شَرحُ بَعضِ الفَقَرَاتِ مِنَ الزِّيَارَةِ الجَامِعَةِ.
أَبُو مُجَاهِد: سَلَامٌ عَلَيكُم .. وَرَدَ فِي زِيَارَةِ الجَامِعَةِ: أَسمَاؤُكُم فِي الأَسمَاءِ، قُبُورُكُم فِي القُبُورِ، أَروَاحُكُم فِي الأَروَاحُ، نُفُوسُكُم فِي النُّفُوسِ....إِلخ. مَا هُوَ المَعنَى؟ وَمَا هُوَ المَقصُودُ؟
الأَخُ أَبُو مُجَاهِد المُحتَرَم:
السَّلامُ عَلَيكُم وَرَحمَةُ ٱللهِ وَبَرَكَاتُهُ:
جَاءَ فِي كِتَابِ "الأَنوَارِ اللَّامِعَةِ فِي شَرحِ الزِّيَارَةِ الجَامِعَةِ" لِلسَّيِّدِ عَبدِ ٱللهِ شُبَّرِ، مَا نَصُّهُ، قَولُهُ:
(بِأَبِي وَأُمِّي وَنَفسِي وَأَهلِي وَمَالِي ذِكرُكُم فِي الذَّاكِرِينَ وَأَسمَاؤُكُم فِي الأَسمَاءِ وَأَجسَادُكُم فِي الأَجسَادِ وَأَروَاحُكُم فِي الأَروَاحِ وَأَنفُسُكُم فِي النُّفُوسِ، وَآثَارُكُم فِي الآثَارِ، وَقُبُورُكُم فِي القُبُورِ)، هَذِهِ الفَقَرَاتِ تَحْمِلَ مَعَانٍ:
الأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ المَعنَى أَنَّ ذِكرَكُم وَإِنْ كَانَ فِي الظَّاهِرِ مَذكُورَاً بَينَ الذَّاكِرِينَ بِأَنْ يَذكُرُوكُم وَيَذكُرُوا غَيرَكُم وَتُذكَرُ أَسمَاؤُكُم فِي أَسمَائِهِم بِأَنْ يَقُولُوا مُحَمَّدَاً وَعَلِيَّاً وَهَكَذَا، وَكَذَا البَوَاقِي إِلَّا أَنَّهُ لَا نِسبَةَ بَينَ ذِكرِكُم وَذِكرِ غَيرِكُم وَلَا بَينَ أَسمَائِكُم وَأَسمَاءِ غَيرِكُم، وَكَذَا البَوَاقِي بِقَرِينَةِ قَولِهِ بَعدَ ذَلِكَ.
(فَمًا أَحلَى أَسمَاءَكُم وَأَكرًمَ أًنفُسَكُم وَأَعظَمَ شَأنَكُم) أَيْ رُتْبَتَكُم وَأَمرَكُم.
(أَجَلَّ خَطَرَكُم) أَيْ قَدَرَكُم وًعَظَمَتَكُم.
(وَأَوفَى عَهدَكُم وَأَصدَقَ وَعدَكُم) وَيُمكِنُ تَطبِيقُ هَذِهِ الفَقَرَاتِ عَلَى الفَقَرَاتِ الأُولَى بِأَدنَى تَكَلُّفٍ مَعَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إِلَى ذَلِكَ إِذْ مَجمُوعُ هَذِهِ الفَقَرَاتِ فِي مُقَابَلَةِ مَجمُوعِ تِلْكَ، وَبِالجُملَةِ فَحَاصِلُ المَعنَى أَنًّ مَا يُذكَرُ وَيُسَمَّى وَيُتَكَلَّمُ بِهِ فهو غَيرُ خَارِجٍ عَنْ خَالقٍ وَمَخلُوقٍ، وَأَسمَاؤُكُم وَأَنفُسُكُم وَأَروَاحُكُم وَأَجسَادُكُم وَسَائِرُ أَفعَالِكُم وَأَحوَالِكُم وَأَطوَارِكُم وَأَخلَاقِكُم وَإِنْ كَانَتْ مِنْ جُملَةِ المَخلُوقَاتِ وَدَاخِلَةً فِي جُملَتِهَا إِلَّا أَنَّ لَهَا كَمَالَ الإِمتِيَازِ وَالسُّمُوِّ وَالعُلُوِّ وَالرِّفعَةِ وَالقَدَرِ وَالمَنزِلَةِ بِحَيثُ لَا نِسبَةَ بَينَهَا وَبَينَ غَيرِهَا وَكَونِهَا مِنْ جُملَةِ غَيرِهَا لَا تَقتَضِي مُسَاوَاتُهَا لَهَا كَمَا قَالَ مَنْ قَالَ: فَإِنَّ فَإِنِ ٱتَّفَق الأَنَامُ وَأَنتَ مِنهُم فَإِنَّ المِسكَ بَعضُ دَمِ الغَزَالِ وَهَذَا المَعنَى أَحسَنُ المَعَانِي وَأَوضَحُهَا.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ المَعنَى إِذَا ذَكَرَ الذَّاكِرُونَ ٱللهَ بِمَدحٍ أو ثَنَاءٍ فَأَنتُم دًاخِلُونً فِيهِم؛ لِأَنَّكُم سَادَاتُ الذَّاكِرينَ وَكَذا إِذَا ذُكِرَتِ الأَسمَاءُ الشَّرِيفَةُ، وَالأَوصَافُ المَنِيفَةُ وَالأًروَاحُ الطَّيِّبَةُ، وَالأَجسَادُ الطَّاهِرَةُ، وَالأَنفُسُ السَّلِيمَةُ، والعُقُولُ المَنِيفَةُ، وًالأَروَاحُ الطَّيِّبَةُ، وَالأَجسَادُ الطَّاهِرَةُ، وَالأنَفُسُ السَّلِيمَةُ، وَالعُقُولُ المُستَقِيمَةُ وَنَحوُ ذَلِكَ، فَأَسمَاؤُكُم وَأَروَاحُكُم وَأَجسَادُكُم وَنُفُوسُكُم دَاخِلَةٌ فِي ذَلِكَ؛ لأَنَّكُم سَادَةُ السَّادَاتِ وَقَادَةُ الهُدَاةِ.
الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ المَعنَى أَنَّهُ يَنبَغِي أَنْ يَكُونَ ذِكرُكُم مَذكَورَاً فِي السُّنَّةِ الذَّاكِرِينً وَكذا أسمائكم والباقي بِمَعنَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَذكُرً أَحَدَاً بِمَدحٍ فَيَنبَغِي أَنْ لَا يَذكُرُ غَيرَكُم ومن أراد الثناء عَلَى الأَسمَاءِ والأَروَاحِ وَالأجساد وَالنُّفُوسِ فَلَيسَ لَهُ أَنْ يَتَجَاوَزُكُم إِلَى غَيرِكُم كَمَا قَالَ مَنْ قَالَ:
إِلَيكُم وَإِلَّا تُشَدُّ الرَّكَائِبُ وَمِنكُم وَإلَّا لَا تَصُحُّ المَوَاهِبُ وَفيِكُم وَإِلًّا فَالحَدِيثُ مُزَخرَفٌ وَعَنكُم وَإِلًّا فَالمُحَدِّثُ كَاذِبٍ وَهَذَا المَعنَى لَا يَخلُو مِنْ لُطفٍ إِلَّا أَنَّهُ بَعِيدٌ عَنِ اللَّفْظِ.
الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ المَعنَى أَنًّ ذِكرَكُم وَأَسمَاءَكُم وَأَروَاحَكُم وَسًائِرَ مَا ذُكِرَ بِمَنزِلَةِ المَظرُوفِ وَجَمِيعِ ذَلِكَ مِنْ غَيرِكُم بِمَنزِلَةِ الظَّرفِ فَشَرَافَةُ هَذِهِ الأَشيَاءِ مِنكُم كَشَرَافَةِ المَظرُوفِ عَلَى الظَّرفِ وَٱمتِيَازِهِ، وَلًا يَخلُو مِنْ بُعْدٍ.
الخَامِسُ: أَنْ يًقرَأَ وَأَسمَاءَكُم وَأَروَاحَ إِلَخ مَجرُورَاً مَعطُوفَاً عَلَى ضَمِيرِ الخِطَابِ المجرور في ذكركم أَيْ يَذكُرُكُم ٱللهُ تَعَالَى فِي جنب الذاكرين فيكون مِنْ إِضَافَةِ المَصدَرِ إِلَى المَفعُولِ، فَإِذَا ذَكَرَ النَّاسُ الذَّاكِرِينَ ذَكَرَكُم ٱللهُ تَعَالَى فِي جَنْبِهِم وَذَكَرَ أَسمَاءَكُم وًمَدَحَهَا، وَكَذُا أَروَاحَكُم وَأَجسَادَكُم فِي جَنبِ ذِكرِهِم لَهًا كَمَا وَرَدَ فِي تَفْسِيرِ قَولِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَذِكرُ ٱللهِ أَكبَرُ﴾، أَيْ ذِكرَ ٱللهِ عَبدَهُ أَكبَرُ مِن ذِكرِ العَبدِ رَبَّهُ وَهُوَ العَبدُ وَٱللهُ العَالِمُ بِحَقَائِقِ كَلَامِ أَولِيَائِهِ وَأَصفِيَائِهِ وَأَحِبَّائِهِ وَهُمْ ﴿عَلَيهِمُ السَّلَامُ﴾.إِنْتَهَىٰ
[الأَنوَارُ اللَّامِعَةُ فِي شَرحِ الزِّيَارَةِ الجَامِعَةِ لِلسَّيِّدِ عَبْدِ ٱللهِ شُبَّر: 191].
وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ
اترك تعليق