من يملأ الفراغ في زمن الغيبة الكبرى؟
هنالك فراغ هائل على مختلف المستويات وبالذات على مستوى قيادة الأمة خلّفته الغيبة الكبرى، غير أنّ الأمة الإسلامية استوعبت ما أمكنها استيعابه وتمكّنت بفضل علمائها المخلصين، والجهود المباركة لائمة أهل البيت (عليهم السلام)، من تطويق وملء هذا الفراغ الهائل.
وبالحقيقة أنّ تمكّن الأمة من ذلك ما كان لولا الإعداد الواقعي والعملي لأئمة أهل البيت (عليهم السلام)، فنحن إذا تصفّحنا التاريخ بجانبه الروائي لوجدنا جليا كيف مارس الأئمة عملية الإعداد دون أن تلتفت إليها نفس الأمة، فالروايات التي ترجع الناس إلى رواة خاصّين عرفوا بالعلم والفضل والورع بلغت حد التواتر، فأهل البيت أعدوا الأمة من زمن حضورهم ووجودهم، للإستعداد لأخذ الرأي الفقهي بل وأخذ الرأي في مطلق ما ينزل بالأمة الإسلامية من أولئك الفقهاء المعروفين بوثاقتهم.
فكان الناس يأخذون من الرواة (الفقهاء) وأهل البيت موجودون، حتى ألِفت الأمة هذه الظاهرة، الأمر الذي مكّن الامة من استيعاب صدمة غيبة الإمام عن الأمة وانقطاعه عنها انقطاعاً ظاهرياً. لقد اجتازت الأمة الإسلامية هذا المضيق بنجاح باهر والحمد لله، وخير دليل على ذلك هو بقاءها وامتدادها إلى زماننا هذا، أي بعد نبيّها (صلى الله عليه وآله) قرابة الأربعة عشر قرنا، ولا أقصد من وجود الأمة وجودها الإسمي والشكلي، فهذا الوجود ليس خاصا بالأمة الإسلامية، بل يعم غيرها، إنّما أقصد بذلك وجودها وحضورها في الساحة الفكرية والعلمية والاقتصادية والفلسفية وغيرها من المجالات، بحيث تشكّل حلقة معرفيّة متكاملة تتمكن من إثراء اتباعها في شتى تلك المجالات. وهذا بالحقيقة معنى النجاح الحقيقي الذي تفرّد به الدين الإسلامي عن غيره من الديانات والثقافات الأخرى. ولا أظن القارئ الكريم لا يذكر الشيوعية التي اكتسحت العالم الإسلامي زمن السبعينات من القرن المنصرم، كيف أصبحت الآن أثرا بعد عين.
اترك تعليق