مصطلح العصمة

: اللجنة العلمية

العصمة لغة واصطلاحاً:

العصمة لغة:

العصمة في اللغة هي المنع والوقاية، قال في القاموس: (اعصم، يعصم: اكتسب ومنع، ووقى... والعصمة بالكسر المنع)(1).

وجاء في كتاب العين: (أن يعصمك الله من الشر، أي: يدفع عنك. واعتصمت بالله، أي: امتنعت به من الشر. واستعصمت، أي: أبيت. وأعصمت، أي: لجأت إلى شيء اعتصمت به)(2).

وفي لسان العرب: (العصمة في كلام العرب: المنع. وعصمة الله عبده: أن يعصمه مما يوبقه. عصمه يعصمه عصماً: منعه ووقاه، وفي التنزيل: لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم، أي: لا معصوم إلا المرحوم)(3).

العصمة اصطلاحاً:

أمّا العصمة اصطلاحاً فهي: (لطف يفعله الله سبحانه بالمكلف؛ بحيث يمتنع منه وقوع المعصية، وترك الطاعة، مع قدرته عليها)(4).

أو هي: (المنع من ارتكاب المعصية والوقاية من كل رجس).

أو هي: (ملكة ربانية تمنع من فعل المعصية والميل إليها مع القدرة عليها)(5).

أو هي: (كون المكلف بحيث لا يمكن أن يصدر عنه المعاصي، من غير إجبار له على ذلك)(6).

أو هي: (لطف خفي يفعل الله تعالى بالمكلف بحيث لا يكون له داع إلى ترك الطاعة، وارتكاب المعصية، مع قدرته على ذلك...)(7).

قال السيد الطباطبائي: (إنّ الأمر الذي تتحقق به العصمة نوع من العلم يمنع صاحبه عن التلبس بالمعصية والخطأ، وبعبارة أخرى علم مانع عن الضلال، كما أنّ سائر الأخلاق كالشجاعة والعفة والسخاء كل منها صورة علمية راسخة موجبة لتحقق آثارها، مانعة عن التلبس بأضدادها من آثار الجبن والتهور والخمود والشره والبخل والتبذير)(8).

وبذلك يتوضح المراد بالعصمة، ذلك أنّها أساس في الهداية، فكيف بشخص يدّعي الهداية وهو غير معصوم، وكيف له أن يهدي الناس وهو لا يعرف الهداية.

قال تعالى: ((قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ))(9).

وبذلك قد تم التعرف على المراد بالعصمة اصطلاحاً، ويتضح لنا أنّ للعصمة أساسين تبنى عليهما هما:

1ـ أنّها لطف من الله تعالى تعطى لمن أخلص له، وتمسك بحبله المتين. فهي هبة إلهية لمن فعل فعلاً استحق عليه هذه الهبة. فاللطف يحصل عليه من وطّن نفسه على ترك المعاصي، وفعل الطاعات.

2ـ إنّ العصمة ما دامت لطفاً، واللطف هو ما يكون المكلف معه أقرب إلى فعل الطاعة، وأبعد عن فعل المعصية، دون أن يبلغ حد الإلجاء؛ فالعصمة لا تجبر على فعل أمر، أو ترك أمر.

ماهية العصمة:

ينبغي أن نقول أنّ العصمة ليست أمراً يخرج بالإمام عن كونه إنساناً كعامة الناس، يحس بما يحس من لذات وآلام، ويمور في نفسه ما يمور في نفوسهم من آمال وأحلام وأماني، وهو ليس مخلوقاً آخر لا يلتقي معهم في خصائصهم، كما يريد البعض أن يعتبره من مفاهيم الشيعة.

إنّ العصمة التي يشترطها الشيعة في الإمام، هي عبارة عن ملكة نفسية، لا تصدر المعاصي عمن اتصف بها مع قدرته على مقارفتها.

هذه هي حقيقة العصمة التي يذهب الشيعة إلى اشتراطها في الإمام وهي طبيعية إلى حد بعيد، وليس فيها من الشذوذ والخروج عن المألوف ما يبرر لبعض الباحثين أن يرفعوا أصواتهم، منادين بأنّ الشيعة يرتفعون بأئمتهم عن مستوى البشر.

