الْإمَامُ السَّجَّادُ (ع) يَِنْشُرُ عُلُومَ الدِّينِ بِطَرِيقَتَيْنِ مُبْتَكَرَتَيْنِ.
آزاد- كَرْكُوك: هَلْ يُمكِنُ أَنْ تَطلِعُونَا عَنْ دَوْرِ الْإمَامِ السَّجَّادِ (عَلَيْهِ السَّلامُ) فِي نَشْرِ عُلُومِ الدِّينِ بَعْدَ مَقْتَلِ أَبِيهِ الْحُسيْنِ (عَلَيْهِ السّلامُ)؟!
الْأَخَ آزادُ الْمُحْتَرَمُ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.
اِنْبَرَى الْإمَامُ السَّجَّادُ (عَلَيْهِ السَّلامُ) إِلَى نَشْرِ عُلُومِ الدِّينِ بِوسيلَتينِ مُبْتَكَرَتَيْنِ لَا تَقْوَى السُّلْطَاتُ الْأُمَوِيَّةُ الْحَاكِمَةُ آنذاك عَلَى مَنْعِهِمَا أَوِ الحدِّ مِنْ اِنْتِشَارِهِمَا، وَقَدِ اِسْتَطَاعَ الْإمَامُ (عَلَيْهِ السَّلامُ) بِهَاتَيْنِ الوَسيلَتينِ أَنَّ يَقِفَ سَدَّاً مَنِيعَاً بِوَجْهِ التَّيَّارِ الْأُمَوِيِّ الَّذِي لَمْ يَأْلُ جَهْدَاً فِي نَقْضِ عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَة، فَبَنو أُمِّيَّةٍ - بِنَصِّ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ- هُمُ الشَّجَرَةُ الْمَلْعُونَةُ[ اُنْظُرْ: شوَاهِدَ التَّنْزِيلِ 2: 457، تَفْسِيرَ الْقُرْطُبِيِّ 10: 282، 286، تَفْسِيرَ اِبْنِ كَثِيرِ 3: 52، الدُّرَّ الْمَنْثُورَ 4: 191، تَارِيخَ الطَّبَرِيِّ 8: 185 قَالَ الطَّبَرِيُّ: (وَلَا اِخْتِلَافَ بَيْنَ أحَدٍ أَنَّهُ أَرَادَ بِهَا بَني أُمَيَّةَ)( وَهِي الْآيَةُ 60 مِنْ سُورَةِ الْإِسْرَاءِ)]، وَهُمْ أَيْضًا- كَمَا جَاءَ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ الْأكْرَمِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ)- قَادَةُ الْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ وَالدُّعَاةُ إِلَى النَّارِ[ اُنْظُرْ: صَحِيحَ الْبُخَارِيِّ 1: 115 كِتَابَ الصَّلَاَةِ، بَابَ التَّعَاوُنِ فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ، 3: 207 كِتَابَ الْجِهَادِ وَالسَّيْرِ، بَابَ مَسْحِ الْغُبَارِ عَنِ النَّاسِ فِي السَّبِيلِ]..
إِلَّا أَنَّ الْإمَامَ السَّجَّادَ (عَلَيْهِ السَّلامُ) اِسْتَطَاعَ اِخْتِرَاقَ هَذَا الطُّغْيَانِ الْأُمَوِيِّ الْمُظْلِمِ وَتَفْتِيتَ مَعَالِمِهِ بِطَرِيقَتَيْنِ مُبْتَكَرَتَيْنِ لَمْ تَسْتَطِعِ السُّلْطَاتُ الْأُمَوِيَّةُ مِنَ الْوُقُوفِ بِوَجْهِهِمَا أَوِ اِلْحَدِّ مِنْهُمَا، وَهَاتَانِ الطَّرِيقَتَانِ هُمَا:
الاُولى: الدُّعَاءُ، حَيْثُ اِسْتَطَاعَ الْإمَامُ (عَلَيْهِ السَّلامُ) مِنْ خِلَالَهُ- وَفِي ذَلِكَ الزَّمَنِ الظَّلَامِيِّ- مِنْ نَشْرِ عُلُومِ الْإِسْلَامِ فِي التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ وَأُصولِ الدِّينِ وَحَقَائِقِ الْإيمَانِ وَمَكَارِمِ الأَخلاقِ وَغَيْرِهِما مِنَ الْمَبَاحِثِ، وِفْقَ صِيَاغَةٍ بَيَانِيَّةٍ سَاحِرَةٍ، أَحْيَتِ الْقُلوبَ وَأَثْرَتِ الْعُقُولَ بِمَا حَوَتْ مِنْ عِلْمٍ جَمٍّ وَتَأَلُّقٍ رُوحِيٍّ قَلَّ نَظِيرُهُ، وَقَدْ جُمِعَ هَذَا التُّرَاثُ الْعَظِيمُ فِي صَحَائِفَ مُبَارَكَةٍ أُطلِقَ عَلَيْهَا (الصَّحِيفَةُ السَّجَّادِيَّةُ)، وَهَذِهِ الْأدْعِيَةُ الْمُبَارَكَةُ وُصِفَتْ فِيمَا بَعْدُ ب(زَبورِ آلِ مُحَمَّدٍ)...
