الجَمعُ بَينَ قولِهِ تَعالى: (لا إكراهَ في الدّينِ ) و: ( إنَّ الدّينَ عندَ اللهِ الإسلامُ ).
حُسين علي عَبدِ الباري: السَّلامُ عَليكُم ... سُؤالي هوَ : يَقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ في مُحكَمِ كتابِهِ الكَريمِ ( لاإكرهَ في الدّينِ قَد تَبيَّنَ الرُّشدُ مِنَ الغَيّ) وفي آيةٍ ثانيةٍ يَقولُ عزَّ وجلَّ (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلامُ) فَكيفَ يمكِنُ التَّوفيقُ بينَ هاتَينِ الآيتَينِ ودُمتُم سالِمين
الأخُ حسينٌ المُحترمُ، السَّلامُ عليكُم ورحمَةُ اللهِ وبَركاتُهُ
هَاتَانِ الآيتانِ تُشِيرَانِ إِلَى مَعْنَيينِ مُخْتَلِفَينِ، فَالْآيَةُ الْأولَى تُشِيرُ إِلَى حُرِّيَّةِ الْإِنْسَانِ فِي اِخْتِيَارَاتِهِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، فَهُوَ فِي الدُّنْيَا مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْإيمَانِ وَعَدَمِهِ، مَنْ شَاءَ فَلْيُؤمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَليكْفُرْ، وَلَكِنَّهُ فِي حُرِّيَّتِهِ هَذِهِ وَاِخْتِيَارَاتِهِ فِي الدُّنْيَا عَلَيْهِ أَنْ يَتَحَمَّلَ تَبِعَاتِ فِعْلِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَهُوَ مَا تُشِيرُ إِلَيْهِ الْآيَةُ الثَّانِيَةُ ؛ لِأَنَّ الْخَالِقَ سُبْحَانَهُ قَدْ حَدَّدَ بِأَنَّ قَبُولَ الْأَعْمَالِ وَالنَّجَاةَ فِي الآخرةِ مَنُوطٌ بِاِعْتِقَادِ الْإِسْلَامِ، وَمَنِ اِخْتَارَ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَهُوَ فِي الآخِرةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ.
وَهَذَا الْخِطَابُ يَشبَهُ مَا تُقَرِّرهُ الْحُكُومَاتُ لأبْنَائِهَا بِأَنَّكُمْ أَحْرَارٌ فِي دُخُولِكُمْ لِلْمَدَارِسِ وَعَدَمِهَا، وَلَكِنَّ دُخُولَكُمْ لِكُلِّيَّةِ الطِّبِّ مَثَلًا يَلْزَمُ مِنْكُمْ أَنْ تَأْتُوا بِمُعَدَّلَاتٍ عَالِيَةٍ جِدًّا حَتَّى يَصِحُّ لَكُمْ دُخُولُهَا، وَهَكَذَا الْحَالُ فِي هَذَا الْخِطَابِ الْإلَهِيِّ لِلنَّاسِ: أَنْتُمْ أَحْرَارٌ فِي الْاِعْتِقَادِ بِالدِّينِ وَعَدَمِهِ فِي الدُّنْيَا، وَلَكِنَّ دُخُولَكُمُ الْجَنَّةَ وَالنَّجَاةَ فِي الْآخِرَةِ مَنُوطٌ بِاِخْتِيَارِكُمُ الْإِسْلَامَ وَلَا شَيْءَ غَيْرُهُ.
وَدُمْتُم سَالِمِينَ.
اترك تعليق