعَمْ (وَيَقْصِدُ أَنَّهَا حَلَالٌ (اسْتَمْتَعْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ (ص)، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي آخِرِ خِلَافَةِ عُمَرَ اسْتَمْتَعَ عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ بِامْرَأَةٍ - سَمَّاهَا جَابِرٌ فَنَسِيتُهَا - فَحَمَلَتْ المَرْأَةُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ فَدَعَاهَا فَسَأَلَهَا قَالَتْ: نَعَمْ )يَعْنِي اعْتَرَفَتْ بِتَمَتُّعِهَا مَعَ عَمْرٍو) قَالَ (عُمَرُ): مَنْ أَشْهَدَ؟ قَالَ عَطَاءٌ: لَا أَدْرِي قَالَتْ: أُمِّي، أَمْ وَلِيُّهَا. قَالَ (عُمَرُ): فَهَلَّا غَيْرُهُمَا!؟ قَالَ: خُشِيَ أَنْ يَكُونَ دغلاّ الآخَرَ.

     قَالَ عَطَاءٌ: وَسَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: يَرْحَمُ اللهُ عُمَرَ، مَا كَانَتْ المُتْعَةُ إِلَّا رُخْصَةً مِنْ اللهِ (عَزَّ وَجَلَّ) رَحِمَ بِهَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ (ص)، فَلَوْلَا نَهْيُهُ عَنْهَا مَا احْتَاجَ إِلَى الزِّنَا إِلَّا شَقِّيٌّ.    

     وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ وَاضِحَةٌ فِي إِثْبَاتِ سَمَاعِ عُمَرَ بِالمُتْعَةِ دُونَ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهَا حَرَامٌ، وَلَكِنَّهُ اسْتَنْكَرَ قَرَابَةَ الشُّهُودِ عَلَى المَرْأَةِ وَاكْتِفَاءَهُمْ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ فَقَطْ فَلَا تَتمُّ الشَّهَادَةُ فَتَضِيعُ الحُقُوقُ وَتَسْتَحْكِمُ المَشَاكِلُ.

     وَوَاضِحٌ جِدًّا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَنْسِبُ النَّهْيَ لِعُمَرَ وَأَنَّ نَهْيَهُ كَانَ مَفْسَدَةً عَظِيمَةً جَرَّتِ الوَيْلَاتَ وَتَسَبَّبَتْ فِي وُقُوعِ الأُمَّةِ فِي الزِّنَا.

     أَمَّا القِصَّةُ الثَّانِيَةُ المُصَرِّحَةُ بِسَبَبِ نَهْيِ عُمَرَ عَنْ المُتْعَةِ وَيَرْوِيهَا أَيْضًا عَبْدُ الرَّزَّاقِ (7 / 499) بِالإِسْنَادِ الصَّحِيحِ جِدًّا كَسَابِقِهِ، فَهِيَ مَا رَوَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَرْعَ عُمَرُ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ إِلَّا أُمَّ أَرَاكَةَ قَدْ خَرَجَتْ حُبْلَى، فَسَأَلَهَا عُمَرُ عَنْ حَمْلِهَا، فَقَالَتْ: اسْتَمْتَعَ بِي سَلْمَةُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ. فَلَمَّا أَنْكَرَ صَفْوَانُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ بَعْضَ مَا يَقُولُ فِي ذَلِكَ، قَالَ: فَسَلْ عَمَّكَ هَلْ اسْتَمْتَعَ؟

     أَمَّا قِصَّةُ تَمَتُّعِ رَبِيعَةَ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ فَرَوَاهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ كَامِلَةً (7/503)،  وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي مُوَطّئِهِ أَيْضًا، وَعَنْهُ البَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ: عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ ابْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَبِيعَةَ بْنَ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ تَزَوَّجَ مُوَلِّدَةً مِنْ مُوَلِّدَاتِ المَدِينَةِ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ، وَكَانَتْ امْرَأَةً صَالِحَةً، فَلَمْ يَفْجَأْهُمْ إِلَّا الوَلِيدَةُ قَدْ حَمَلَتْ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ خَوْلَةُ لِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، فَقَامَ يَجُرُّ صنفَةَ رِدَائِهِ مِنْ الغَضَبِ، حَتَّى صَعِدَ المِنْبَرَ فَقَالَ: إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رَبِيعَةَ بْنَ أُمَيَّةَ تَزَوَّجَ مُوَلِّدَةً مِنْ مُوَلِّدَاتِ المَدِينَةِ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ، وَإِنِّي لَوْ كُنْتُ تَقَدَّمْتُ فِي هَذَا لَرُجِمْتُ.

