حياة الخضر (ع) لا خلوده !
تذكرُ بعضُ الروايات عن أهلِ البيت -عليهم السلام- أنَّ الخضرَ حيّ إلى الآن ولكنّ اللهَ تعالى يقول: { وما جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ } [الأنبياء: 34].
الجواب:
بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيم.
احتجَّ مُنكروا حياةِ الخضر - عليهِ السلام – بهذه الآية فقالوا: لَو دَامَ الخَضِرُ لكَانَ خَالِدًا (1) وَهَذَا لَا يَكُونُ لِبَشَرٍ (2).
فالآية تدلّ على أنّ الخضرَ -عليه السلام- قد مات؛ لأنّه بشر.
يقولُ الشنقيطيّ في"تفسيرِه" أضواءُ البيان (4/179): (ظاهرُ عمومِ قولِه تعالى: ((وَمَا جَعَلنَا لِبَشَرٍ مِن قَبلِكَ الخُلدَ أَفَإِن مِتَّ فَهُمُ الخَالِدُونَ)) ، فقولهُ: ((لِبَشَرٍ)) نكرةٌ في سياقِ النفي تعمُّ كلَّ بشر، فيلزمُ مِن ذلك نفيُ الخُلد عن كلِّ بشرٍ مِن قبلِه.
والجوابُ على هذا التوهّمِ مِن وجهين:
أوّلُهما: إنَّ الخُلدَ في الآيةِ يعني البقاءَ الأبدي، الذي لا موتَ معَه، وجمهورُ المسلمينَ القائلون بحياة الخضر، لم يقولوا ببقائهِ الأبدي، وإنما ذهبوا إلى طول بقائه، ثم يعرض عليه الموتُ، لقولِه تعالى: {كلُّ نفسٍ ذائقةٌ الموت} [آلُ عمران: 185].
فالآيةُ التي استدلوا بها لا تدلّ على موت الخضر وعدم بقائهِ حياً، فهي تتحدثُ عن الخلود، وكلامنا في الخضر ليس عن الخلود وإنما عن طول العمر.
يقولُ المُفسّرُ القرطبي: قَولُهُ تَعَالَى: (وَما جَعَلنا لِبَشَرٍ مِن قَبْلكَ الخُلْدَ) أَي دَوَامَ البَقَاءِ فِي الدُّنْيَا نَزَلَت حِينَ قَالُوا: نَتَرَبَّصُ بِمُحَمَّدٍ رَيبَ المَنُونِ. وَذَلِكَ أَنَّ المُشرِكِينَ كَانُوا يَدفَعُونَ نُبُوَّتَهُ وَيَقُولُونَ: شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيبَ المَنُونِ، وَلَعَلَّهُ يَمُوتُ كَمَا مَاتَ شَاعِرُ بَنِي فُلَانٍ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَد مَاتَ الأَنبِيَاءُ مِن قَبلِكَ، وَتَوَلَّى اللَّهُ دِينَهُ بِالنَّصرِ وَالحِيَاطَةِ، فَهَكَذَا نَحفَظُ دِينَكَ وَشَرعَكَ. (أَفَإِن مِتَّ فَهُمُ الخالِدُونَ) (٣).
وأنكرَ مَن أنكرَ حياة الخضر وتعميره، من القوم، لدفع استدلال الشيعةِ الإمامية حيث استدلوا بطولِ حياة الخضر، على إمكانِ طول عمر الإمام المهدي (عجل الله فرجه)، حيث رويَ في رواياتنا الشريفة أنّ السنّةَ الجارية في المهدي من الخضر هي طول الغيبة (4)، أي يحتجّ على إمكان بقائهِ حياً قياساً على حياة الخضر(5).
وثانيهما: لو أريدَ بالخُلدِ طولُ البقاء في الدّنيا لكانَ الدجّالُ خالداً لأنّه بشرٌ -كما ثبتَ في كتبِ المُنكرين ذلك- وقولهُ «لبشرٍ» منَ الآيةِ نكرةٌ في سياقِ النفي فهيَ تعمُّ كلَّ بشر، فيلزمُ منه نفيُ طولِ بقاءِ الدجّالِ إلى زمانِ ظهورِ المهدي
والحمدُ لله أوّلاً وآخراً..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- المنارُ المنيف في الصحيحِ والضعيف ج1ص69.
2 - الموضوعاتُ لابنِ الجوزي ج1ص199.
3- الجامعُ لأحكامِ القرآن ج11ص287.
4- كمالُ الدين وتمامُ النعمة باب: (38) ص385.
5 - كمالُ الدين وتمامُ النعمة ص355.
اترك تعليق