الشّيعةُ لا تقولُ في الصّحابةِ إلّا ماقالَهُ اللهُ ورسولهُ (ص).
ابو سلمان/: السّلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ, حبُّ عليٍّ عندَ الرّافضةِ هو الإنتقاصُ منَ الاخرينَ و الطعنُ فيهِم كما هو حالُهم مع الصحابةِ رضيَ اللهُ عليهِم أجمعين السّؤالُ أثبتوا لنا حبَّكم و إتّباعَكُم للإمامِ عليٍّ دونَ أخذِ فضائلهِ منْ كُتُبِنا و دونَ الطّعنِ في الصَّحابةِ بمعنىً أوضح أثبِتوا لنا مَحاسنَ دينِكم دونَ الطّعنِ ولا الأخذِ من كُتبِنا.
الأخُ ابو سلمانٍ المحترمُ, السّلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ
هذهِ المَقالةُ المُغرِضةُ بأنّ الشّيعةَ تَطعَنُ في الصّحابةِ هيَ مقالةُ المفلسينَ واقعاً يُريدونَ بها أن يُذهِلوا النّاس عن حقائقِ الأمورِ فموقفُ الشِّيعةِ منَ الصَّحابةِ هوَ أوسطُ المواقفِ وأعدلُها في هذهِ المسألةِ، فلمْ تُفرِطْ فيهِمْ إفراطَ المُفْرطِينَ، الّذينَ قالوا بعدالتِهِم جميعاً، فمَنحوا الجنَّةَ بالمَجّانِّ لكلِّ صحابيٍّ رأى رسولَ اللهَ - صلّى اللهُ عليْهِ وآلِهِ وسلَّمَ - وماتَ مؤمناً بِهِ حتّى لو كانَ قاتلاً وشارباً للخمرِ ومُرتكباً للزِّنا، ولمْ يُفَرِّطوا بحقّهِم جميعاً ويعدُّوهم كلَّهُمْ كُفّاراً ضُلّالاً كما ذهبَ إليْهِ آخرونَ، بلْ قالوا: يوجدُ في الصَّحابةِ عدولٌ أكْفاءٌ حَملوا عِبْءَ الرِّسالةِ معَ النَّبيِّ محمَّدٍ - صلّى اللهُ عليْهِ وآلِهِ وسلَّمَ -، فجاهَدوا بأموالِهِم وأنفسِهِم، ونالوا بذلكَ ما لم ينلْهُ غيرُهُم منَ العالَمِينَ، كما يشهَدُ لذلكَ قولُ أميرِ المؤمنينَ - عَلَيْهِ السَّلامُ -: «وَلَقَدْ كُنّا مَعَ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ نَقْتُلُ آباءَنا وَأَبْناءَنا وَإخْوانَنا وَأَعْمامَنا، ما يَزِيدُنا ذَلِكَ إلّا إيماناً وَتَسْلِيماً، وَمُضِيّاً عَلى اللَّقَمِ وَصَبْراً عَلى مَضَضِ الْأَلَمِ، وَجِدّاً فِي جِهادِ الْعَدُوِّ، وَلَقَدْ كانَ الرَّجُلُ مِنّا وَالْآخَرُ مِنْ عَدُوِّنا يَتَصاوَلانِ تَصاوُلَ الْفَحْلَيْنِ، يتَخَالَسانِ أَنْفُسَهُما أَيُّهُما يَسْقِي صاحِبَهُ كَأْسَ الْمَنُونِ، فَمَرَّةً لَنا مِنْ عَدُوِّنا، وَمَرَّةً لِعَدُوِّنا مِنّا، فَلَمّا رأى اللهُ صِدْقَنا أَنْزَلَ بِعَدُوِّنا الْكَبْتَ، وَأَنْزَلَ عَلَيْنا النَّصْرَ، حَتّى اسْتَقَرَّ الْإسْلامُ مُلْقِياً جِرانَهُ، وَمُتَبَوِّئاً أَوْطانَهُ، وَلَعَمْرِي لَوْ كُنّا نَأْتِي ما أَتَيْتُمْ ما قامَ لِلدِّينِ عَمُودٌ، وَلا اخْضَرَّ لِلْايمانِ عُودٌ». [نهجُ البلاغةِ 1: 105]
فهذا الصِّنفُ الصّادقُ المجاهدُ منَ الصَّحابةِ نحترمُهُ، ونقدِّسُهُ، ونترَضّى عليْهِ ليلاً ونهاراً.
