ما الأدلّةُ العقليّةُ على وحدانيّةِ الله؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته التّوحيدُ هوَ الحُكمُ باستحالةِ أن يُشاركَ اللهَ غيرُه في الخلقِ أو المُلكِ أو التّدبيرِ أو في أيّ صفةٍ مِن صفاتِه تباركَ وتعالى، والإنسانُ المؤمنُ باللهِ لا يمكنُه أن يؤمنَ بإلهينِ أو أكثر لهذا الكونِ؛ وذلكَ بمُقتضى الفطرةِ وبمُقتضى العقلِ، أمّا الفطرةُ فإنَّ الإنسانَ عندَما يُصيبُه البلاءُ والمشقّةُ والحُزنُ، فإنّهُ يلجأُ لمَن يملكُ النّفعَ والضُّرَّ، ولا يلجأ لغيرِه لفهمِه أنَّ النّفعَ والضُّرَّ بيدِ اللهِ وحدِه وليسَ بيدِ غيرِه، فعندَ الصّدمةِ وعندَما تتساقطُ كلُّ الحُجبِ لا يجدُ الإنسانُ إلّا مفرّاً واحداً وهوَ اللهُ القادرُ على إنجائِه، ولَو كانَ هناكَ أكثرُ مِن إلهٍ لشعرَ الإنسانُ بوجودِهم لحظةَ الحاجةِ والمحنةِ، وقَد أكّدَ القُرآنُ ذلكَ بقولِه تعالى: (وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي البَحرِ ضَلَّ مَن تَدعونَ إِلّا إِيّاهُ)
أمّا العقلُ فإنّهُ يحكمُ باستحالةِ وجودِ أكثرَ مِن إلهٍ، ويمكنُ مُقاربةُ ذلكَ بعدّةِ طُرقٍ مِنها:
1- لو كانَ هُناكَ إلهانِ لابدَّ حينَها مِن وجودِ فاصلٍ يُميّزُ بينَهما وإلّا أصبحَ الإثنانِ واحداً، وبما أنَّ هذا الفاصلَ قديمٌ بقدمِ الإلهينِ لابُدَّ أن يكونَ هوَ إلهاً أيضاً؛ لأنَّ كلَّ قديمٍ قائمٌ بنفسِه هوَ إلهٌ بذاتِه، وهكذا يصبحُ الإثنانِ ثلاثةً والثّلاثةُ خمسةً والخمسةُ تسعةً وتستمرُّ هذهِ المُتواليةُ إلى مالانهاية. ولذا يستحيلُ عقلاً أن يكونَ هُناكَ أكثرُ مِن إلهٍ.
2- لو كانَ هُناكَ إلهانِ لابدَّ أن يكونَ كُلُّ واحدٍ منهُما واجِباً للوجوبِ، وعندَها لا يخلو أن يتمايزانِ عَن بعضِهما أو لا يتمايزان، فإن لَم يتميّزا لَم تحصُل الإثنينيّةُ، وإن تميّزا لزمَ تركّبُ كلِّ واحدٍ منهُما ممّا بهِ المُشاركةُ وممّا بهِ المُمايزةُ، وكلُّ مُركّبٍ مُمكنٌ، فيكونانِ مُمكنينِ وهوَ خلافُ كونِهما واجبا الوجود. يقولُ العلّامةُ الحلّيُ في شرحِ البابِ الحادي عشر: "..ولاستلزامِه التّركيبَ لاشتراكِ الواجبينِ في كونِهما واجبا الوجودِ فلا بدَّ مِن مائزٍ"
3- لا يمكنُ أن ينتُجَ مِن فاعلينِ فعلٌ واحدٌ، فلو فرضنا إلهينِ وكلّ واحدٍ منهُما يفعلُ ما يفعلُه صاحبُه لما تمكّنا مِن إيجادِ شيءٍ واحدٍ؛ وذلكَ لو فعلا معاً لأفسدَ ذلكَ الفعلَ الواحدَ، إلّا أن يكونَ أحدُهما فاعلاً والثّاني عاطلاً، والعاطلُ لا يكونُ إلهاً، وعليهِ متى إجتمعَ فعلانِ مِن نوعٍ واحدٍ على محلٍّ واحدٍ فسدُّ المحلِّ ضرورةٌ. قالَ تعالى: (لَو كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا)، وفي الحديثِ سألَ هشامٌ بنُ الحكمِ الإمامَ الصّادقَ (عليه السّلام): ما الدّليلُ على أنَّ اللهَ واحدٌ؟ فأجابَه: "إتّصالُ التّدبيرِ، وتمامُ الصّنعِ"
4- ولو فرضنا أنَّ فعلَ كلِّ واحدٍ منهُم مُخالفٌ لفعلِ صاحبِه لما تحقّقَ شيءٌ، فالأوّلُ يريدُ والثّاني لا يريدُ فيمتنعُ الفعلُ.