وهنا ثلاثة ركائز أساسية لا بد من توضيحها وهي:

أولاً: إنّ العصمة هي عاصم نفسي يقوم مقام الرقيب الذي ينبه صاحبه إلى أنّه يوشك أن يشذّ عن الطريق كلما حدّثته نفسه بالانحراف والشذوذ.

ثانياً: إنّ المنابع التي تستمد منها هذه الملكة قوتها هي وعيه التام لما في الطاعة والاستقامة من حسن وصلاح ولما في المعصية من عيوب ومآخذ يجب أن يتسامى عنها كل من يشعر بكرامته كإنسان. ويتأكد هذا العلم وتزداد النفس وعياً له بأوامر الله تعالى ونواهيه التي تحض على الاستقامة والصلاح، وتنهى عن مقارفة الإثم والعيوب. ولكي يكون الإمام المعصوم رمزاً حياً للشريعة التي يمثلها، ومثلاً أعلى لهؤلاء الذين يتبعونه، وجب عليه أن يأخذ نفسه بالسير على أوْلى الأمور وأهداها، وأكثرها استقامة وصلاحاً، فإذا شذ عن هذا ولم يأخذ نفسه بالسير على الأوْلى، كان على الله أن يؤاخذه؛ لأنّه بتركه السير على الأولى يفرّط في واجب من واجباته.

ثالثاً: إنّ هذه الملكة التي يجب أن يتصف بها الإمام، لا تغلّه عن القدرة على فعل المعصية. بل هو قادر على فعلها ولكنه يعف عنها؛ لأنّه يعي ما في مقارفتها من حطة وضعة لا يجوز لإنسان كامل أن يتصف بهما في سبيل لذة زائلة.

هذه هي العصمة التي يشترطها الشيعة في الإمام. فأي شذوذ في هذا التفكير يسمح لمن خالف الشيعة أن يشنّع عليهم ويبالغ في التشنيع، وما هي الجريمة في أن يكون للإمام من السمو النفسي والخلقي ما يجعله قدوة لتابعيه، ورمزاً حياً للشريعة التي يمثلها في منصبه؟

إنّ الشيعة عندما يشترطون العصمة في الإمام فكأنّهم يقررون: إنّ المواهب التي يحملها الشخص في نفسه هي التي تجعله صالحاً للأحكام، أمّا إذا لم يكن لديه من المؤهلات ما يرفعه إلى هذا المقام، فلن يرفعه إليه سبب خارج عن نفسه أبداً(10).

العصمة وخصوصية اللطف:

إنّ اللطف هو ما يفعله الله تعالى للعبد، بحيث يكون معه أقرب إلى الطاعة وأبعد عن المعصية، دون أن يصل هذا الفعل إلى حدود تمكين العبد منه، ودون أن يصل إلى حد الإلجاء عن الحكمة تفرض بأن يكون الموكل بأمر ما تتوفر فيه المقتضيات اللازمة والملائمة للمهمة الموكل بها، والتي تجعله أقرب إلى التأثير الإيجابي في الموكل برعايتهم، وأبعد عن التأثيرات السلبية المعاكسة. 

إنّ اللطف الذي نتكلم عنه ـ في موضوع العصمة ـ ليس إلا توفير تلك المقتضيات اللازمة للنجاح.

ما دام اللطف هو توفير المقتضيات اللازمة لتحقيق هدف البعثة، وما دام أنّ عصمة النبي قبل البعثة تجعله أقرب للتأثير الإيجابي على الناس، وأبعد عن تأثيرهم السلبي عليه، مما لو كان هذا النبي أو الإمام غير معصوم قبلها، نحكم من خلال ذلك كله: إنّ العصمة قبل البعثة أو قبل منصب الإمامة هي من جملة عناصر تلك المقتضيات التي ينبغي توّفرها.

نعم، (إنّما كان اللطف من الله تعالى واجباً فلأنّ اللطف بالعباد من كماله المطلق، وهو اللطيف بعباده والجواد الكريم، فإذا كان المحل قابلاً ومستعداً لفيض الوجود واللطف، فإنّه تعالى لا بدّ أن يفيض لطفه، إذ لا بخل في ساحة رحمته، ولا نقص في وجوده وكرمه.

وليس معنى الوجوب هنا أن أحداً يأمر بذلك فيجب عليه أن يطيع ـ تعالى عن ذلك ـ، بل معنى الوجوب في ذلك هو كمعنى الوجوب في قولك: إنه واجب الوجود أي: اللزوم واستحالة الانفكاك)(11).

