لماذا خلق الله العصاة؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يرتكزُ هذا السّؤالُ على إفتراضٍ خاطئٍ وهوَ أنَّ اللهَ خلقَ المُؤمنَ مُؤمِناً فلماذا خلقَ العاصي عاصياً؟ وعليهِ يُؤكّدُ بشكلٍ مباشرٍ أو غيرِ مباشرٍ بأنَّ الطّاعةَ والمعصيةَ حقائقُ يوجدُها اللهُ في الإنسانِ مِن غيرِ أن يختارَها الإنسانُ بمحضِ إرادتِه، وهذا فهمٌ مشوّهٌ لسُننِ الحياةِ القائمةِ على حُرّيّةِ الإنسانِ في اختيارِ الإيمانِ أو الكُفرِ، قالَ تعالى: (وَقُلِ الحَقُّ مِن رَّبِّكُم ۖ فَمَن شَاءَ فَليُؤمِن وَمَن شَاءَ فَليَكفُر) وعليِه الأمرُ في حقيقتِه مُعلّقٌ بمشيئةِ الإنسانِ، فاللهُ خلقَ الإنسانَ وأرشدَهُ إلى طريقِ الهدايةِ ولم يمنعُه مِن طريقِ الضّلالِ إذا هوَ اختارُه، قالَ تعالى: (إِنَّا هَدَينَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا)، وقد قامَت سُنّةُ الحياةِ على وجودِ الصّالحِ والّطالحِ، والخيرِ والشّرّ، والحقّ والباطلِ، والإنسانُ مسؤولٌ عَن موقفِه وسطَ الصّراعِ بينَ هذهِ المُتضادّاتِ، فلا وجودَ لقدرٍ يمنَعُ الإنسانَ عمّا يريدُ، ولا سلطةٌ تحرمُه ممّا يحبُّ ويختارُ، فالصّالحُ هوَ مَن أرادَ أن يكونَ صالِحاً، والطّالحُ هوَ مَن أرادَ أن يكونَ طالِحاً، وهُنا تكمنُ كرامةُ الإنسانِ الذي خصّهُ اللهُ بالعقلِ وزوّدَهُ بالعزيمةِ والإرادةِ وسخّرَ لهُ كلَّ ما في الكونِ، ثمَّ ندبَهُ للسّعيّ والكدحِ في الدّنيا لتحصيلِ الكمالِ الذي يُؤهّلُه للخلودِ في الجنّةِ التي أعدّها لهُ في الدّارِ الآخرةِ، وسهّلَ اللهُ الطّريقَ واختصرَ عليهِ المشوارَ فبعثَ لهُ الأنبياءَ والرّسلَ ليُرشدوهُ إلى ما يجبُ فعلَه، فاللهُ تعالى برحمتِه حبّبَ لنا الإيمانَ وزيّنَه في قلوبِنا وهيّأ لنا الطّرقَ التي توصلُنا إليهِ وكرّهَ لنا الكُفرَ والفسوقَ والعصيان، قالَ تعالى: (وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُم وَكَرَّهَ إِلَيكُمُ الكُفرَ وَالفُسُوقَ والعِصيَانَ) فما يقعُ مِن عصيانِ العبادِ هوَ صُنعُهم وليسَ صُنعَ اللهِ فيهم، فمَن أعرضَ عنِ الحقّ لا يتوقّعُ أن يتدخّلَ اللهُ ليُجبرَه على الحقّ طالما هوَ ليسَ راغباً فيه، قالَ تعالى: (فَعُمِّيَتْ عَلَيكُم أَنُلزِمُكُمُوهَا وَأَنتُم لَهَا كَارِهُونَ).
اترك تعليق