      وَوَاضِحٌ مِنْهُ أَيْضًا عَدَمُ اكْتِفَاءِ عُمَرَ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ عَلَى المُتْعَةِ.

     وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ قِصَّةَ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ وَسَبَبَ نَهْيِ عُمَرَ عَنْهَا لِأَجْلِ عَدَمِ الإِهْتِمَامِ بالإشْهَادِ عَلَيْهَا فَقَالَ فِي مُصَنَّفِهِ (7 / 500) عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: قَدِمَ عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ مِنْ الْكُوفَةِ فَاسْتَمْتَعَ بمولاة، فَأَتَى بِهَا عُمَرَ وَهِيَ حُبْلَى، فَسَأَلَهَا، فَقَالَتْ: اسْتَمْتَعَ بِي عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ، فَسَأَلَهُ، فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ أَمْرًا ظَاهِرًا، قَالَ: فَهَلَّا غَيْرُهُمَا? فَذَلِكَ حِينَ نَهَى عَنْهَا. قَالَ ابْنُ جريج: وَأَخْبَرَنِي مَنْ أَصْدَقَ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ بِالْكُوفَةِ: لَوْلَا مَا سَبَقَ مِنْ رَأْيِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ – أَوْ قَالَ: مِنْ رَأْيِ ابْنِ الخَطَّابِ – لأَمَرْتُ بِالمُتْعَةِ، ثُمَّ مَا زَنَا إلَّا شَقِيٌّ.

     فَهَا هُوَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ وَمِنْ قَبْلِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ يُصَرِّحُونَ بِأَنَّ عُمَرَ هُوَ مَنْ نَهَى عَنْ المُتْعَةِ وَأَنَّ ذَلِكَ النَّهْيَ سَبَّبَ ضَرَرًا وَمَفْسَدَةً لِلأُمَّةِ ، نَاهِيكَ عَنْ كُلِّ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا وَالَّتِي تُثْبِتُ أَنَّ مَنْ نَهَى النَّاسَ عَنْهَا إِنَّمَا هُوَ عُمَرُ وَلَمْ يَكُنْ نَاقِلًا لِلنَّهْيِ، بَلْ كَمَا نَرَاهُ لَمْ يَسْتَنْكِرْ المُتْعَةَ أَصْلًا، وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ وَانْتَقَدَ طَرِيقَةَ الإِشْهَادِ، وَمِنْ ثَمَّ نَهَاهُمْ فَانْتَهَوْا كَمَا قَالَ جَابِرٌ: اسْتَمْتَعْنَا أَصْحَابَ النَّبِيِّ (ص) حَتَّى نُهِيَ عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ.

     وَفِي لَفْظٍ: كُنَّا نَسْتَمْتِعُ بِالقَبْضَةِ مِنْ التَّمْرِ وَالدَّقِيقِ أَيَّامَ عَهْدِ رَسُولِ اللهِ (ص) وَأَبِي بَكْرٍ حَتَّى نُهِيَ النَّاسُ فِي شَأْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ.

     فَتَبَيَّنَ بِوُضُوحٍ أَنَّ الصَّحَابَةَ فَعَلُوهَا وَانْتَشَرَتْ بَيْنَهُمْ وَلَمْ يَجْرُؤْ عُمَرُ عَلَى تَحْرِيمِهَا حَتَّى حَصَلَتْ مُشْكِلَةُ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ الَّذِي حَمَلَتْ زَوْجَتُهُ مِنْ المُتْعَةِ وَلَمْ يَكُنْ قَدْ أَشْهَدَ شَاهِدَيْ عَدْلٍ حَتَّى يُثْبِتَ حَقَّ المَرْأَةِ وَحَقَّ الوَلَدِ، فَارْتَأَى الرَّجُلُ أَنْ يُشَرِّعَ فَشَرَّعَ التَّحْرِيمَ، وَاللهُ العَالِمُ.