إن انتخاب الله تعالى للأنبياء والمرسلين والأئمة (عليهم السلام) يقتضي بالدليل العقليّ عصمتهم من الذنوب؛ لأنّ صدور المعصية منهم يسقطهم عن كونهم قدوة للآخرين، باعتبار أنّ معصيتهم تشكك الناس بصدقهم، وتتزلزل عقيدتهم بهم.

وبذلك يتوضح المراد بكون العصمة لطف، ومبحث اللطف يبحث كذلك في (النبوة) و(الإمامة)، فعلى من يريد المزيد عنه الرجوع إلى تلك المباحث. 

ملاكات العصمة:

إنّ من المباحث المهمة المتعلقة بالعصمة هو البحث حول ملاكها. ونعني بملاكات العصمة: الشيء الذي يتحلى به المعصوم؛ بحيث يمتنع صدور المعصية منه. أي المؤهلات الداخلية التي تجعل منه محلاً لتلقي ما يمتنع غيره عن تلقيه، مؤهلات في نفسه وروحه، مضافاً إلى مؤهلات أخرى ذكرتها الكتب المختصة. 

لذلك فإنّ من ملاكات العصمة هو:

1ـ العلم:

فإنّ الإنسان إذا أراد أن يفعل فعلاً لا بدّ من أن تكون لديه صورة كافية عن ذلك الفعل، وأن يحصل له العلم به. لذلك وفي ملاكات العصمة يذكر المختصون بأنّ العلم الحضوري بالله تعالى هو أول ملاكات العصمة.

2ـ العلم القطعي بعواقب الأمور:

وهو أن يشهد المعصوم عياناً آثار الأعمال ونتائجها، من الطاعات والمعاصي، فلا تكاد تفارقه الجنة ونعيمها، كما لا يغيب عنه الجحيم وآلامه.

3ـ التقوى:

ذلك أنّ التقوى كيفية نفسانية تعصم صاحبها عن اقتراف كثير من القبائح والمعاصي. وكلما تدرج الإنسان في مراتب التقوى، تدرج معه في مراتب الكمالات، وازداد في إتيان الطاعات والابتعاد عن المعاصي. وإذا علت التقوى إلى أعلى مراتبها، فإنّها تبلغ بصاحبها درجة العصمة الكاملة، والامتناع المطلق عن ارتكاب قبائح الأعمال، وذميم الأفعال؛ بل يصل معها إلى أن يمتنع حتى عن التفكير في المعصية.

4ـ الحب:

إنّ الله سبحانه وتعالى هو المستجمع لجميع الكمالات، بل هو الكمال المطلق. ومن عرفه لا شك أنّه سيحبه؛ ومقتضى الحب الحقيقي عدم الإتيان بما يخالف رضى المحبوب، والالتزام بما يحب.

أهمية العصمة ووجوبها عقلاً:

إنّ الواسطة بين اللَّه وعباده ـ أي النبي ـ يجب أن يكون معصوماً، بمعنى أنّه يجب أن يتمتع بملكة نفسية قوية تمنعه من ارتكاب المعصية حتى في أشد الظروف، وتنبع هذه الملكة من الوعي التام بقبح المعصية والإرادة القوية لضبط الميول النفسية، وهذه تتحقق بالعناية الإلهية الخاصة.

يقول الشيخ محمد رضا المظفر: (ونعتقد أنّ الإمام كالنبي يجب أن يكون معصوماً من جميع الرذائل والفواحش، ما ظهر منها وما بطن، من سن الطفولية إلى الموت، عمداً وسهواً، كما يجب أن يكون معصوماً من السهو والخطأ والنسيان؛ لأنّ الأئمة حفظة الشرع، والقوّامون عليه، حالهم في ذلك حال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، والدليل الذي اقتضانا أن نعتقد بعصمة الأنبياء هو نفسه يقتضينا أن نعتقد بعصمة الأئمة بلا فرق)(12).

قال المحقق اللاهيجي: (والحق وجوب العصمة، لأنّه كما أنّ وجود الإمام لطف كذلك تكون العصمة لطفاً، بل لطفية وجوده لا تتحقق بدون العصمة)(13).

