ما الفرقُ بينَ القرآنِ العظيمِ والحديثِ القُدسيّ؟
السّلامُ عليكم ورحمة اللهِ،
أنّ بينَ القرآنِ العظيمِ والحديثِ القُدسيّ عمومٌ وخصوصٌ مِن وجهٍ، إذ يشتركانِ في المصدرِ نفسِه المنقولِ إلينا، فمصدرُ كلٍّ منهُما هوَ اللهُ عزّ وجلّ نزولاً إلى رسولِه الأكرمِ محمّدٍ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، ومِن ثَمَّ إلى النّاسِ كافّةً، ويفترقانِ في أنّ القرآنَ العظيمَ الذي هوَ ما بينَ الدفّتينِ قطعيُّ الصّدورِ، محفوظٌ منَ التّحريفِ والتزويرِ والكذبِ عندَ جمهورِ العلماءِ منَ الفرقِ الإسلاميّةِ المعروفةِ، في أنّ الحديثَ القُدسيّ ليسَ كذلكَ، إذ فيهِ الصّحيحُ والضّعيفُ والموضوعُ وما لا أصلَ له، فهوَ - إذن - قد شابهَ التزويرَ والتّحريفَ والكذب.
وبعبارةٍ مُختصرةٍ: إنّ القرآنَ العظيمَ لا يخضعُ لقوانينِ نقدِ الحديثِ ورجالِه، في حينِ أنّ الحديثَ القُدسيّ يخضعُ لها، شأنُه في ذلكَ شأنُ حديثِ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، والأئمّةِ المعصومينَ عليهم السّلام، إذ إنّ حديثَهما يخضعُ لتلكَ القوانينِ كما لا يخفى، وما تراهُ في كلماتِ كثيرٍ منَ الأعلامِ حينَ يُفرّقونَ بينَ الحديثِ القُدسيّ والقرآنِ على أساسِ أنّ الصّلاةَ لا يُقرأ فيها الحديثُ القدسيّ، وإنّما تنحصرُ القراءةُ بالقرآنِ فقط، فهذهِ الأمورُ تجري من بابِ بيان أحكامِ القرآنِ وأحكامِ الحديثِ عموماً، إذ كلُّ موضوعٍ لهُ أحكامُه الخاصّةُ، فلا تدخلُ مثلُ هذهِ الأمورُ في التفريقِ بينَ الموضوعينِ وتمييزِ كُلِّ واحدٍ منهُما عنِ الآخر، أو ترى بعضَهم يُفرّقُ بينَ القرآنِ والحديثِ القُدسيّ على أساسِ أنّ ألفاظَ القرآنِ المُنزلةَ جاءت لغرضِ الإعجازِ البيانيّ، وألفاظ الحديثِ القدسيّ ليسَت كذلكَ، وهذا الفرقُ ليسَ واضحاً بينَهما مِن هذهِ الجهةِ، إذ إنّ ألفاظَ القُرآنِ ليسَت على درجةٍ واحدةٍ منَ الإعجازِ، وبعضُها ليسَ فيها إعجازٌ أصلاً، وفي مقابلِ ذلكَ فإنّ في ألفاظِ الأحاديثِ القُدسيّةِ منَ الإعجازِ البيانيّ ما لا يخفى على علماءِ البيانِ وأهلِ العلمِ الذينَ دقّقوا في هذهِ المسألةِ، إذ وجدوا في ألفاظِ الحديثِ القُدسيّ نفحةً مِن عالمِ القُدسِ، ونوراً مِن عالمِ الغيبِ، وهيبةً مِن ذي الجلالِ والإكرامِ، فلِذا كانَت تُسمّى الأحاديثُ القدسيّةُ بالأحاديثِ الإلهيّةِ أو الأحاديثِ الربّانيّة. (ينظر: دروسٌ موجزةٌ في علميّ الرّجالِ والدرايةِ للشّيخِ السّبحانيّ، ص163). ودمتُم سالِمين.
اترك تعليق