قولِه تعالى: ﴿هَل أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمتَ رُشدًا﴾، كيفَ يكونُ الخضرُ (ع) معلّماً للنبيّ موسى (ع) مع أنّه أعلمُ أهلِ زمانه؟
السّلام عليكُم ورحمة الله،
لقد عرضَ علماؤنا لهذه المسألةِ في تفسيرِ هذهِ الآية، وكانَ جوابهُم عنها يتلخّصُ في أنّ كلّاً من موسى (ع) والخضر (ع) كانَت لديهما مهمّةٌ قد أوكلهم اللهُ تعالى بها، فكانَ كلُّ واحدٍ منهما يُعَـدُّ أعلمَ أهلِ زمانه بما وكّلَه اللهُ تعالى بالمُهمّةِ المُلقاةِ على عاتقِه. ففي سؤالٍ أثارَه بعضُ أهلِ العلمِ في هذا الموضعِ حاصله: ألا يجبُ أن يكونَ النبيّ (ع) وهو هنا مِن أولي العزمِ وصاحبُ رسالة - أعلمَ أهلِ زمانه؟
فأجابَ عن هذا السّؤالِ بقوله: نعم، ينبغي أن يكونَ أعلمَ فيما يتعلّقُ بمُهمّتِه، يعني الأعلمَ بالنظامِ التشريعي، وموسى (عليهِ السّلام) كانَ كذلك. أمّا الرّجلُ العالمُ (الخضر) فهوَ كانت له مهمّةٌ تختلفُ عن مهمّةِ موسى (عليه السلام) ولا ترتبطُ بعالمِ التشريع. وبعبارةٍ أخرى: إنّ الرجلَ العالمَ كان يعرفُ منَ الأسرارِ ما لا تعتمدُ عليه دعوةُ النبوّة. وفي حديثٍ جاءَ عن الإمامِ الصّادق (عليه السّلام) قوله (عليهِ السّلام): "كان موسى أعلمَ منَ الخضر". أي أعلمَ منهُ في علمِ الشّرع.
وفي حديثٍ عن الإمامِ عليٍّ بنِ موسى الرّضا (عليه السّلام) نرى إشارةً صريحةً إلى أن مهمّةَ ووظيفة كلٍّ من موسى والخضر كانَت تختلفُ عن الآخر، فقد كتبَ أحدُهم إلى الإمامِ الرّضا (عليه السلام) يسألهُ عن العالمِ الذي أتاهُ موسى، أيّهُما كانَ أعلم؟ فكانَ ممّا أجابَ به الإمامُ قوله (عليه السّلام): " أتى موسى العالمَ فأصابَه في جزيرةٍ من جزائرِ البحرِ إمّا جالساً وإمّا مُتّكئاً فسلّمَ عليهِ موسى، فأنكرَ السّلام، إذ كانَت الأرضُ ليسَ بها سلام. قالَ: مَن أنت؟ قال: أنا موسى بنُ عمران. قالَ: أنتَ موسى بنُ عمران الذي كلّمَه اللهُ تكليماً؟ قالَ: نعم، قال: فما حاجتُك؟ قالَ: جئتُ لتعلّمني ممّا عُلّمتَ رشداً. قال: إنّي وكّلتُ بأمرٍ لا تطيقُه، ووكّلتَ بأمرٍ لا أطيقُه".
ومنَ المُناسبِ هُنا أن نختمَ هذه الفقرةَ بما رواهُ صاحبُ الدرِّ المنثورِ ومصادر أخرى طبقاً لما نقلَه صاحبُ الميزان في ج 13، ص 356 عن الحاكمِ النيسابوري مِن أنّ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم) قال: لمّا لقيَ موسى الخضر، جاءَ طيرٌ فألقى منقارَه في الماء، فقالَ الخضرُ لموسى: تدري ما يقولُ هذا الطائر؟ قالَ: وما يقول؟ قال: يقول: ما علمُكَ وعلمُ موسى في علمِ الله إلّا كما أخذَ منقاري منَ الماء. [ينظر: الأمثلُ في تفسيرِ كتابِ اللهِ تعالى المُنزّل للشيخِ مكارم الشيرازيّ، ج9/ص340]. ودمتُم سالِمين.
اترك تعليق