وَلَمْ تَقدِرِ السُّلْطَةُ الْحَاكِمَةُ آنَذاكَ عَنْ مَنْعِ الْإمَامِ (عَلَيْهِ السَّلامُ)، مِنَ الْقِيَامِ بِهَذَا الدَّوْرِ التَّربَويّ والتَّعبَويّ الْكَبِيرِ لِلْأُمَّةِ.
الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: شِراؤهُ (عَلَيْهِ السَّلامُ) لِلْعَبِيدِ وَمِنْ ثَمَّ عِتقُهُم بَعْدَ إِبْقَائِهم عِنْدَهُ فَتْرَةً مِنَ الزَّمَنِ يُشْرِفُ فِيهَا عَلَى تَعْلِيمِهِمْ وَتَهْذِيبِهِمْ وِفقَ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ، وَتَزْوِيدِهِمْ بِالثَّقَافَةِ الرُّوحِيَّةِ اللَّازِمَةِ، حَيْثُ كَانَ (عَلَيْهِ السَّلامُ) يَغْرِزُ فِي نُفُوسِهِمُ الْأخْلَاقَ الْكَرِيمَةَ وَالْقِيَمَ الْعَالِيَةَ الَّتِي كَادَ الْمُجْتَمَعُ الْإِسْلَامِيُّ أَنْ يَفْقِدَهَا آنَذاكَ لِما أَشَاعَهُ بَنو أُمَيَّةٍ مِنَ الْفِسْقِ وَالْفُجُورِ بَيْنَ النَّاسِ، وَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ الظَّاهِرَةُ- أي: شِرَاءُ الْعَبِيدِ وَتَعْلِيمُهُمْ ثُمَّ عِتْقُهُمْ- مِنْهُ (عَلَيْهِ السَّلامُ) تُمَثِّلُ فِي وَاقِعِهَا جَامِعَةً إِسْلَامِيَّةً عِلْمِيَّةً حَقِيقِيَّةً لَمْ تَقدِرِ السُّلْطَاتُ آنَذاكَ عَلَى مَنْعِهَا أَوِ الحَدِّ مِنْ نَشَاطِهَا وَتَأْثِيرِهَا، وَقَدْ كَانَ (عَلَيْهِ السَّلامُ) يُعْطِي لِلْعَبِيدِ الَّذِينَ يَعْتقُهُمْ شَيْئًا مِنَ الْمَالِ يُعينُهُمْ عَلَى بَدْءِ حَيَاةٍ اِجْتِمَاعِيَّةٍ فَاعِلَةٍ وَهُمْ قَدْ تَخَرَّجُوا مِنْ مَدْرَسَةِ إمَامٍ مِنْ أئِمَّةِ أهْلِ الْبَيْتِ (عَلَيْهِمُ السَّلامُ)، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ عَدَدَ هَؤُلَاءِ قَدْ بَلَغَ خَمْسينَ أَلفاً، وَقِيلَ: مائَة أَلْفٍ[ اُنْظُرْ: بِحارَ الْأَنْوَارِ 46: 104، 105].
قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ سَيِّد الْأهْلِ: ((وَجَعَلَ الدُّولَابُ يَسِيرُ، وَالزَّمَنُ يَمُرُّ وَزِينُ الْعَابِدِينَ يَهَبُ الْحُرِّيَّةَ فِي كُلِّ عَامٍ، وَكُلِّ شَهْرٍ، وَكُلِّ يَوْمٍ، وَعِنْدَ كُلِّ هَفْوَةٍ، وَكُلِّ خَطَأٍ، حَتَّى صَارَ فِي الْمَدِينَةِ جَيْشٌ مِنَ الْمَوَالِي الْأَحْرَارِ، وَالْجَوَارِي الْحَرَائِرِ، وَكُلّهُمْ فِي وَلَاءِ زَيْنِ الْعَابِدِينَ))[ زَينُ الْعَابِدَيْن، لِسَيِّدِ الْأهْلِ: 57].
وَدُمْتُم سَالِمِينَ.
اترك تعليق