أمّا الدليل على العصمة: فإنّه لو لم يكن النبي معصوماً لكان محل إنكار ومورد عتاب كما في قوله تعالى: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ﴾(14)، وأيضاً قوله تعالى: ﴿لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُون كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾(15)، فمن الطبيعي أن يكون النبي معصوماً يأتمر بما يأمر وينتهي عمَّا ينهى حتى لا يُنكر عليه من أحد وحتى يحصل الوثوق به وبتبليغه، ويُعتمد عليه في إخراج الناس من الظلمات إلى النور.

نعم، (إنّ الأمر الذي تتحقق به العصمة؛ نوع من العلم يمنع صاحبه عن التلبس بالمعصية والخطأ، وبعبارة أخرى علم مانع عن الضلال، كما أنّ سائر الأخلاق كالشجاعة والعفة والسخاء؛ كل منها صورة علمية راسخة موجبة لتحقق آثارها، مانعة عن التلبس بأضدادها من آثار الجبن والتهور والخمود والشره والبخل والتبذير)(16).

نعم، لقد أوجب الشيعة أن يكون الإمام معصوماً. وتبعهم على ذلك الإسماعيلية. فقال الخواجة نصير الدين الطوسي: (ولما كان علة الحاجة إلى الإمام عدم عصمة الخلق، وجب أن يكون الإمام معصوماً)(17).

أنحاء وأقسام العصمة:

أمّا لو أردنا الكلام عن أنحاء العصمة فيمكن أن نذكر أمرين مهمين هما:

1ـ العصمة من الذنوب: الأنبياء معصومون من ارتكاب الذنوب صغيرها وكبيرها؛ لأنّه لو كان مرتكباً للذنوب لأصبح ظالماً، إمّا لنفسه أو لغيره وهو خلاف العصمة التي جُعلت شرطاً في الإمامة، كما ذكرنا في قوله تعالى لإبراهيم (عليه السلام): ((لا ينال عهدي الظالمين)).

2ـ العصمة عن الخطأ والاشتباه: لأنّ النبي لو اشتبه وأخطأ يكون خلاف كونه هادياً، حيث يحتمل الاشتباه حينها في كل قول وتبليغ وحكم وهذا نقض للغرض الذي أرسل الأنبياء لأجله؛ لأنّهم (عليهم السلام) بعثوا هداة مهديين. 

قال تعالى: ((وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا))(18). 

وقال تعالى: ((أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِه))(19).

وقال سبحانه وتعالى بحق رسوله الكريم: ((وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى))(20).

أمّا السيد الطباطبائي فيشير إلى أنّ العصمة على ثلاثة أقسام هي: (العصمة عن الخطأ في تلقي الوحي، والعصمة عن الخطأ في التبليغ والرسالة، والعصمة عن المعصية، وهي ما فيه هتك حرمة العبودية ومخالفة مولوية، ويرجع بالآخرة إلى قول أو فعل ينافي العبودية منافاة ما، ونعني بالعصمة وجود أمر في الإنسان المعصوم يصونه عن الوقوع فيما لا يجوز من الخطأ أو المعصية)(21).

ما هي مؤهلات المعصوم؟

من اليقين أن تكون لشخص الإمام المعصوم(ع) مؤهلات خاصة يتمتع بها، ويتميز بها عن غيره، ومن تلك المؤهلات:

أولاًـ الاصطفاء: 

أي الاصطفاء الإلهي منه تعالى لشخص الإمام (عليه السلام) دون غيره من سائر البشر.

فكما يصطفي تعالى الأنبياء من عنده، فإنّه تعالى يصطفي لهم الأوصياء من بعدهم ليتقلدوا تلك المناصب، فهو تعالى قد اصطفى النبي (صلى الله عليه وآله) وكذلك قد اصطفى له أئمة من بعده، أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).

قال تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ))(22).

وقال تعالى: ((قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ))(23). وآيات قرآنية أخرى(24).

ثانياً ـ العصمة: 

فتلك صفة وشرط لا بد للإمام والوصي على الناس أن يتمتع بها. 

وعن هذه الصفة يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): ((أن يعلم الإمام المتولي عليه أنّه معصوم من الذنوب كلها صغيرها وكبيرها لا يزل في الفُتيا، و لا يخطئ في الجواب، و لا يسهو ولا ينسى، ولا يلهو بشيء من أمر الدنيا))(25).

