ممكن تبينون لنا كيف يتوفى الله الانفس حين موتها والتي لم تمت في منامها ؟
الله يتوفى الانفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الاخرى الى اجل مسمى ان في ذلك لايات لقوم يتفكرون .ممكن تبينون لنا كيف يتوفى الانفس حين موتها والتي لم تمت في منامها
السلام عليكم ورحمة الله
منَ الأدلّةِ الظّاهرةِ عندَ كُلِّ إنسانٍ على أنَّ اللهَ المُهيمنُ على الوجودِ هوَ سُنّةُ الموتِ والحياةِ، فالإنسانُ لا يملكُ لنفسِه حياةً ولا يمكنُه الهروبُ منَ الموتِ، فمهمَا امتلكَ الإنسانُ مِن قُدراتٍ لا يمكنُه الخروجُ عَن حكومةِ اللهِ وقبضتِه، فكيفَ بعدَ ذلكَ يكفرُ الإنسانُ بمَن في يدِه حياةُ الإنسانِ وموتُه، قالَ تعالى: (كَيفَ تَكفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُم أموَاتًا فَأَحيَاكُم ثُمَّ يُمِيتُكُم ثُمَّ يُحيِيكُم ثُمَّ إِلَيهِ تُرجَعُونَ) فإذا كانَت بدايةُ الإنسانِ في الدّنيا تبدأُ بالحياةِ وتنتهي بالموتِ فإنَّ ذلكَ يعني أنَّ هُناكَ مسيرةً مرسومةً للإنسانِ مِن أجلِ غاياتٍ مُحدّدةٍ، وغفلةُ الإنسانِ عَن هذهِ الغاياتِ تعني غفلتَهُ عنِ الموتِ وبالتّالي غفلتَهُ عَن حياتِه حتّى وإن كانَ يعيشُ فيها، قالَ تعالى: (كُلُّ نَفسٍ ذَائِقَةُ المَوتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّونَ أُجُورَكُم يَومَ القِيَامَةِ فَمَن زُحزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدخِلَ الجَنَّةَ فَقَد فَازَ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنيَا إِلَّا مَتَاعُ الغُرُورِ) فالإنسانُ الذي تغرُّه الحياةُ إلى درجةٍ تصرفُه عَن إدراكِ الموتِ كمصيرٍ محتومٍ يخسرُ الدّنيا والآخرة، حيثُ يلهو بالدّنيا حتّى يصدمَهُ الموتُ ويُخرجَهُ عَن كلِّ ما في الحياةِ مِن زخارفَ، قالَ تعالى: (وَجَاءَت سَكرَةُ المَوتِ بِالحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنهُ تَحِيدُ) وهذا بخلافِ الإنسانِ الذي يعيشُ في الدّنيا وعينُه على ما عندَ اللهِ منَ النّعيمِ في الآخرةِ، فالموتُ عندَه حاضرٌ ويستعدُّ لهُ بالعملِ الصّالحِ ليكونَ مصيرُه جنّاتٍ تجري مِن تحتِها الأنهارُ خالداً فيها قالَ تعالى: (كُلُّ نَفسٍ ذَائِقَةُ المَوتِ ثُمَّ إِلَينا تُرجَعُونَ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِنَ الجَنَّةِ غُرَفًا تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعمَ أَجرُ العَامِلِينَ). وعليهِ فإنَّ فلسفةَ الموتِ والحياةِ هيَ ابتلاءُ الإنسانِ لمعرفةِ مَن هوَ أحسنُ عملاً قالَ تعالى: (الَّذِي خَلَقَ المَوتَ والحَيَاةَ لِيَبلُوَكُم أَيُّكُم أحسَنُ عَمَلًا وَهُوَ العَزِيزُ الغَفُورُ).
