الحِكْمَةُ مِنْ أَمْرِ اللهِ لِلْخِضْرِ بِقَتْلِ الغُلَامِ.
لُؤَي / سُورِيَا: سُؤَالٌ يُحَيِّرُنِي، لِمَاذَا أَمَرَ اللهُ الخِضْرَ بِقَتْلِ الغُلَامِ؟
الأَخُ لُؤَي المُحْتَرَمُ.. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.
لَقَدْ أَجَابَ الخِضْرُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) نَفْسُهُ عَلَى سُؤَالِكَ هَذَا، فَقَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْهُ: {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا} الكَهْفُ: 80 وَ 81.
قَدْ تَقُولُ - وَرُبَّمَا هَذَا هُوَ مَحَلُّ الحَيْرَةِ عِنْدَكَ -: إِنَّ هَذَا الغُلَامَ لَمْ يَبْدُرْ مِنْهُ شَيْئًا لِحَدِّ الآنَ، وَإِنَّمَا عُوقِبَ عَلَى أَمْرٍ مُسْتَقْبَلِيٍّ قَدْ يَصْدُرُ عَنْهُ، فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ؟!!
الجَوَابُ: المُسْتَفَادُ مِنْ ظَاهِرِ الآيَاتِ فِي الحَادِثَةِ أَنَّ هَذَا الغُلَامَ كَانَ بَالِغًا وَلَمْ يَكُنْ صَبِيًّا صَغِيرًا كَمَا قَدْ يُتَبَادَرُ إِلَى الذِّهْنِ، وَالدَّلِيلُ هُوَ قَوْلُ مُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لِلخِضْرِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) حِينَ قَتَلَ الغُلَامَ: ﴿أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ﴾ الكَهْفُ:74، فَمِثْلُ هَذَا الخِطَابِ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ غَيْرِ البَالِغِ; لِأَنَّ غَيْرَ البَالِغِ لَا يُقَالُ فِي حَقِّهِ: أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْ نَفْسًا فَلِمَاذَا قَتَلْتَهُ، بَلْ هَذَا الكَلَامُ يَصِحُّ فِي حَقِّ البَالِغِ فَقَطْ، فَهُوَ الَّذِي يُقَالُ فِيهِ: لِمَ قَتَلْتَهُ وَهُوَ لَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا؟!!
وَأَمَّا الصَّبِيُّ غَيْرُ البَالِغِ فَالكَلَامُ المُنَاسِبُ الَّذِي يُقَالُ فِيهِ: لِمَاذَا قَتَلْتَ نَفْسَا بَرِيئَةً لَا تُؤَاخَذُ عَلَى ذَنْبٍ؟!!
قَدْ تَقُولُ: إِنَّ كَلِمَةَ (الغُلَامِ) يُسْتَفَادُ مِنْهَا أَنَّهُ كَانَ صَغِيرًا، وَهَذَا هُوَ المُتَعَارَفُ مِنْ هَذِهِ الكَلِمَةِ؟
قُلْنَا: المُتَابِعُ لِاسْتِعْمَالَاتِ الكَلِمَةِ فِي اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ، يَجِدُ أَنَّهُمْ يَسْتَعْمِلُونَهَا فِي الرِّجَالِ أَيْضًا، فَيُقَالُ: فُلَانٌ مِنْ غِلْمَانِ فُلَانٍ، وَالإِسْتِعْمَالُ أَعَمُّ مِنَ الحَقِيقَةِ وَالمَجَازِ.
وَلَوْ سَلَّمْنَا بِأَنَّ كَلِمَةَ (غُلَامٍ) هِيَ ظَاهِرَةٌ فِي الصَّبِيِّ، إِلَّا أَنَّ القَرِينَةَ الَّتِي أَشَرْنَا إِلَيْهَا تَصْرِفُهَا عَنْ هَذَا الظُّهُورِ فَيَكُونُ المُرَادُ بِهَا شَابًّا بَالِغًا.
فَإِذَا ثَبَتَ عِنْدَنَا بِأَنَّ هَذَا الغُلَامَ كَانَ شَابًّا، وَالآيَةُ الكَرِيمَةُ قَدْ أَشَارَتْ إِلَى كُفْرِهِ وَطُغْيَانِهِ، فَيَكُونُ الخِضْرُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَدْ قَتَلَهُ لِكُفْرِهِ وَطُغْيَانِهِ، الَّذِي خَشِيَ أَنْ يُرْهِقَ - هَذَا الكُفْرُ وَالطُّغْيَانُ - الأَبَوَيْنِ المُؤْمِنَيْنِ، وَمَعَهُ يَرْتَفِعُ الإِشْكَالُ فِي عِلَّةِ قَتْلِهِ; وَهُوَ الأَمْرُ الَّذِي كَانَ مَخْفِيًّا عَنْ مُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، أَيْ كَانَ مُوسَى لَا يَعْرِفُ بِحَقِيقَةِ هَذَا الشَّابِّ الكَافِرَةِ وَالطَّاغِيَةِ، لِأَنَّهُ كَانَ يَتَعَامَلُ مَعَ ظَوَاهِرِ الأَشْيَاءِ فَقَطْ، بِخِلَافِ الخِضْرِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) الَّذِي مَنَحَهُ اللهُ (عَزَّ وَجَلَّ) عِلْمَ الظَّاهِرِ وَالبَاطِنِ مَعًا وَكَانَ يَعْمَلُ وِفْقَ العِلْمِ المَذْكُورِ بِأَمْرِهِ سُبْحَانَهُ.
وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.
اترك تعليق