وعن علي بن الحسين (عليه السلام): ((الإمام منا لا يكون إلا معصوماً، وليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها، ولذلك ما يكون إلا منصوصاً. فقيل له: يا ابن رسول الله فما معنى المعصوم؟

فقال (عليه السلام): المعتصم بحبل الله، وحبل الله هو القرآن، لا يفترقان إلى يوم القيامة، والإمام يهدي إلى القرآن، والقرآن يهدي إلى الإمام...))(26).

أمّا آراء علمائنا في هذه (العصمة) فهي كثيرة وواضحة في بيانها، ومن هذه الآراء:

1ـ يقول الشيخ المفيد :(العصمة لطف يفعله الله سبحانه بالمكلف؛ بحيث يمتنع منه وقوع المعصية، و ترك الطاعة، مع قدرته عليها)(27).

2ـ و قال الخواجة نصير الدين الطوسي :(العصمة هي: كون المكلف بحيث لا يمكن أن يصدر عنه المعاصي، من غير إجبار له على ذلك)(28).

3ـ وقال العلامة الحلي في كتابه الباب الحادي عشر: (العصمة لطف خفي يفعل الله تعالى بالمكلف بحيث لا يكون له داع إلى ترك الطاعة، و ارتكاب المعصية، مع قدرته على ذلك)(29).

ثالثاً ـ المنصب (منصب الإمامة الإلهية):

وتختلف حقيقة الإمامة عند أهل السنة من المسلمين، عما هي عليه عند الشيعة. فقد فسّرها السنة بما اعتقدوه في الإمامة من الخلافة الظاهرية والإمارة. وقالوا: إنّ الإمامة عند الأشاعرة، هي خلافة الرسول في إقامة الدين وحفظ حوزة الملة، بحيث يجب إتباعه في كافة الأمور(30).

إنّ الإمامة عند الشيعة، أعم من الخلافة الظاهرية، بل يمكن للإمام أن يكون إماماً من دون أن يكون خليفة، فيما لو منعه مانع من استلام زمام الخلافة (الحكم).

يقول الشيخ مرتضى المطهري في المقام: (...لزم علينا أنّ لا نخلط مسألة الإمامة مع مسألة الحكومة، ونقول: إن العامة ماذا تقول؟ ونحن ماذا نقول؟ بل مسألة الإمامة مسألة أخرى، ومفهوم نظير مفهوم النبوة، بما لها من درجاتها العالية. و عليه فنحن معاشر الشيعة نقول بالإمامة، والعامة لا تقول بها أصلاً، لا أنّهم قائلون بها و لكن اشترطوا فيها شرائط أخرى)(31).

شبهات حول العصمة:

لقد أثيرت الكثير من الشبهات حول العصمة، ومن هذه الشبهات: إنّ الإمامية الاثني عشرية وبسبب ادعائهم العصمة لأئمتهم قد أوصلوهم لمقام الإلوهية؟!

للجواب عن ذلك نقول:

إنّ رد هذا المدّعى يقتضي إيراد أمرين أساسيين هما:

الأمر الأول: ذكر الأحاديث الواردة عن الأئمة المعصومين (عليهم السلام) في المنع من الغلو والمغالات فيهم وفي غيرهم، ومن هذه الأحاديث:

1ـ قال الإمام الرضا (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله: ((لا ترفعوني فوق حقي فإنّ الله تبارك وتعالى اتخذني عبداً قبل أن يتخذني نبياً))(32).

2ـ قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): ((إياكم والغلو فينا، قولوا عبيد مربوبون، وقولوا في فضلنا ما شئتم))(33).

3ـ قال الإمام الصادق (عليه السلام): ((احذروا على شبابكم من الغلاة لا يفسدونهم فإنّ الغلاة شرّ خلق الله يصغّرون عظمة الله ويدّعون الربوبية لعباد الله، والله إنّ الغلاة شرّ من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا)(34).

4ـ قال الإمام الرضا (عليه السلام): ((فمن ادّعى للأنبياء ربوبية وادّعى للأئمة ربوبية أو نبوة أو لغير الأئمة إمامة فنحن منه براء في الدنيا والآخرة)(35).