5- بما أنَّ العالمَ واحدٌ علمنا أنَّ فاعلَهُ واحدٌ، فلو كانَ هُناكَ آلهةٌ مُختلفةُ الأفعالِ لما تحقّقَ عَن أفعالِها عالمٌ واحدٌ، قالَ تعالى: (إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعضُهُم عَلَىٰ بَعضٍ)
6- لو كانَ في (السّماءِ والأرضِ) آلهةٌ قادرةٌ على إيجادِ العالمِ وخلقِه، غيرَ الإلهِ الحقِّ؛ لوجبَ أن تكونَ (تلكَ الآلهةُ) على العرشِ معَه؛ وعندَها يكونُ هناكَ موجودانِ مُتكاملانِ يُنسبانِ إلى محلٍّ واحدٍ نسبةً واحدةً وهذا مُحالٌ؛ وذلكَ لأنَّ المثلينِ لا يمكنُ نسبتُهما إلى محلٍّ واحدٍ إلّا إذا تحوّلَ الإثنانِ إلى واحدٍ وهوَ خلافُ الفرضِ، قالَ تعالى: (قُل لَو كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابتَغَوا إِلَى ذِي العَرشِ سَبِيلًا)
7- لو كانَ هُناكَ إلهٌ غيرُ اللهِ لرأينا آيتَهُ في الصّنعِ، ولو كانَ للإنسانِ خالقٌ غيرُ اللهِ لبعثَ إليه رُسلَه، قالَ أميرُ المؤمنينَ عليٌّ (عليه السّلام): "واعلَم يا بُنيَّ أنّهُ لو كانَ لربّكَ شريكٌ لأتتكَ رُسلهُ ولرأيتَ آثارَ مُلكِه وسُلطانَه ولعرفتَ أفعالَه وصفاتَه، ولكنّهُ إلهٌ واحدٌ كما وصفَ نفسَه، لا يُضادُّه في مُلكِه أحدٌ، ولا يزولُ أبداً، ولَم يزَل".
ويتّضحُ ممّا تقدّمَ أنَّ منطقَ العقلِ في إثباتِ التّوحيدِ هوَ ذاتُه منطقُ القُرآنِ الكريمِ الذي دعا النّاسَ إلى الإقرارِ بوجودِ الباري سُبحانَه ونفي الشّريكِ عنه، وهُما المعنيّانِ اللّذانِ تتضمّنُهما كلمةُ التّوحيدِ: لا إلهَ إلّا الله. ومنَ اللّطيفِ أن نختمَ هذهِ الإجابةَ بما رواهُ هشامُ بنُ الحكمِ عن الإمامِ الصّادقِ في جوابِه للرّجلِ المُلحدِ الذي كانَ يتحدّثُ عَن تعدّدِ الآلهةِ، حيثُ قالَ في جوابِه: «لا يخلو قولُكَ أنّهُما إثنانِ مِن أن يكونا قويّينِ أو يكونا ضعيفينِ، أو يكونَ أحدُهما قويّاً والآخرَ ضعيفاً، فإن كانا قويّينِ فلمَ لا يدفعُ كلُّ واحدٍ منهُما صاحبَه وينفردَ بالتّدبيرِ، وإن زعمتَ أنَّ أحدَهُما قويٌّ والآخرُ ضعيفٌ ثبتَ أنّهُ واحدٌ كما نقولُ، للعجزِ الظّاهرِ في الثّاني، وإن قُلتَ: إنّهما إثنانِ، لا يخلو مِن أن يكونا مُتّفقينِ مِن كُلِّ جهةٍ أو مُتفرّقينِ مِن كُلِّ جهة، فلمّا رأينا الخلقَ مُنتظِماً، والفُلكَ جارياً، واختلافَ اللّيلِ والنّهار، والشّمسِ والقمرِ، دلَّ صحّةُ الأمرِ والتّدبيرِ وائتلافُ الأمرِ أنَّ المُدبّرَ واحد ...»
اترك تعليق