ومِن نعمِ اللهِ على الإنسانِ بأن جعلَ لهُ المُذكِّراتِ والمُنبِّهاتِ حتّى لا يغفلَ عنِ المصيرِ الذي ينتظرُه، ولأنَّ الموتَ هوَ خيرُ واعظٍ للإنسانِ لم يكتفِ اللهُ بأن يجعلَ هذهِ الحقيقةَ فقط منظورةً للإنسانِ مِن خلالِ ما يراهُ مِن موتِ الآخرينَ وإنّما جعلَهُ يعيشُ تلكَ التّجربةَ وبشكلٍ يوميّ، وذلكَ مِن خلالِ النّومِ الذي يُعدُّ صورةً مُصغّرةً للموتِ، فكما ينامُ الإنسانُ ويفقدُ الإحساسَ والشّعورَ بالحياةِ كذلكَ يموتُ ولا يعودُ لهُ الشّعورُ بالحياةِ مرّةً أُخرى، كما وردَ في الحديثِ المعروفِ (كما تنامونَ تموتونَ وكما تستيقظونَ تُبعثونَ)، فقولُه تعالى: (اللهُ يتوفّى الأنفُسَ حينَ موتِها) وهُنا إشارةٌ إلى حقيقةِ الموتِ الذي فيهِ إنقطاعٌ تامٌّ عنِ الحياةِ، وقولُه تعالى: (والتي لَم تمُت في منامِها) فيها إشارةٌ إلى علاقةِ النّومِ بالموتِ، ثمَّ فصّلَ تعالى في القولِ في الأنفسِ المُتوفّاةِ في وقتِ النّومِ فقالَ: (فيمسكُ التي قضى عليها الموتَ ويُرسلُ الأخرى إلى أجلٍ مُسمّى) أي فيحفظُ النّفسَ التي قضى عليها الموتَ كما يحفظُ النّفسَ التي توفّاها حينَ موتِها ولا يردُّها إلى بدنِها، ويرسلُ النّفسَ الأُخرى التي لم يقضِ عليها الموتَ إلى بدنِها إلى أجلٍ مُسمّى. يقولُ السّيّدُ الطّباطبائيُّ في الميزانِ: "إنَّ النّفسَ موجودٌ مُغايرٌ للبدنِ بحيثُ تفارقُه وتستقلُّ عنهُ وتبقى بحيالِها. وثانياً: إنَّ الموتَ والنّومَ كلاهُما توفٍّ وإن إفترقا في أنَّ الموتَ توفٍّ لا إرسالَ بعدَه والنّومَ توفٍّ ربّما كانَ بعدَهُ إرسالٌ".
ويستنتجُ صاحبُ الأمثلِ مِن هذهِ الآيةِ عدّةَ نقاطٍ وهيَ:
1 - إنَّ الإنسانَ عبارةٌ عَن روحٍ وجسدٍ، والرّوحُ هيَ جوهرٌ غيرُ مادّيٍّ، يرتبطُ بالجسدِ فيبعثُ فيهِ النّورَ والحياةَ.
2 - عندَ الموتِ يقطعُ اللهُ العلاقةَ بينَ الرّوحِ والجسدِ، ويذهبُ بالرّوحِ إلى عالمِ الأرواحِ، وعندَ النّومِ يُخرجُ البارئُ عزَّ وجلَّ الرّوحَ و الجسدَ، ولكِن ليسَ بتلكَ الحالةِ التي تُقطَعُ فيها العلاقاتُ بصورةٍ كاملةٍ. ووِفقاً لهذا فإنَّ الرّوحَ لها ثلاثُ حالاتٍ بالنّسبةِ للجسدِ، وهيَ: إرتباطٌ كاملٌ (حالةُ الحياةِ واليقظةِ) واِرتباطٌ ناقصٌ (حالةُ النّومِ) وقطعُ الإرتباطِ بصورةٍ كاملةٍ (حالةُ الموتِ).
3 - النّومُ هوَ أحدُ الصّورِ الضّعيفةِ (للموتِ)، و (الموتُ) هوَ نموذجٌ كاملٌ (للنّومِ).
4 - النّومُ هوَ أحدُ دلائلِ إستقلالِ وأصالةِ الرّوحِ، خاصّةً عندَما يُرَافقُ بالرّؤيا الصّادقةِ التي تُوضّحُ المعنى أكثر.
5 - إنَّ العلاقةَ التي تربطُ بينَ الرّوحِ والجسدِ تضعفُ أثناءَ النّومِ، وأحياناً تُقطَعُ تماماً ممّا يُؤدّي إلى عدمِ يقظةِ النّائمِ إلى الأبدِ، أي موته.
6 - إنَّ الإنسانَ عندَما ينامُ في كلِّ ليلةٍ يشعرُ وكأنّهُ وصلَ إلى أعتابِ الموتِ، وهذا الشّعورُ بحدِّ ذاتِه درسٌ يمكنُ الإعتبارُ منهُ، وهوَ كافٍ لإيقاظِ الإنسانِ مِن غفلتِه.
7 - كلُّ هذهِ الأمورِ تجري بقُدرةِ البارئِ عزَّ وجلَّ، وإن كانَ قد وردَ في بعضِ الآياتِ ما يشيرُ إلى أنَّ ملكَ الموتِ هوَ الذي يقبضُ الأرواحَ، فهذا لا يعني سِوى أنّهُ يُنفّذُ أوامرَ البارئِ عزَّ وجل.
اترك تعليق