الأمر الثاني: إيراد آراء علماء الإمامية بشأن الغلو والمغالات، والتي منها:

1ـ قال الشيخ الصدوق: (اعتقادنا في الغلاة والمفوضة أنهم كفار بالله تعالى، وأنّهم شر من اليهود والنصارى والمجوس والقدرية والحرورية ومن جميع أهل البدع والأهواء المضلة)(36).

2ـ قال الشيخ المفيد: (والغلاة من المتظاهرين بالإسلام هم الذين نسبوا أمير المؤمنين والأئمة من ذريته (عليهم السلام) إلى الالوهية... وهم ضُلّال كفّار...)(37).

3ـ قال الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء: (أمّا الشيعة الإمامية وأئمتهم (عليهم السلام) فيبرؤون من تلك الفرق براءة تحريم، ويبرؤون من تلك المقالات، ويعدونها من أشنع الكفر والضلالات، ليس دينهم إلا التوحيد المحض، وتنزيه الخالق عن كل مشابهة للمخلوق)(38).

وبذلك يتبين مدى تهافت هذه الشبهة، فقد صرح النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) بأنّه ومهما بلغ من المقامات، فإنّه عبد من عبيد الله تعالى، وفي هذا المورد آيات وروايات متضافرة، فإن كان هذا حال النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) فكيف بحال أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وهم الذين يأتون بعده (صلى الله عليه وآله) في المقام.

إنّها مجرد مدّعيات وشبهات ساقتها ايدي الأعداء، طفحت بها صدور الحاسدين والمبغضين، ولاكتها أفواه أعداء التوحيد ممن لا يريد للبشرية الخير ممن قد أصبح مطيّة للشيطان وعبداً للشهوات.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) القاموس، الفيروز آبادي، ج4، ص 151.

(2) العين، الفراهيدي، ج1، ص 313.

(3) لسان العرب، ابن منظور، ج12، ص 403.

(4) النكت الاعتقادية، الشيخ المفيد، ص 3.

(5) العصمة، الإحسائي، ص 38.

(6) قواعد العقائد، الخواجة نصير الدين الطوسي، ص455.

(7) الباب الحادي عشر، العلامة الحلي، ص37.

(8) الجواهر النورانية، رضوان سعيد فقيه، ص 151.

(9) سورة يونس، الآية (35).

(10) دائرة المعرف الإسلامية الشيعية، حسن الأمين، ج8، ص 319ـ 320.

(11) عقائد الإمامية، ص56.

(12) بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية، محسن الخرازي، ج2، ص39.

(13) رأس مال المؤمن، ص 114.

(14) سورة البقرة، الآية (44).

(15) سورة الصف، الآية (2 ـ 3) .

(16) الجواهر النورانية، رضوان سعيد فقيه، ص 151.

(17) الفصول النصيرية، الخواجة، ص185.

(18) سورة الأنبياء ، الآية (73).

(19) سورة الأنعام، الآية (90).

(20) سورة النجم، الآية (3) ـ (4).

(21) الجواهر النورانية، رضوان سعيد فقيه، ص 154.

(22) سورة آل عمران، الآية (33).

(23) سورة الأعراف، الآية (144).

(24) كـ: الآية (130) والآية (247) من سورة البقرة، والآية (59) من سورة النمل، والآية (32) من سورة فاطر.

(25) رسالة المحكم و المتشابه، الشريف المرتضى، ص 138 ـ 140 .

(26) معاني الأخبار، الصدوق، ص 132، وبحار الأنوار، ج25، ص 194، وتفسير الصافي، ج1، ص 365.

(27) النكت الاعتقادية ، المفيد ، ص 3 .

(28) قواعد العقائد، نصير الدين الطوسي، ص 455 .

(29) الباب الحادي عشر، العلامة الحلي، ص 37 .

(30) دلائل الصدق، محمد حسين المظفر، ج2 ، ص 4 .

(31) الإمامة و القيادة، مرتضى المطهري، ص 163 .

(32) عيون أخبار الرضا، ص 217.

(33) الخصال، الصدوق، ص 614.

(34) الأمالي، الطوسي، ص 250.

(35) عيون أخبار الرضا، ج1، ص 217.

(36) الاعتقادات، الصدوق، ص 97.

(37) تصحيح الاعتقادات، المفيد، ص 131.

(38) أصل الشيعة واصولها، محمد حسين كاشف الغطاء، ص 38.