وفي الوقتِ نفسِهِ نَرى صنفاً آخرَ منَ الصَّحابةِ ليسُوا على هذهِ الشّاكلةِ، إذْ لمْ يقدِّموا للإسلامِ شيئاً، بلْ كانوا وَبالاً على الإسلامِ، وهُمُ الذينَ وَصَفَهُمُ القرآنُ الكريمُ بـ(المنافقينَ)، ووقفَ مِنْهُمْ مَوْقِفاً حازِماً، كما في قولِهِ تعالى: (وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ) [سورة التوبة: 101]، فمِثلُ هؤلاءِ المنافقينَ المَعدودينَ في الصَّحابةِ لا يمكنُ التَّرضِّي عليهِم، ولا يمكنُ القولُ بدخولِهِمُ الجنّةَ. والآيةُ الكريمةُ صريحةٌ بعدمِ معرفةِ رَسُولِ اللهِ - صلّى اللهُ عليْهِ وآلِهِ وسلَّمَ - بِهِم، فضلاً عنْ معرفةِ المسلمينَ بهمْ، وهذا العِلْمُ الإجماليُّ بوجودِ منافقينَ في الصَّحابةِ يمنعُ منْ التَّمسُّكِ بأيِّ عمومٍ مُدَّعىً لأيِّ آيةٍ يُستدَلُّ بِها على عدالةِ الصَّحابةِ كلِّهِمْ أجمعينَ، ويمنعُ منْهُ أيضاً العلمُ الإجماليُّ المستفادُ منَ الحديثِ الواردِ في صحيحِ مسلمٍ: ( فِي أَصْحابِي اثْنا عَشَرَ مُنافِقاً فِيهِمْ ثَمانِيَةٌ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ). [صحيح مسلم 8: 122].
ونجدُ منَ المَعدودينَ في الصَّحابةِ أهلَ الفتنةِ منَ المُتثاقلينَ عنِ الجهادِ، والمُرتابينَ، والمُثبِّطينَ للمؤمنين، الذينَ قالَ اللهُ تعالى فيهمْ: (لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ) [سورة التوبة: 44 - 46].
ونجدُ منَ المَعدودينَ في الصَّحابةِ أيضاً قوماً سمّاعِينَ لأهلِ الفتنةِ المتقدِّمِ ذكرُهُمْ، الذينَ قالَ اللهُ تعالى فيهم: (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَارِهُونَ). [سورة التوبة: 47 - 48]
ونجدُ كذلكَ في المَعدودينَ في الصَّحابةِ الفاسقينَ الذينَ ثبتَ فسقُهُمْ بِشهادةِ عُلماءِ أهلِ السُّنَّةِ أنفسِهِمْ، قالَ الشَّيخُ التَّفتازانيُّ - وهوَ منْ كبارِ عُلماءِ أهلِ السُّنَّةِ -: (وأمّا ما وقعَ بينَ الصَّحابةِ منَ المُحاربةِ والمُشاجراتِ على الوَجْهِ المَسطورِ في كتبِ التّواريخِ، والمَذكورِ على ألسنةِ الثِّقاتِ يدلُّ بظاهرِهِ على أنَّ بعضَهُمْ قدْ حادَ عنْ طريقِ الحقِّ، وبلغَ حدَّ الظُّلمِ والفسقِ، وكانَ الباعثَ لهُ الحقدُ والحسدُ واللّدادُ، وطلبُ المُلْكِ والرِّئاسةِ، والمَيلُ إلى اللذّاتِ والشَّهواتِ؛ إذْ ليسَ كلُّ صحابيٍّ معصوماً، ولا كلُّ منْ لقيَ النبيَّ - صلّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ - بالخيرِ موسوماً). [شرحُ المقاصد في علم الكلام 2: 306]
وجاءَ عنِ الشَّيخِ إبنِ عثيمينَ في (شرحِ العقيدةِ الواسطيَّةِ) في سياقِ حديثِهِ عنِ الصَّحابةِ: (ولا شكَّ أنَّهُ قدْ حصلَ منْ بعضِهِمْ سرقةٌ، وشربُ خمرٍ، وقذفٌ، وزِناً بإحصانٍ، وزِناً بغيرِ إحصانٍ). [شرحُ العقيدةِ الواسطيَّةِ 2: 292]
وقدْ قالَ تعالى في صَريحِ قرآنِهِ الكريمِ: (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ أَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) [سورةُ السّجدة: 18 - 20].
