لماذا لم يتم تدوين خطب الرسول الكريم صلى الله عليه وآله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما يُؤسَفُ لهُ أنَّ هُناكَ أحداثاً رهيبةً عصفَت بالتّاريخِ الإسلاميّ ومنعَتهُ منَ السّيرِ بحسبِ ما خطّطَ لهُ صاحبُ الرّسالةِ، فمِنَ المُفترضِ أن تعودَ شؤونُ الرّسالةِ ومسيرتُها المُستقبليّةُ إلى القياداتِ التي إنتخبَها اللهُ ورسوله، إلّا أنَّ الذي حدثَ هوَ إستبعادُ الأئمّةِ مِن أهلِ البيتِ (عليهم السّلام) عَن تحمُّلِ أعباءِ الرّسالةِ، وفي المُقابلِ تسلّلَ إلى مركزِ القيادةِ مَن لا معرفةَ لهُم بفلسفةِ الرّسالةِ أو تأسيساتِها المعرفيّةِ التي تُحافظُ على إمتدادِها في عُمقِ التّاريخِ الإنسانيّ، الأمرُ الذي تسبّبَ في تعسُّرِ حركةِ الإسلامِ وضياعِ بعضِ تعليماتِه والتّأخّرِ في تحقيقِ أهدافِه وغاياتِه، وما تشهدُه الأمّةُ الإسلاميّةُ مِن تبايُناتٍ على كُلِّ المُستوياتِ يعودُ إلى تلكَ الفترةِ التّاريخيّةِ التي إنحرفَت فيها الأمّةُ عن قيادةِ أهلِ البيتِ (عليهمُ السّلام) والحيلولةُ دونَ تمكُّنِهم مِنَ القيامِ بأدوارِهم المنوطةِ بهِم، فضاعَت تفسيراتُ رسولِ اللهِ للكثيرِ مِن آياتِ القُرآنِ كما ضاعَت الكثيرُ مِن أحاديثِ الرّسولِ وتوجيهاتِه العقائديّةِ والفقهيّةِ والفكريّةِ، حيثُ مارسَت السُّلطةُ الحاكمةُ أدواراً سلبيّةً فيما يخصُّ حفظَ وجمعَ تراثِ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) فمنعَت من كتابةِ الحديثِ تارةً وحرقَتها تارةً أُخرى؛ بَل وصلَ بهم الخلافُ حولَ جمعِ القُرآنِ وكتابتِه إلى الحدِّ الذي تمَّ فيهِ حرقُ بعضِ مصاحفِ الصّحابةِ، كما أنّهُم فرضُوا حِصاراً خانِقاً على الأئمّةِ مِن أهلِ البيتِ (عليهم السّلام) حيثُ شغلوهم بالحروبِ والخلافاتِ الدّاخليّةِ كما حدثَ معَ الإمامِ عليٍّ، والإمامِ الحسنِ، والإمامِ الحُسينِ (عليهم السّلام)، حتّى سُفِكَت دماؤهم الزّكيّةُ في طريقِ تثبيتِ المعالمِ الأساسيّةِ لهذهِ الرّسالةِ، كما ضيّقوا الخناقَ بمُحاصرةِ البقيّةِ مِنَ الأئمّةِ فسُجنَ منهُم مَن سُجِن وحُوصِرَ في دارِه مَن حُوصِر، وما وصلنا عَنهُم لم يأتِ إلّا بشقِّ الأنفُسِ، وبالتّالي لا يمكنُ تحميلُهم مسؤوليّةَ ضياعِ الكثيرِ مِنَ الموروثِ الإسلاميّ، بلِ السّلطةُ السّياسيّةُ التي تصدَّت لشؤونِ الرّسالةِ هيَ المسؤولةُ عَن ذلكَ. وعليهِ فإنَّ خُطبَ رسولِ اللهِ قَد تعرَّضَت لنفسِ الإهمالِ وعدمِ الإعتناءِ، وما تبقّى مِنها هوَ بعضُ المقاطعِ التي روَتها كتبُ الحديثِ، حيثُ لَم يهتمَّ الصّحابةُ ولَم يهتمَّ التّاريخُ بنقلٍ كاملٍ لخُطبِ الجُمعةِ التي ألقاها رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، وهذا بخلافِ ما نقلَهُ التّاريخُ مِن خُطبِه في بعضِ المُناسباتِ المُهمّةِ مثلَ خُطبتِه بدخولِ شهرِ رمضانَ أو خُطبتِه في غديرِ خُم بعدَ حجّةِ الوداع. وما نتجَ عَن كُلِّ ذلكَ هوَ ما نشهدُه مِن تبايُنٍ حادٍّ بينَ المدارسِ والمذاهبِ الإسلاميّةِ، حيثُ لم تتّفِق إلّا حولَ العناوينِ العامّةِ التي تُشكّلُ هويّةَ الإنسانِ المُسلِم، أمّا تفصيلاتُ العقائدِ والأحكامِ الشّرعيّةِ وغيرُ ذلكَ منَ التّفصيلاتِ فقَد باتَ منَ المُستحيلِ تحقيقُ رُؤيةٍ مُشتركةٍ حولَها، بسببِ إبتعادِ الأُمّةِ عَن أهلِ البيتِ وضياعِ الكثيرِ مِنَ الموروثِ الإسلاميّ.
اترك تعليق