ونجدُ منَ المَعدودينَ في الصَّحابةِ أيضاً المُوَلِّينَ الأدبارَ والهاربينَ منْ مواجهةِ الكُفّارِ، الذينَ قالَ اللهُ تعالى فيهمْ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [سورةُ الأنفال: 15 - 16]. أوردَ الطَّبريُّ: (حدَّثنا محمَّدُ بنُ المُثنّى، قالَ: ثنا عبدُ الأعلى، قالَ: ثنا داودُ عنْ أبي نضرةَ في قولِ اللهِ عزَّ وجلَّ: "وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ"، قالَ: ذاكَ يومَ بدْرٍ ) [تفسيرُ الطَّبريِّ: 9: 266]
وهكذا نَجدُ أصنافاً أخرى متعدِّدةً منَ الصَّحابةِ أشارَ إليهِمُ القرآنُ الكريمُ في آياتٍ عديدةٍ، ومنْ هُنا ينبغي للمنْصِفِ أنْ يعطيَ كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ، ولا يَخلطَ الحابلَ بالنّابِلِ في موضوعِ الصَّحابةِ، فالقرآنُ الكريمُ أولى بالاتِّباعِ في إعطاءِ كلِّ ذي حقٍّ حقَّهُ منَ الصَّحابةِ، ويَنبغي أنْ نعلمَ أنَّهُ ليسَ في القرآنِ الكريمِ آيةٌ واحدةٌ صريحةٌ في العفوِ المَجّانيِّ عنِ الصَّحابةِ كلِّهِم أجمعينَ، وكلُّ العُمُوماتِ المُدَّعاةِ بعدالتِهِم جميعاً، والتَّرضِّي عليْهِم، تُخصِّصُها هذهِ الآياتُ المتقدِّمةُ، وهذا مبحثٌ علميٌّ يعرفُهُ مَنْ عندَهُ أدنى إطِّلاعٍ على علمِ الأصولِ.
أمّا أنّنا نذكرُ فضائلَ أميرِ المؤمنينَ عليٍّ ( عليهِ السّلامُ ) منْ كتبِ أهلِ السُّنّةِ فهذا من بابِ الإلزامِ لا أكثر ، فنحنُ لَسنا بحاجةٍ إلى هذهِ الكتبِ حتّى نأخذَ عنها فضائلَ أئمّتِنا ( عليهمُ السّلامُ ) ففي مَوروثِنا الرّوائيّ ما يفوقُ تراثَ أهلِ السّنّةِ كلّهِ ، ويكفيكَ أنْ تعرفَ أنَّ موسوعةً روائيّةً واحدةً عندَنا إسمُها " بحارُ الأنوارِ الجامعةُ لِدُررِ أخبارِ الأئمّةِ الأطهار " تبلغُ 110 مُجلّداً ، وأنَّ رواياتِ كتابِ "الكافي" عندَنا لوحدهِ تفوقُ مارواهُ أصحابُ الصِّحاحِ السّتّةِ عندَ أهلِ السُّنّةِ مُجتمعينَ ، فنحنُ لَسْنا بحاجةٍ لمرويّاتِ أهلِ السُّنّةِ ، لا في الفقهِ ولا في الأصولِ ولا في الفضائلِ ، وإنّما نذكرُها أحياناً في المسائلِ الخلافيّةِ منْ بابِ الإلزامِ لا أكثر .
ودُمتُم سالِمين.
اترك تعليق